اضاءات على تطور مسيرة الحركة النقابية العالمية
1914 – 1945
-1-
أحمد حباب
عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال
أمين العلاقات العربية والدولية
1- الحركة النقابية في الولايات المتحد ة :
- نظمت النقابية نفسها ، في الولايات المتحدة (كما في بلدان الدومنيون البريطانية) وفقا لأسلوب الاتحادات العمالية البريطانية .
أ – فرسان العمل (1860 – 1892 ) :
- منذ أواخر القرن الثامن عشر ، اندلعت إضرابات على يد عمال المطابع أو الحطابين في فيلادلفيا ،وتأسست في نيويورك نقابة عمال المطابع وفي بالتيمور نقابة عمال الخياطين، وفي سنة1860 أسس راهب سابق أصبح فيما بعد عامل خياط في فيلادلفيا " فرسان العمل " وهي جمعية سرية غايتها تحسين أوضاع العمال . ونمت الحركة ولكن سنة 1878 ألغى الميكانيكي " بودر لي" المنتخب " المعلم الأكبر" الطابع السري ووسع البرنامج .
- وبعد أن لاحظ فرسان العمل تجمع الثروات المتزايد ، هذا التجمع الذي إذا ترك يتفاعل فإنه سيؤدي حتما إلى الإفقار والى التقهقر الكامل للجماهير العاملة فقرروا:
1) تشكيل منظمة واحدة تضم شعبا مستقلة لكل صناعة .
2) الطلب إلى كل ولاية أن تنشئ مكاتب إحصاء للعمال.
3) العمل الدائب على إقامة تشريع عمل ينص بصورة خاصة على يوم عمل من ثماني ساعات وعلى إنشاء جهاز تحكيمي .
4) تسهيل إنشاء تعاونيات إنتاجية عمالية.
- وفي هذا البرنامج يختلط بآن واحد ما هو من اختصاص النقابة وما هو أكثر ملاءمة للحزب السياسي أو للحركة التعاونية . ولم تكن الآلة يومئذ قد تعممت في الولايات المتحدة ، وكان ما يزال التاجر والمصرفي الخصم أكثر مما كان رب العمل ، وكما أن ازدياد عدد المهاجرين قد حمل " فرسان العمل " على إعلان الإضراب خصوصا في قطاع سكك الحديد وارتفع عدد المنتسبين من 20 ألف منتسب في سنة 1879 إلى سبعمائة ألف منتسب سنة 1886 ، ولكن سرعان ما نقص العدد إلى 350 ألف . وفي سنة 1892 لم يعد للمنظمة سوى تأثير محدود .
2 – الاتحاد الأميركي للعمل :
- ومع ذلك فقد قامت نقابات بصورة متمادية في المهن التي يخشى أن يخلق فيها إدخال الآلة أزمة بطالة يؤدي دخول المهاجرين من جهة ثانية إلى خفض الأجور . فالعامل المهدد بقطع مورد رزقه يثور .
- وبمبادرة من اتحاد عمال الطوبوغراف انعقدت حلقة في بتسبورغ سنة 1881 ضمت حوالي مائة مندوب – منهم ستون من فرسان العمل والأربعون الآخرون ينتمون إلى اتحادات المهن الستة ( عمال المطابع – المعدنون – عمال الصلب – عمال الزجاج – النجارون – عمال السجاير ) ، فأقام هذا المؤتمر اتحادا مؤلفا من النقابات المنظمة ومن اتحادات العمال وتحول هذا الاتحاد بعد بضع سنوات أي بعد حل فرسان العمل إلى الاتحاد الأميركي للعمل سنة 1886 .
- وأخذ البرنامج يتوضح تدريجيا بعد أن شابه غموض في البداية وكانت القضية تتعلق بضمان سيادة كل اتحاد على مهنته بصورة خاصة ، وذلك عن طريق حمايته من تعديات بقية المهن ومن المخاطر الناتجة عن اتساع قاعدة اليد العاملة المتخصصة بآن واحد . فهل كان جميع أعضاء الاتحاد الأميركي مع الاستمرار في العمل النقابي ضمن إطار النظام الرأسمالي ؟ كلا فالأنكلو سكسون الذين كانوا يسيطرون على صناعة التعدين وسكك الحديد والصباغة والبناء قبلوا به ، لكن المناضلين الألمان الذين كانوا يسيطرون على اتحادات الخشب والبيرة والتبغ فقد تأثروا بالماركسية ، وقد أدت قوانين بسمارك إلى زيادة الهجرة وبالتالي إلى زيادة عددهم في الولايات المتحدة .
- قام غومبير رئيس الاتحاد الأميركي للعمل ، وهو عامل تبغ ببذل جهود جبارة من أجل تحقيق مطلب ثماني ساعات عمل في اليوم ، وقد ارتأى تنظيم العمال غير المؤهلين . ولكن الاشتراكيين نافسوه بماك برايد الذي انتزع منه الرئاسة سنة 1894 ولكن هذا الانتصار لم يدم طويلا . فقد استرد غومبير مركزه في السنة التالية وظل محتفظا به حتى سنة 1924 وفي سنة 1886 كان أعضاء الاتحاد الأميركي للعمل مائة ألف فأصبحوا سنة 1914 مليونا وعشرين ألف منتسب .
- كان هذا الاتحاد ذا مركزية فالتجأ إلى الإضراب والى المقاطعة كما مارس الاتفاق الجماعي وطبق نظام البطاقة واتخذت التحركات في الغالب طابع العنف الذي ميزها عن الحركات التي جرت في القارة الأوروبية ، وذلك عندما حاول (أرباب العمل ) أن يقاوموا إجراء الاستفراد أو عندما حاولوا استخدام مشتتي الإضرابات . ونادى الاتحاد الأميركي للعمل بوجود طبقات وبوجود تناقضاتها ولكنه حد من صراعها ، ورسم غومبير الهدف" المدافعة عن النظام القائم والاستمرار به وتطويره وتحسينه " وبهذا الشأن كتب جون ليوس الذي أصبح فيما بعد زعيم عمال المناجم ."ان اتحاد العمال يشكل جزءا مكملا للنظام الرأسمالي وهو ظاهرة رأسمالية حاله في ذلك كحال الشركة المساهمة " فالأول اتحاد العمال يضم الشغيلة بقصد القيام بعمل مشترك في الإنتاج وفي البيع والأخرى الشركة المساهمة تضم الرأسماليين لنفس الغرض أيضا . ان الهدف الاقتصادي واحد بالنسبة إلى الفريقين وهو الربح ولم تكن النقابية الأميركية يومئذ تطالب بالإدارة لا كليا ولا جزئيا .
- كان زعماء الحركة "رجال أعمال " وبفضل معاشاتهم المرتفعة كانوا يعيشون نوعا من الحياة التي تشبه حياة أصحاب المشاريع الذين كانوا أنصارهم في المنافسة ولكن المجادلات لم تكن مع رؤساء المشاريع أقل مرارة .
- وكثيرا ما حاول أرباب العمل أن يحصلوا من المحكمة على أمر يدعو فيه النقابة إلى توقيف الإضراب طالما أن القضية لم يحكم بها أساسا . وبعد 1895 استخدم أرباب العمل قانون شرمان المعادي للتكتل وطبق هذا القانون ضد كل اندماج يرتدي طابع التروست وبقول آخر هدف إلى إقامة حاجز تجارة بين الولايات . وهكذا اضطر قادة الاتحاد الأميركي للعمل على مراقبة تصرف السلطات العامة ، ولم ينشئوا كما فعل زملاؤهم الانكليز حزبا سياسيا ولم يتحدوا مع حزب كما فعل زملاؤهم الألمان .بل كافأ أصدقاؤهم وقاصصوا أعداءهم ".
- وهذا يعني أنهم في الانتخابات كانوا يصبون أصواتهم ضد أولئك الذين حاربوا أو ضايقوا الحركة العمالية وفي سنة 1912 دخل ولسون إلى البيت الأبيض بعد أن ارتضى بمطالب الاتحاد وعلى أساسه أقر قانون ( كلايتون ).
- إن عمل الإنسان ليس سلعة ولا مادة متاجرة ، والقانون ضد التروستات لايمكن أن يفسر على أنه يمنع وجود المنظمات أو يحد من نشاط التنظيمات القائمة بقصد تبادل المساعدة ، والتي ليس لها رأس مال – عمل أو التي لا تدار بقصد الربح أو أنه يمنع أعضاء هذه المنظمات من القيام بأغراضها الشرعية وفقا لأحكام القانون.
- إن نشاط الاتحاد الأميركي للعمل لم يرض كل العمال . وفي سنة 1905 أنشئت منظمة " عمال الصناعة في العالم " التي ضمن 50 ألف منتسب . كانت هذه المنظمة في الأصل تتألف من الاشتراكيين ، ولكنها انزلقت بصورة تدريجية نحو فوضوية متأثرة باتحاد العمال الايطالي الأصل أو الأسبان ، وكذلك من المتجولين الذين كانوا ينتقلون من مهنة إلى أخرى أو من مدينة إلى مدينة .