أفعى طائشة ومنشار جارح ... والأستقواء على اليمن
أديب ميرو
تحالف العرب الأغنياء بنفطهم وممالكهم مع بعض الأغنياء بتعدادهم البشري وقواتهم المسلحة بمشاركة وبمباركة أجنبية وإسرائيلية على شقيقتهم اليمن وشعبها المستضعف الذي أفقره نظام التخلف في عهد الأمامة الحميدية طيلة قرون وخنجره المسلول وقاته المبتز لوقت ومال وأرض أبنائه ، هذا اليمن الذي يصرّ مشايخ النفط على إخضاعه وتخلفه عندما يحاول كل مرة التحرر وإدارة شأنه الداخلي والتقدم بعد أن كان ذا حضارة متميزة وسعيداً في غابر الزمان في عهد بلقيسه وسد مآرب والتي تعني باللغة الآرامية الماء الكثير حين كانت قبائل الجوار تلهث وراء سراب الماء في صحرائها القاحلة وربعها الخالي يقتلها الظمأ ومجازر الغزوات والتشرذم والتناوب في مسلسلات الثأر الدموي .
تتساءل جماهير الأمة : ولماذا مثل هذه الحروب وأعمال العدوان والقصف وسفك دم الأبرياء المدنيين ؟!
.. ماذا اقترف الشعب اليمني وقواه السياسية وأحزابه سوى الاختلاف فيما بينهم على سياسات الحكم والسلطة .. فهل خلافات وصراعات الشأن الداخلي في أية دولة مستقلة وذات سيادة تحتاج إلى حرب يشنها الجيران وتحالف عربي وإقليمي ودولي بهذا الحجم والشراسة وضرب المنشآت المدنية والبنية التحتية لجار فقير بموارده ؟ ..
انعقدت قمة جامعتهم متباكين على أمن دول وشعوب الخليج في الوقت الذي تحالفاتها وطائراتها تقصف بلدا عربيا عضوا في هذه الجامعة دون اهتمام بحياة وأمن وسلامة ملايين اليمنيين الذين وبلدهم يتعرضون للعدوان والموت والخراب ؟
كان محقاً سالم زهران الإعلامي اللبناني عندما صرخ أول يوم من القصف قائلاً بألم : "ويل لأمة طائرات " خليجها تقصف يمنها "
مستعينة بطائرات " مصرها " فيما فلسطين
وحدها تنتظر منذ عقود فك قيدها .. "
نوافقه نعم أنه صباح التخاذل العربي والاستكبار الخليجي ومقدمات تهلكة الأمة العربية وانتحارها الذاتي لصالح أعدائها كل أعدائها ولحساب خصومها كل خصومها، كما ويصيح عربي غاضب قائلاً : " أتيت الدنيا ووجدت قرار إعدامي ، ولم أر باب محكمتي ولم أرى باب حكامي ."
جماهير المنطقة العربية وقواها السياسية ونخبها الواعية رغم مسؤوليتها في أنها عجزت عن أن تضع حداً لطيش وعنجهية " أولي الأمر " فيها هي تقف الآن مشدوهة خائفة من الحاضر وعلى المستقبل يرعبها الإرهاب الظلامي والمسلح من جهة على يد رعاعها الضالين ويرهبها من جهة أخرى حالة هياج وحماقات سياسية وقرارات أنظمتها وسلطاتها وطواقمها السياسية الشاهرة على الدوام سلاح العنف والإرهاب والحروب في وجه خصومها وضد جيرانها وأشقائها ، وقد محت مفردات وقيم المناقشات والحوارات والحلول والسلام من أذهانها المحقونة ومن قاموس الحكم والسياسة وإدارة المجتمعات في أوطان العرب ، حيث تدفع جنود وشعوب ومجتمعات الأمة أثماناً غالية من الدم والعذابات والآلام وخراب البيوت ودمار الأوطان وترسيخ الفقر والبطالة وهدر الطاقات وذلك بسبب ابتلائها بزعامات ارتبطت مصالحها بقوى تسلط وهيمنة وجشع ، وتدير شؤون السلم والحرب والعلاقات البينية العربية والإقليمية والدولية بضيق أفق وردود فعل متهورة وطائشة تذكرنا بحكاية تلك الأفعى الطائشة رغم أنه يقال عن بني جنسها " خذوا الحكمة من الحيات والوداعة من الحمام " لكن لكل قاعدة استثناء .
تقول حكايتنا التي نريد لها أن تكون ذات مغزى يستفيد منها كل المتهورين والحمقى والغزاة الذين تدفعهم قصور الرؤية والحقد وحب السيطرة وقلة الاحتراز واستسهال الاعتداء الظالم على الآخرين وتقود المعتدين إلى تهلكتهم ودمارهم وإلى حتفهم ونشر الخراب والدمار لمن حولهم وفي محيطهم وفي هذا خسارة أخرى ، نعتقد أنه ربما في حكاية هذه الأفعى درساً وعبرة لذوي الألباب .
يحكى أن أفعى دخلت ورشة نجار بعد أن غادرها في المساء ، وكان من عادة النجار أن يترك بعض أدواته على الأرض ومن ضمنها منشار ، وبينما كانت الأفعى تتجول هنا وهناك على أرض الورشة مرّ جسمها من فوق المنشار الحاد مما أدى إلى جرحها جرحاً بسيطاً .. ارتبكت الأفعى وكردة فعل قامت وعضت المنشار محاولة لدغه ، مما أدى إلى سيلان الدم حول فمها ، لم تكن تدرك الأفعى ما يحصل ، واعتقدت أن المنشار يهاجمها ، وحين رأت نفسها ميتة لا محالة ، قررت أن تقوم بردة فعل أخيرة قوية ورادعة ، التفت بكاملها وكامل جسمها حول المنشار محاولة عصره وخنقه ، فاعتصرتها أفدح الآلام وماتت شر الميتات وأغباها ، لم تمت إلا بسبب طيشها وغضبها وردود فعلها الغبية الحمقاء .
جماهير الأمة تنتظر صحوة العقل العربي وحكمة حوار الأشقاء واستقلال القرار وموضوعيته وتوازنه في مؤسسات العمل العربي المشترك ... هل نحلم !! ..