اضاءات على تطور مسيرة الحركة النقابية العالمية
1914 – 1945
-3-
أحمد حباب
عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال
أمين العلاقات العربية والدولية
2 – الاتحاد النقابي العالمي ( F.S.I):
ولكن النقابية الدولية قد تبدو أيضا بشكل اتحاد للمركزيات الوطنية ، وعقب 1885 قامت في لندن اتصالات على يد النقابات البريطانية وفي سنة 1901 عقد اجتماع كوبنهاغن بناء على دعوة من الاسكندينافيين ولبت الدعوة "12" حركة وتغيبت فرنسا وأقرت نشر دورية الغاية منها مقارنة التقدم في التشريعات الاجتماعية في مختلف البلدان، وفي السنة التالية وفي شتوتغارت حيث تمثلت فرنسا ، أنشئ المكتب المركزي الدولي للمركزيات النقابية الوطنية ، وأسندت أمانة السر فيه إلى الألماني لوجيان وفي سنة 1913 قرر مؤتمر زوريخ أن يتبنى اسم الاتحاد النقابي العالمي F.S.I .
- واشتركت فيه تسع عشرة منظمة تمثل 6212000 منتسب ( بريطانيا العظمى – فرنسا – بلجيكا – البلدان المنخفضة- الدنمارك – السويد – النرويج – فنلندا – ألمانيا _ النمسا _ البوسنة والهرسك – كرواتيا – سلوفانيا – هنغاريا – صربيا – رومانيا – سويسرا –ايطاليا – اسبانيا – الولايات المتحدة ) وتقرر إقامة مؤتمر عالمي في سان فرنسيسكو عام 1914 .
- في هذه المؤتمرات تجابه مفهومان : المفهوم الفرنسي الذي كان يحاول جر العالمية نحو الإضراب العام ونحو مقاومة العسكرية يقابله المفهوم الألماني الذي كان يريد الاقتصار على نشاط توثيقي ، ذلك أن كل المسائل الأخرى كانت بنظرهم من اختصاص الأحزاب الاشتراكية . وكان الفرنسيون يخذلون بصورة منتظمة ولذا كانوا يبدون تذمرهم . وكانوا يأخذون على الألمان عدم اهتمامهم الجدي بالمنظمات النقابية الثورية الشديدة الحماس والقليلة الإتباع ، واليوم منظمة الاتحاد العام للعمال في سورية تترأس اتحاد النقابات العالمي ومنذ عام 2005م ورغم كل الظروف يتقدم عمل الاتحاد .
العمل النقابي بين الحربين ( 1914 – 1845 ) :
أ – خلال الحرب : من أصل الأشكال النقابية الثلاثة المتواجدة في سنة 1914 ، كانت النقابية الانكليزية وحدها بمنجاة من المرور بتجربة صعبة من جراء الحرب . فهي لم ترفض أبدا دولتها وكان من الممكن بالنسبة إليها أن تندمج حالا بالدفاع الوطني ، وهذا ما قامت به .
1 – الانضمام إلى الدفاع الوطني :
وكان الأمر على خلاف ذلك بالنسبة إلى ألمانيا " إن البروليتاريين لا وطن لهم " كما نادى بذلك ماركس من قبل , وكانت النقابية الاجتماعية الديمقراطية تنتسب إلى الماركسية . إلا أن لوجيان صرح في مدينة فرنكفورت سور – لومان – في 16 تموز 1915 بما يلي :
" إذا كانت نتيجة هذه الحرب لغير صالحنا ، فإننا سنضرب بشدة أكثر من الآخرين ، لأننا في ألمانيا أوجدنا لأنفسنا ثقافة عمالية لا يمكن أن يوجد مثلها في بلد آخر . وانه ليهمنا في المستقبل أن يكون للرايخ الألماني حدود في الغرب نهر الرين وفي الشرق نهر الفيستول " .
- واكتشف النقابيون الألمان أن لهم وطنا وأن هذا الوطن متقدم اجتماعيا على الأوطان الأخرى . أما في فرنسا ؟ في 30 تموز 1914 كانت اللجنة الاتحادية الوطنية ما تزال تعادي الحرب .
- "لقد ظل الاتحاد العام للعمل يناوئ بصلابة كل حرب ، لأن الحرب ليست بأي شكل حلا للمشاكل المطروحة إنها كانت وستبقى أرهب الشرور الإنسانية " .
- وفي أول آب نشر قانون التعبئة العامة . وأظهر الاتحاد أسفه من الحدث الواقع ، إلا أنه لم يقرر الإضراب العام .
- ماذا جرى ؟ هل يجب تجريم لوجيان على سكوته بعد أن أرسل له " جوهر " برقية في 30 تموز يدعوه فيها إلى متابعة الضغط على حكومته من أجل السلام ؟ أم أن قاعدة الاتحاد وأكثريتهم مدونة في السجل "ب " خافوا من التوقيف ومن الأحكام المرتجلة ؟ وهل دفعوا ثمن بقائهم أحرارا بقبولهم للحرب ؟ قال "مرهيم "رادا في سنة 1919 على أولئك الذين اتهموه بالسكوت في سنة 1914 ."في ذلك الحين، ما كانت الطبقة العاملة وقد أثارتها موجة هائلة من الوطنية لتسمح لأفراد القوى العامة بأن تعدمنا أنها هي التي كانت ستفعل ذلك " . وهكذا سلكت في الواقع الأشكال النقابية الثلاثة نفس السلوك تجاه التعبئة العامة .
2 – التعاون مع السلطات العامة :
لم تعد الأساليب المعتادة قابلة للتطبيق ، فالعديد من المناضلين جندوا كما صودر الكثير من الأمكنة ، وهكذا تعطلت الاجتماعات .وهكذا امتنعت النقابية عن العمل إلا عن طريق الإقناع ، إقناع السلطات العامة ، وقبول الدفاع الوطني جعل سياسة الأمر الواقع ممكنة وضرورية .وفي كل مكان تقريبا من البلدان المتقاتلة المختلفة دعي النقابيون إلى الاشتراك في اللجان التي تشكلت من أجل رفع المعنويات وتخفيف البؤس وتسريع الإنتاج .
- وفي أواخر شهر آب سنة 1914 دخل جوهو في النجدة الوطنية إلى جانب عميد البوليس القديم "ليبين " و"شارل موراس" وارتضى لقب مفوض الأمة مقابل ذلك قام في ألمانيا في 14 تشرين الثاني 1914 ممثل عن مستشار الرايخ ترافقه شخصيات كبرى بزيارة البيوت النقابية بناء على دعوة من المفوضية العامة .
- وقد خشي أولا من قيام بطالة عامة وطويلة ، ولكن الحرب العصرية تتطلب معدات ومؤونات غير متوفرة . ومن أجل زيادة الإنتاج رفضت النقابات تحديد استخدام اليد العاملة الكفؤءة ، وعملت على تفادي المشاكل وعلى حلها .
- وفي بريطانيا العظمى ، طلبت النقابات العمالية في 24 آب 1914 توقيف كل الإضرابات القائمة ، وعملت على حل المشاكل حبيا الموجود منها والمحتمل ، وفي نيسان 1915 ارتضى الزعماء النقابيون التنازل عن حق الإضراب مقابل تأليف لجان تعادلية واقامة مندوبين عن المعمل في كل مصنع ، يستشارون عند إدخال الأساليب الجديدة .
- وفي ألمانيا أنهى الزعماء النقابيون مشاكلهم في 4 آب 1914 و أسندت إليهم مقاعد في تنظيمات نجدة المشوهين ، وفي لجان الإعاشة ، وفي سنة 1916وافقوا على القانون المتعلق بالخدمة العسكرية الإضافية .كل رجل بين السابعة عشرة والستين ملزم بالعمل على متابعة الحرب ، وفي مكتب الحرب الذي كان يراقب تطبيق هذا القانون جلس مندوبون نقابيون ، كما جلسوا في اللجان التعادلية التي تتولى مهمة التوفيق . كما أنشئت لجان من العمال والمستخدمين في المنشآت والمشاريع التي طالها القانون .
- وتمت نفس الإجراءات في فرنسا حيث سعى جوهو وأصدقاؤه بعد أن هاجمتهم الأقلية المعارضة ابتداء من كانون الأول 1914 للحصول على مكاسب مادية ومعنوية وتوصلوا إلى تجميد التهديد الذي أعلنه في كانون الثاني 1915 الاشتراكي القديم "ميليران " عندما قال: " لم يعد هناك من حقوق عمالية ولا من قوانين اجتماعية لا يوجد إلا الحرب " وسهل الببر توماس الذي أصبح في أيار 1915 أمينا عاما للدولة ثم في كانون الأول 1915 وزيرا للتسلح، هذا الجهد عندما أنشأ مندوبيات عمالية في المصانع التي تعمل للحرب ، وفي ليون صرح جوهو " إذا كان القصد من التعاون تحمل مسؤولية اتخاذ قرارات في الحكم ، هذا التعاون لم أقم به أبدا . أما إذا كان القصد من التعاون الخضوع للظروف والاستسلام لها كباقي الرفاق من أجل الدفاع خطوة خطوة عن مصالح العمال فاني أخذت مكاني حيث قضت ضرورات الدفاع أبان فعل، هذا التعاون هو الذي قمت به " .
- وافق الاتحاد الأميركي للعمل على الدفاع الوطني ولكنه طلب بصورة خاصة أن يكون له مقعد في المجالس التي تشكلت من أجل الحرب ، وأن يكون له الحق في تمثيل كل العمال .
- وتشكلت لجنة وسيطة معينة من قبل رئيس الولايات المتحدة من اجل تسوية المشاكل الصناعية ، وكانت تضم ممثلين عن الاتحاد وممثلين عن أرباب العمل ، وكذلك تشكلت مكاتب تحكيمية ثلاثية في مختلف الصناعات واتخذ رئيس الاتحاد الأميركي للعمل "صاموئيل غومبير " لنفسه مركزا في اللجنة الاستشارية للعمل التي كانت تقوم إلى جانب المجلس الوطني للدفاع وكان كل شيء يدل على اتجاه النقابية نحو الاندماج في الدولة .