الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

دراسات عمالية

الصفحة السابقة »

الجلاء في دوحة الشعراء

الجلاء في دوحة الشعراء

بسام جبلاوي
مدير المعهد النقابي المركزي

لاريب ان يوم 17 نيسان 1946 كان يوما تاريخيا مشهودا فيه ارتسمت البسمة على شفاه أطفالنا وتماوجت السنابل مع نسمات الحرية وصوت البلبل الغريد مع شمس الربيع يتألق بدم الشهيد المتمثل في راية الوطن الخفاقة على ربوعه الطاهرة.. فكيف كان الجلاء..؟ وأين البداية؟
لم يأت الجلاء عفو الخاطر أو بين ليلة وضحاها لقد خاض شعبنا معارك الجلاء بكل فئاته شيبه وشبابه، رجاله ونسائه، فلاحيه وعماله، وكانت وحدته الوطنية عاملا أساسيا في نيل انتصاراته.
وثمة تشابه زمني بين كفاح شعبنا في مرحلة ما قبل الاستقلال وما بعد في التحرر من الاحتلال العثماني وفي الصراع مع الاستعمار الأوروبي والامبريالية العالمية وربيبتها الصهيونية.
ولم يكن هذا النضال جديدا على شعبنا وقد عرف البلايا في تاريخه القديم لأنه عاشها دائما بين كر وفر يهاجمه الروم فيصد الروم ويهاجمه المغول والفرنجة فيقاتل المغول والفرنجة.
وكان الشعراء في الطليعة يبثون الحماسة والقوة ويرسلون القصيد تلو القصيد في النهوض لمقارعة الاستعمار ومواجهته منذ ان سقط أول شهيد على ربى ميسلون وكان فاتحة السبيل لكل نضال مما دفع الشاعر خليل مردم إلى تحية هذا الشهيد مع رفاقه أبطال ميسلون وهم قلة من الجيش العربي السوري تصدوا لجحافل الفرنسيين:
أيوسف اليوم والضحايا كثر        ليهنك كنت أول من بداها
غضبت لأمة منها معد            فأرضيت العروبة والإلها
فيالك راقداً نبهت شعباً            وأيقظت النواظر من كراها
وهذا ما ألهم شعراء آخرون في تمجيد هؤلاء الشهداء والتغني بروعة الجلاء.
ولقد سطر شعبنا البطل في سورية على مدى ستة وعشرين عاما ملاحم بطولة وفداء واستطاع بصموده وكبريائه ان ينتزع اعجاب العدو قبل الصديق وهذا ما ينقشه الشاعر بدر الدين الحامد على جدران التاريخ بقوله:
ست وعشرون مرت كلما فرغت    جام من اليأس صرفا أترعت جام
لولا اليقين ولولا الله ما صمدت        على النوائب في أحداثها الشام
لاشك أن الفرنسيين منذ ان دخلوا أرض سورية في 24 تموز 1920 لم يهدأ لهم وما قر لهم قرار ولم يهنأ لهم عيش فقد كانت الثورات والانتفاضات والمظاهرات تقض مضاجعهم يوما بعد يوم ولم تكن ميسلون وحدها قارعة البطولة والتضحيات في مواجهة الاستعمار الفرنسي كان الشعب لهم بالمرصاد وطاردهم في كل مكان على امتداد ساحة الوطن.
لقد استطاع أحرار الوطن خلق حالة من عدم الاستقرار للاستعمار الفرنسي الغاشم الذي أفلتت زمام الأمور من بين يديه غير مرة وفقد أعصابه وصوابه في مواجهة الثورات التي كانت تلاحقه وتضعه دوماً في قفص الاتهام وهذا ما أبرزه الأديب والشاعر شفيق جبري:
أغركم من شباب الشام يومهم        بميسلون وللأيام تنكيد
جئتم حماهم فلم يملك جفونهم        غمض الليالي وهل يغفو المقاييد
ما نامت الشام عن ثأر تبيته        هيهات ما نومها في الثأر معهود
كان للشعراء وهم الذين شهدوا معارك الجلاء وعاشوا الثورات ضد المستعمر الفرنسي قصب السبق في إلهاب المشاعر الوطنية والتحريض على المقاومة وترجمة بطولات الشعب فعكسوا انتصاراته على أرض الواقع وجسدوها أعراس مجد لا تضاهى كما أذكوا روح النضال والفداء في أعماقه من أقصى الوطن إلى أقصاه وفي ذلك يصدح شاعر المهجر جورج صيدح بقوله:
جلوة النصر دفقة الفجر رؤيا        تتهادى على العيون الندية
هيئي يا دمشق أقواس نصر        من عناق الأعلام والمشرفية
أي صدر يطيب والظهر دام        بحراب السفاح والبربرية؟
فليكن أخذ ثأرنا من عدانا        قسم العيد في دمشق الوفية
ولا يخفى ان الأدب مرآة الأمة والشعر أكثر أجناس الأدب صقلا وبلورة التعبير عن واقع الشعب والأمة يقول سليم الزركلي:
عيد بأفراح الجلاء وصنوه            بتناصر الإخوان والأقران
يا يوم يعرب في دمشق لك الفدى        حييت في الأزمان والأوطان
لقد استطاع السوريون بتماسكهم وحبهم لوطنهم وتضحياتهم ان يتصدوا لإحدى أعظم دول العالم آنئذ ويخرجوها من ديارهم صاغرة لا تلوي على شيء فهم من يقدم أرواحهم رخيصة فداء لوطنهم وعزته وشموخه.
لقد ارتقت قامات الشهداء في علياء البطولة وارتوى التراب المقدس من دمائهم الطاهرة وتناثرت قبورهم في كل رابية أعلاما تنير الطريق للكفاح وتهدي السبيل لكل نضال وها هو شاعر العربية بدوي الجبل يخاطب دنيا البطولة والفداء من أجل الوطن الذي يسترخص له كل غال ونفيس بقوله:
الورود الحمر ذكرى وهوى        وطيوف من جراح الشهداء
أيها الدنيا ارشفي من كأسنا        إن عطر الشام من عطر السماء
شهداء الحق في جنتهم            هزهم للشام وجد ووفاء
وأضحى الشهداء في ملكوت الحق الواسع والنور الساطع منابر للأجيال ومشاعل ضياء وفخر في ظلمات الحكم الفرنسي كما صور ذلك خليل مطران فأحسن التصوير:
مشوا في ابتغاء المجد والموت دونه        ففازوا به (والموت خزيان ينظر)
سلوهم فهم أشهادنا اليوم من علٍ        وأرواحهم ترنو إلينا فتبشر
إذا لم تخلد أمة شهداءها                فما الدم مطلول ولا الدمع يهدر
(لسورية) فخر بما هي أحرزت            وغير كثير أنها اليوم تفخر
لقد كانت معارك الجلاء ملاحم بطولة وافتخار ومعطيات نضال لمسيرة البناء والنصر لتبقى راية الوطن خفاقة بعنفوان المجد في معاقل المجد دون ان تتوقف إرادة الشعب في سورية عن مواجهة المخططات التآمرية للحرب الكونية الظالمة عليها ومقاومتها لعصابات التكفير والاجرام بجميع مسمياتها وأصنافها وستظل إرادة الشعب بقوة وصلابة قائد مسيرة الحزب والشعب السيد الرئيس بشار الأسد وهاجة لا تهدأ في مواجهة الاستعمار وأعوانه من متخلفين ومتخاذلين.
‏14‏/04‏/2015

 


مشاركة :
طباعة