نقابيون وقصة كفاح ووفاء
للعمال والوطن
أديب ميـــــــرو
اتسمت الحركة النقابية السورية بوفاء مناضليها وقواعدها وعمالها لها ولوحدتها وتقدمها وبالمقابل سعت النقابات وكوادرها القيادية واتحادها العام إلى أن تساند ولا تنسى من ساهم في بنائها وأنشطتها والانخراط في مسيرة كفاحها دفاعاً عن مصالح العمال وفاعلية النقابات وحاولت أن تتعاون مع من أسهم في معالجة قضايا العمل وخدمة التقدم الاقتصادي والاجتماعي والمشاركة في حماية الوطن واستقلاله وتحرره وتطوره السياسي ، فكانت رحلة الوفاء المتبادل والعطاء المشترك والارتقاء المتلازم للوطن وللنقابات ولطليعة من عمال ونقابيين وقادة صهرتهم حرارة الكفاح النبيل ودفعتهم إلى الأمام ثقة زملائهم ومنظماتهم ونقاباتهم بهم بالإضافة إلى إمكاناتهم الشخصية وعصاميتهم التي شدتهم إلى مقدمة المشهد ومسيرة النضال .
وفي هذا الإطار تميز التنظيم النقابي في سورية بتقاليد تكريم البعض من هؤلاء ومن كوادر النقابيين القدامى واحترام المتقاعدين النقابيين وإظهار التقدير اللائق للقياديين النقابيين الذين يكملون مهام عملهم الوظيفي والنقابي أو الذين لا يكتب لهم الاستمرار بمواقعهم القيادية لأسباب مختلفة ويخلونها لرفاق جدد وجيل جديد من النشطاء والقياديين والكوادر النقابية من خلال انقضاء الأزمنة والدورات النقابية الانتخابية الدورية وبحكم الاختيارات والانتخابات الحاصلة في مؤتمرات التنظيمات النقابية .
في الغوص والبحث الحريصين بين طيات وثائق وتاريخ العمل النقابي ومذكرات قادة الأحزاب السياسية والشخصيات العامة الوطنية في سورية ومن خلال مطالعة الكتب والمقالات التي تصدر وفاءً وتكريماً للراحلين منهم ، يتكشف أمام المتابع حقائق منسية تضيف رصيداً ناصعاً لماضي وحاضر كل من الحركة النقابية واتحادها العام والعديد من هذه الشخصيات على حد سواء، فهناك أمثلة كثيرة ومشرفة على العلاقة النضالية المبكرة بين المنظمات العمالية النقابية وبين قامات وطنية سياسية وحزبية وحكومية انطلقت في تطورها التعليمي والمعرفي ونضجها السياسي وارتقائها الوظيفي والقيادي اللاحق من مكان العمل والكدّ بين أوساط العمال ، وكانت قبل تكليفها بمهام قيادية ومناصب عليا قد تخرجت من مدرسة النقابات السورية ، فأغنت تجربتها العمالية والنقابية الالتزام الطبقي والوطني لديها وساهمت بتطوير أدائها المتميز ونجاحاتها في المؤسسات والمواقع الأخرى التي انتقلت إليها .
وكان للنقابات واتحادها العام دوراً أساسياً في توفير فرص الإيفاد بمنح دراسية وأكاديمية لعمال شباب وطلاب موفدين من قبلها وخاصة إلى جامعات بلدان المنظومة الاشتراكية سابقاً التي بنت مع الجامعات السورية الوطنية أجيالاً من الكفاءات والأخصائيين والكوادر القيادية في ميادين العمل والإنتاج والتنمية البشرية والاقتصادية والتقدم الاجتماعي والسياسي .
هذا الجانب المضيء والمشرف من تاريخ وإسهامات النقابات السورية والوفاء المقابل له من قبل الموفدين الخريجين والقادة المخلصين ذكرتني به عبارات وفاء واهتمام بشؤون قائد نقابي أحيل للتقاعد بعد الانتخابات الأخيرة والتأكيد على تكريمه ومساعدته من قبل زملائه وكذلك لفتت نظري مطالعتي منذ أيام لكتاب قيم يتحدث عن واحد من النماذج الكثيرة فأبهرتني حقائق ما ورد في سيرة المرحوم الدكتور داود حيدو العامل والأكاديمي والوزير السابق والقيادي الحزبي وعن جذوره العمالية والنقابية ووفائه وامتنانه لما قدمت إليه وإلى تطوره اللاحق النقابات السورية فيقول : " أدركت أن من واجبي أن أمحو أمية عدد من زملائي عمال كهرباء القامشلي وكانت تلك أول نواة لمدرسة محو الأمية في القامشلي ، وكان لكل ذلك أثره البالغ في فوزي بإحدى المنح التدريبية التي كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية قد قدمتها لاتحاد نقابات عمال سورية في خريف عام 1958 .. سافرت مجموعة عمالية مؤلفة من /60/ عاملاً للتدريب التقني ، والتحق نحو ثمانية من المتدربين ومنهم أنا بالدراسة الجامعية .. طلبتُ المساعدة لاستكمال الدراسة وحصلت على شهادة الدكتوراه في التخطيط الاقتصادي عام 1967" .
يتم استكمال حلقات سلسلة الوفاء بين عمال ونقابات وشعب سورية والوطن والنقابي الموفد فننضاف إليهم جامعة البلد الصديق عندما يخاطب نائب رئيس الجامعة في ألمانيا الديمقراطية النقابي الحاصل على الدكتوراه مودعاً له بالقول : " إذا خدمت وطنك بإخلاص وبأقصى طاقتك تكون قد بررت جهودنا معك وأدخلت السرور إلى قلوبنا "
إنه بحق زمن جميل تتألق فيه وصية ملهمة ومخلصة من أصدقاء حقيقيين لسورية وتتجسد فاعلية النقابات في العلاقات الخارجية ويبرز تضامن نقابي دولي مع سورية ونقاباتها ويتخرج أبن بار للحركة النقابية يبقى حتى اليوم الأخير من حياته مهموماً بالمحنة في بلاده مسكوناً بالأمل والثقة بتجاوزها وبناء غد أفضل في سورية .
ونحن على أبواب المؤتمر العام للاتحاد العام يؤلمني تأخرنا في تدوين تاريخ النضالات العمالية والنماذج المتألقة من عمالنا ومراحل تأسيس النقابات في المحافظات وجهود المؤسسين فيها كحالة العامل والوزير والنقابي داود حيدو، الذي يشير إلى ذلك بالقول : "عملي في مهنة الميكانيك قادني إلى العمل على الآلات الزراعية في الأرياف المحيطة بالقامشلي حتى عام 1954 ... وكان العمل من القسوة والظلم والاستغلال بحيث مازلت نادماً لعدم كتابة مذكرات يومية عن تلك الفترة التي لو تمت لربما أصبحت سجلاً صادقاً عن حياة جيل يبني من الجهة الواحدة نهضة زراعية عمرانية في ريف متخلف ومهمل جداً ويكتوي من جهة أخرى بمظالمها وحرماناتها ... وعندما توفرت إمكانية تأسيس نقابة لعمال الميكانيك في بداية الخمسينات اشتركت في تأسيسها مع عدد آخر من العمال ، وبقيت منشغلاً في العمل النقابي حتى مغادرتي القامشلي إلى ألمانيا ، وعند عودتي واستقراري بدمشق تقربت كثيراً من الحركة النقابية ومارست التدريس لمادة الاقتصاد السياسي في المعهد النقابي المركزي ، وما زلت افخر بصداقاتي مع النقابيين القدامى والجدد ".
تحية لذكرى كل العمال والنقابيين وأصدقاء الحركة النقابية السورية الذين لم تغادرهم قيم الكفاح المخلص من أجل الإنسان العامل والوطن المستقل وبناء المواطن والسياسي النبيل .
وسورية في محنتها تحتاج إلى هكذا رجال ، وفي سورية الغالية كنز ثمين من الرجال الرجال .