الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

دراسات عمالية

الصفحة السابقة »

عمل وأمل وتعطيل معامل القتل


عمل وأمل وتعطيل معامل القتل

                            أديب ميرو

زمن صعب تحاصر فيه الاضطرابات الأمنية والاقتصادية كافة شعوب ومجتمعات العالم وتفتك بعماله وجماهيره الشعبية النتائج السلبية لتراجعات النمو الاقتصادي والانكماش والتضخم ، ويلتهم الغلاء والاحتكار والفساد المداخيل المتواضعة للمواطنين والأجور المتدنية للعاملين بأجر في كافة البلدان النامية منها والصاعدة والمتقدمة على حد سواء .
وتتفاقم الأوضاع أكثر سوءاً في منطقتنا العربية التي تعاني بلدانها وشعوبها وعمالها ومنتجوها وفعالياتها الاقتصادية من كوارث الصراعات الدموية والحروب البينية والاقتتالات الداخلية وجرائم الإرهاب والعنف المدمر للمؤسسات والمنشآت الإنتاجية ومراكز العمل والبنى التحتية داخل هذه البانوراما المأساوية يجتمع عقد الحلقات الثلاث للعملية الإنتاجية من خلال ممثلي الحكومات وأرباب العمل والعمال في البلدان العربية الذين تدعوهم منظمة العمل العربية إلى مؤتمرها السنوي المنعقد بالكويت في النصف الثاني من الشهر الحالي .
هؤلاء المجتمعون ومن يمثلوهم وأقطارهم تنتفض في وجوههم وتسد عليهم المنافذ . تراكمات وتعقيدات ، تباينات مصالحهم المادية كأطراف إنتاج على المستوى الوطني وخلافات واقتتالات أنظمتهم وتعيق تعاونهم كوابح الضغوط والحصارات الاقتصادية المفروضة عليهم من خارجهم والتي يمارسوها في مواجهة البعض منهم أو يؤدونها ضد بعضهم وشعوبهم لصالح طرف ثالث عربي أو إقليمي أو عالمي أو دخولهم أدوات أو شركاء في صناعة " الفوضى الهدامة " المسماة           " الفوضى الخلاقة " التي تكاد تعم في كل المنطقة العربية على وجه الخصوص وفي معظم الأقاليم على وجه العموم . إن العمال والشعوب والحكومات ومجمل كياناتنا الوطنية في الجغرافيا العربية باتت تتوضع بألم وانضغاط فيما بين مطرقة فوضى صراع دموي إرهابي داخلياً في سلسلة الفوضى الهدامة إقليميا وبين سندان فوضى صراعات المصالح والمال المعولم دولياً وغزوات حركة وجشع الشركات النفطية واحتكارات الغاز وأنابيبه وأسواقه المتصارعة على المسارات والممرات البرية والبحرية في الشرق الأوسط .
أين موقع المشاركين في مؤتمر العمل العربي في هذه اللوحة الرمادية ؟
كيف يخرج العرب وصناع القرار الاقتصادي والاجتماعي ومؤسساتهم من شرنقة تموضعهم المحاصر بكل هذه التشابكات المتداخلة والاشتباكات المتصارعة بهم وعلى أرضهم والحاصدة لأرواح شعوبهم ومقدرات أوطانهم .


نعتقد أن من واجب منظمة العمل العربية ومؤتمرها البحث عن الأسباب والجذور لهذه الحالة المتردية والأزمات المتداخلة واحتمالات المستقبل المقلقة وخاصة عندما تتزاحم الأسئلة وإشارات الاستفهام والتحليلات ، وتتعدد طرائق المعالجة وتتفاوت الرؤى والمنهجيات في إيجاد الحلول للأزمة والبطالة والفقر .
إن مؤتمر العمل العربي في دورته هذه وما يستتبعها من أنشطة وبحوث لاحقة مأمول القيام بها وبالتعاون الجاد والمسؤول مع المجلس الاقتصادي الاجتماعي وبقية هيئات مجلس جامعة الدول العربية المأمول تصويب اتجاهها وتفعيل عملها ، جميعهم مطالبون بالإجابة على قلق ومعاناة الملايين من حالة التشرذم والتفتيت والخراب الاقتصادي وإفقار العمال والشعوب في المنطقة العربية وربط ذلك بصياغة برامج عملية واستراتيجيات شاملة يجري إعدادها لاحقاً من قبل الخبراء والهيئات المختصة واعتمادها وتطبيقها من قبل الحكومات العربية وبقية الشركاء الاجتماعيين في مناخ من الأمان ووقف الاقتتالات والإرهاب وذلك في معرض الإجابة على التساؤلات المشروعة والتصدي للتحديات المصيرية ومقاومة أعداء الحاضر والمستقبل ومواجهة مشاريع الهيمنة .
وأيضاً حان الوقت لأن يحظى بالاهتمام بذل المساعي لوقف الحروب ومواجهة الإرهاب وتحسين العلاقات السياسية وتنقية مناخات الاستثمار والتكامل الاقتصادي ودعم موضوعات حرية تنقل الأيدي العاملة العربية والاستفادة من الأدمغة العربية ومن العمالة المحلية وتكثيف التشغيل .
وما دام الحوار الاجتماعي والتشغيل موضوعين على جدول أعمال المؤتمر هذا العام ويتكرر منذ عقود دون تفعيل ملموس ، فإنه يحضرني رأياً قرأته يوماً لعضو مجلس العموم البريطاني السابق طوني بين صديق القضايا العربية يقول فيه : " إن البطالة قرار سياسي " وبمعنى آخر فان التشغيل قرار اقتصادي وإرادة سياسية مستحضرين أيضاً تجارب ناجحة في مواجهة الكساد الكبير في الثلاثينات والتخفيف من البطالة ومشروع مارشال في أوروبا في مواجهة آثار دمار الحرب العالمية الثانية عندما قررت الدول والحكومات التدخل والتمويل وخلق وظائف العمل واستعادة الانتعاش الاقتصادي والتنمية .
ونحن من جانبنا إذ نؤكد اتفاقنا مع هذه الآراء والمدرسة الكينزية والكينزية الجديدة فإننا نؤمن أيضاً بأنه بالتشغيل تتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتتحقق استفادة المجتمعات من قواها العاملة ومواردها البشرية والمالية وثروات وخيرات بلدانها .
إن العمال والنقابات في العالم العربي يواصلون الطلب بأن يحظى التشغيل وموضوع حرية تنقل الأيدي العاملة العربية باهتمام عربي حقيقي وبرامج عملية باعتبار ذلك أحد أهم سبل دمج الشباب

في قوة العمل النشيطة وفي المجتمع وباعتبار أن التشغيل والقضاء على البطالة أداة إستراتيجية رئيسية في مواجهة أخطار الفقر وسلبيات الإقصاء الاجتماعي والتهميش الاقتصادي والسياسي وأن ضمان العمل اللائق والعيش الكريم والاستقرار الاجتماعي عوامل حيوية تخفف الكثير من بؤر الاضطراب وتوالد الجريمة والعنف والإرهاب وتساهم ببناء قاعدة تحرير الإنسان والأرض وبناء مجتمعات مدنية معاصرة وعادلة تتكامل وتتحالف في إطار منظمة عربية متماسكة .
إن العمال والجماهير الشعبية وقوى الخير في الوطن العربي تريده مؤتمراً عربياً من أجل العمل والأمل وتعطيل معامل القتل وبناء مستقبل أفضل .

                                           
 


مشاركة :
طباعة