الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

تجنباً للوقوع في شباك الأوهام

2018-06-24 06:41:06

في الآونة الأخيرة ارتفعت النبرة في الخطاب التركي المناهض لإسرائيل خاصة بعد الاحتفال الذي جرى في كيان الاحتلال بمناسبة افتتاح مقر السفارة الأمريكية الجديد في القدس، وقبل وأثناء انعقاد اجتماع منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول يوم 18/5/2018 بحضور سبع وخمسين دولة لمناقشة القضية الفلسطينية وما تقوم به قوات الاحتلال الصهيوني من قتل وقمع للمتظاهرين في قطاع غزة، هذا الاجتماع أو المؤتمر الذي لم يصدر عنه أي إجراء عملي جاد بل اكتفى –كالعادة- ببيان تم حفظه في الأدراج إلى جانب بيانات أخرى مماثلة. ومن هذه الاجراءات على الأقل سحب سفراء هذه الدول المجتمعة من واشنطن أو من تل أبيب.. هذا أقل ما يمكن ولكن مع الأسف لم يحصل شيء من هذا.
نعود للموقف التركي من إسرائيل وارتفاع نبرة خطابه المناهض لنقول: إنه لم يعد خافياً على أحد أن أردوغان يطمح إلى أن تتزعم بلاده العالم الإسلامي ويصبح هو بالذات /خليفة/ للمسلمين!! هذا أولاً، أما الأمر الثاني أو الهدف التركي الثاني هو محاولة أردوغان وحزبه شد العصب الديني للمواطنين الأتراك عشية الانتخابات المقبلة في تركيا لكسب أصوات الناخبين خاصة أن المعارضة الداخلية لنهجه هي في تزايد مستمر بسبب سياساته الرعناء.
والأهم من ذلك كله أنه في ذروة التصعيد اللفظي غير المسبوق من قبل تركيا ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي والذي صدر عن مختلف مستويات القيادة التركية رغم ذلك حدث أمر ملفت للنظر وهو إقدام حزب أردوغان "حزب العدالة والتنمية الحاكم" على إسقاط مشروع قانون تقدمت به المعارضة العلمانية التركية يقضي بقطع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع إسرائيل رداً على سلوكها الإجرامي في غزة وموقف الإدارة الأمريكية من القدس.
بطبيعة الحال قوبل هذا الموقف من قبل حزب أردوغان الحاكم بمزيد من الارتياح في إسرائيل وقام الكنيست الصهيوني بـ"رد التحية بمثلها" كما يقال حيث قرر إسقاط "مذابح الأرمن" عن جدول أعماله.
واللافت للانتباه أكثر أن الضجيج السياسي والإعلامي التركي ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي لم يؤثر على التبادلات التجارية والاقتصادية بين الطرفين ومن الأدلة على ذلك أن ناقلة نفط تركية توجهت صبيحة اليوم التالي للقمة الإسلامية الاستثنائية التي دعا إليها أردوغان وعقدت في اسطنبول توجهت إلى ميناء عسقلان وهي محملة بأكثر من مليون برميل من النفط.
في الوقت نفسه فإن ميناء حيفا في كيان الاحتلال يعج بالبضائع التركية من مختلف أنواعها وأصنافها كذلك تراهن السلطات التركية على العودة إلى معدلات السياحة الإسرائيلية إلى تركيا في العام 2008 التي زادت عن نصف مليون سائح والعمل على تطويرها وزيادة أعداد السائحين الإسرائيليين الذين يقصدون تركيا.
وإذا جئنا إلى المجال الدبلوماسي وما هو متعارف عليه بين الدول أحياناً من طرد للدبلوماسيين عند حصول خلافات بينية نجد أن أنقرة لم تطرد السفير الإسرائيلي لديها بل طلبت إليه مغادرة مقر عمله "مؤقتاً" وهذا إجراء أقل حدة ولم تتصاعد ردة الفعل التركية إلا بعد أن قامت إسرائيل بطرد القنصل التركي العام من القدس وطلبت إلى رعاياها عدم التوجه إلى تركيا وهددت بإجراءات عقابية قوية من بينها "الاعتراف بمسؤولية العثمانيين الأتراك عن مجازر الأرمن المشهورة".
هذه بعض الحقائق الموضوعية عن مواقف حكومة أردوغان من إسرائيل نعرضها بهدف تفادي المبالغات الساذجة أو الوقوع في شباك الأوهام. والمؤكد أنها لا تبرر السلوك المتهافت للمتقاعسين من الحكام العرب عن دعم قضية فلسطين والمتخاذلين في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية والإجرام الإسرائيلي بحق أبناء الشعب الفلسطيني في غزة وغيرها من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وحتى بحق الفلسطينيين في الداخل والانحياز الأمريكي السافر إلى جانب حكومة الإرهابي نتنياهو.
والمؤكد أيضاً أنها تدين ما يمكن أن نسميه "مدرسة" في العمل السياسي والإعلامي العربي لا وظيفة لها سوى التقاط هذه الجوانب في المواقف التركية لتسويق التخاذل وتسويغ التهافت من قبل بعض الحكام العرب لاسيما في دول الخليج وعلى رأسها السعودية في الهرولة باتجاه التطبيع مع إسرائيل والانقضاض على أي "نفس" مناهض لها بوصفها –حسب الاعتقاد السعودي- حليف في مواجهة العدو الأول "إيران". وما من شك في أن مثل هذه المدرسة هي أسوأ مدرسة في التاريخ العربي القديم منه والحديث وأسوأ مقاربة يمكن أن تصدر عن أي جهة عربية رسمية كانت أم غير رسمية. وبالتالي إن أي رهان على تركيا من قبل البعض وخاصة في ظل حكم أردوغان وأطماعه وسلوكه العملي منذ بدء ما يسمى بالربيع العربي الذي كان أردوغان نفسه أحد صانعيه، إن أي رهان من هذا القبيل هو رهان خاسر ولن يقود أصحابه إلا إلى الخيبة والخذلان المفضيين حتماً لليأس والإحباط.
د. صياح عزام
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة