تطوير الإسهام النقابي في البناء الثقافي والعلمي
قد تكون النقابات وقوى التقدم ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات العمل الجماهيري عاجزة بمفردها عن تقديم الإستراتيجية البديل الرافعة للتقدم الاجتماعي والثقافي وللتطور الاقتصادي أو صنع برامج الإصلاح ووضعها موضع التطبيق بما يخدم مصالحها والمجتمع بأكمله.
ولكن لا أحد يعفي هذه القوى ومثقفيها ومفكريها من مسؤوليتها التاريخية في أنها إن عجزت عن تقديم إجابات نظرية وعملية على المسائل والتحديات الكبيرة فعلى الأقل هي مطالبة بأن تساهم في هذا المجال وفي مواجهة قوى التخلف ودعاة الفكر الظلامي والإرهابي ، وهذه القوى تملك إمكانات المشاركة في فتح نوافذ مشرعة أمام المجتمع وأمام الفكر العلمي والنهضوي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي للبناء والارتقاء وتجاوز الأزمات وامتلاك الإخلاص الجريء لنقد الواقع المر وخاصة بث روح النقد الاجتماعي والبحث الدقيق في هموم وانشغالات الفئات العريضة من المجتمع والإشارة إلى بعض مفاتيح الولوج إلى الحلول والمعالجات والى التغيير الحقيقي والتقدم الشامل والتطور المتوازن ورسم رؤية موضوعية تأليفية تجمع بين الضرورات الوطنية والتنموية والاجتماعية والفكرية والعودة إلى الإنسان وتعزيز سلطة العقل وسبل العلم وروح العدالة بما يساهم في ارتقائه المادي والروحي والأخلاقي باعتبار أن الإنسان غاية وأداة تطور المجتمعات بالإضافة لكونه فاعلا ومتفاعلا مع القوانين الموضوعية للتطور وجوهره العقلاني والإنساني .
كنت واحداً من الحاضرين المؤتمر الصحفي الأول لرئيس الاتحاد العام المنتخب بعد المؤتمر العام السادس والعشرين وشدني إعلانه الهام عن توجه القيادة النقابية الجديدة وبرنامج عملها الساعي لتطوير الاهتمام بالمسألة الثقافية والاستعداد للمباشرة بانجاز جامعة عمالية ومركز أبحاث للدراسات العمالية والنقابية والاهتمام بالمعاهد والإعلام النقابي .
حظي هذا الإعلان باهتمامنا والعديد من الصحفيين والحضور وتقديرهم لهذه الخطوة وتجاوز التعبير عن هذا الاهتمام من صيغة التساؤلات الاستفهامية المحدودة إلى صيغة المداخلة المعززة لهذا التوجه ودعمه ومباركة تنفيذ هذا الطموح المشروع وخاصة في هكذا وضع استثنائي صعب.
كانت ولا تزال محقة أسبابنا في الحماس لهذه المبادرة تشجيعنا لهذا التوجه النقابي لدى قيادة الاتحاد العام وذلك انطلاقا من قناعتنا بالمبررات التالية :
- لأن كارثة المسمى ربيعاً عربياً . قد عرت من ثياب الستر أجساد المؤسسات الثقافية والتربوية في المنطقة العربية إجمالاً وكشفت هشاشة المناهج التعليمية والمدرسية التي عجزت عن تحصين أجيال متعددة من أبناء المجتمعات العربية من هجمة فيروسات الجهالة والتضليل والفتن والعصبيات الضيقة ومن أمراض الفاسدين خلقياً وتربوياً .
- ولان الذين عاثوا فساداً في الأرض ولوثوا المجتمعات العربية وتوسلوا الحروب والدمار والقتل ضد أبناء شعبنا وعمالنا وأوطاننا لتحقيق مشاريع تسلطهم ونهبهم وهيمنتهم استطاعوا عبر المؤسسات الثقافية الإعلامية والبحثية التي يملكونها ويمولونها أن يوظفوا الكلمة السامة والصورة المفبركة والمعلومة المضللة وثقافة الموت لتأجيج غرائز الشر والكراهية والعنف ونجحوا نسبياً في تضليل وكسب بيئات حاضنة ومنتجة للإرهابيين بين الأوساط الأمية والمتخلفة .
- ولأن الثقافة سلاح في معركة المواجهة .. والمعرفة رافعة للبناء .. والعلم أداة للتطور، ولكل ذلك فهو أمر حيوي للعمال والنقابات أن يتم بناء مؤسسات التثقيف والتأهيل والإعلام من قبل الحركة النقابية السورية وفي إطار حاجات تفعيل نضالات تنظيماتها ورفع سوية كوادرها ونشطائها وفي خدمة رفع الوعي العمالي والتطوير التعليمي والمعرفي والمهني للعمال وأبنائهم والمساهمة مع كل المؤسسات الوطنية في تنمية الموارد البشرية وغرس قيم العمل والإبداع وثقافة الحياة .
هي قضية رابحة اقتصاديا ومعرفيا وخدماتيا التوجه الجاد لقيادة الاتحاد العام نحو تكثيف الاستثمار والجهد في مجال إنشاء جامعة ومراكز تدريب وتأهيل مهني والاهتمام بالدراسات والبحوث الاقتصادية والتنموية وتلازم ذلك مع أدائها للمهمات الاعتيادية والطبيعية للمنظمة النقابية وهو ليس بترف ونشاط كمالي وخاصة إذا ما جرى تنفيذ وإدارة هذه المؤسسات والأنشطة بشكل علمي ورشيد وبما يساهم بمنح أبناء العمال تخفيضات أقساطهم الجامعية ونفقات تأهيلهم المهني وفي خدمة قضايا العمال والشباب العاطلين عن العمل وغير المؤهلين تعليمياً ومهنياً .
وإذا تم اختيار إنشاء كليات وتخصصات وتأهيل مهني ودورات تدريبية تلبي حاجات سوق العمل وما يلزم من خلق كوادر مؤهلة لمرحلة إعادة الأعمار وبعث الحيوية مجدداً في الاقتصاد الوطني بعد التغلب على المحنة .
إن مواجهة أعداء الوطن وخصوم الطبقة العاملة وقضاياها المشروعة تحتاج إلى منظمة نقابية قوية وفاعلة يقودها ويناضل في صفوفها كوادر ونشطاء وقواعد وعمال يمتلكون نضج ومعارف ومعلومات تؤهلهم لأن يكونوا فاعلين في الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم ويملكون خبرات تعزز قدراتهم التفاوضية ودورهم الناشط في مؤسسات الشراكة الاجتماعية مع بقية أطراف الإنتاج والمساهمة في بناء الوطن مع الشركاء والحلفاء والأصدقاء في العملية السياسية .
ماذا نريد كعمال ونقابات ؟ وكيف نعمل ونناضل من أجل تحقيق ما نريد؟ وما هي سبل الارتقاء بدورنا الإنتاجي والوطني ؟ ومع من القوى والحلفاء نعزز ونبني مجتمعاً عادلاً ؟ وكيف نقيم ونراقب إدارات وقيادات مؤسساتنا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والشعبية ونحصنها ضد الفساد والبيروقراطية ؟.
هذه أسئلة إجاباتها تطرح مهام وتحديات ، وأداء هكذا مهام تحتاج إلى المعرفة والثقافة والعلم وإلى مساهمة بناءة من الحركة النقابية العمالية في تطوير مؤسساتها وأنشطتها ومضامين برامجها على المستويين الوطني والنقابي في كافة هذه المجالات وانجاز نقلة نوعية متصاعدة على طريق ثورة ثقافية معرفية في خدمة الإنسان والوطن .
أديب ميرو