الكذب نزعة خطيرة وسلوك اجتماعي غير صحيح, ينتج عنه الكثير من المشكلات الاجتماعية. فالكذب عادة من العادات السيئة واتجاه غير سوي يكتسبه الطفل من البيئة التي يعيش فيها. فالأطفال يختلفون في مستوى نموهم الأخلاقي, وفي فهمهم للصدق والكذب أيضا.
ولأن مرحلة الطفولة هامة جدا في حياة الإنسان, والكذب في هذه المرحلة في منتهى الخطورة, لذا لا يجوز التغاضي عن كذب مرحلة الطفولة أو الاستهانة به. ومن هنا كان من الضروري العمل على تقديم إرشاد متخصص للطفل وأسرته من خلال هذا الحوار مع الدكتور رمضان محفوري الاختصاصي بالأمراض النفسية والعصبية.
للكذب مراحل
يوجد ثلاث مراحل على الأقل وهي: المرحلة الأولى والتي يعتقد الطفل فيها بأن الكذب خطأ لأنه موضوع يتم معاقبته من قبل الكبار ولو تم إلغاء العقوبة لأصبح الكذب مقبولاً. وفي المرحلة الثانية فيصبح الكذب شيئا خاطئا بحد ذاته ويظل كذلك حتى لو تم إلغاء العقوبة. أما في المرحلة الثالثة فيكون الكذب خطأ لأنه يتعارض مع المتعاطف والاحترام المتبادل.
كيفية معرفة مستوى المرحلة التي وصل إليها الطفل
يتم معرفة مستوى المرحلة التي وصل إليها الطفل بطرح الأسئلة التالية:
لماذا يعتبر ذكر الأكاذيب خطأ؟ وهل يكون مناسبا أن تكذب إذا لم يعلم أحد ولم يقم أحد بمعاقبتك على ذلك؟ والجدير بالذكر هنا بأن معظم الأطفال يكونون في المرحلة الثانية في عمر ست سنوات, بينما في المرحلة الثالثة يكون حوالي ثلث الأطفال في عمر 12 سنة.
مفهوم الكذب ومظاهره
يعني الكذب ذكر شيء غير حقيقي في القول والعمل والسلوك وبنية غش أو خداع شخص آخر من أجل الحصول على فائدة أو للتملص من أشياء غير سارة. فالكذب عادة من العادات السيئة واتجاه غير سوي يكتسبه الطفل من البيئة التي يعيش فيها. والكذب نزعة خطيرة وسلوك اجتماعي غير صحيح ينتج عنه الكثير من المشكلات الاجتماعية. بالإضافة إلى أنه يعوّد الطفل على هذا السلوك فينشأ كذابا, ولكن الكذب الذي يشغل بال الأهل والمربين قد يكون بحكم مرحلة النمو التي يمرون بها. فالطفل يكذب رغبة منه في جذب انتباه الآخرين. كما يجد الأطفال صعوبة في التمييز بين الخيال والواقع في سن 4- 5 سنوات ما قبل المدرسة الابتدائية , مما يجعلهم عرضة للوقوع في الكذب وهو عند هؤلاء الأطفال قد يكون حالة عارضة ومألوفة. وبالرغم من ذلك فإن له دوافع وقوى نفسية تؤثر في سلوك الطفل, وأما الكذب عند أطفال المدرسة الابتدائية فهو يكون من النوع الكذب اللا اجتماعي حيث يتم الكذب عن قصد لينفي الطفل عن نفسه تهمة أو ليدفع عن نفسه عقوبة أو ضررا ما, أو للحصول على مكاسب أو ليحط من قدر الآخرين, أو للانتقام نتيجة الشعور بالغيرة.
أسباب الكذب
يكذب الطفل للهروب من النتائج غير السارة, أو لفشله في أمر ما, وخوفا من العقاب. كما يكذب الأطفال نتيجة الشعور بالنقص وعندما يتجاهل الناس أمره. فالطفل يكذب ليلفت انتباه الوالدين وكتعبير لا شعوري لإشباع حاجته إلى الأمن والحصول على حنان الوالدين.
والطفل يتعلم الكذب من قدوة سيئة سواء في الأسرة أو المدرسة أو المجتمع وهذا ما يسمى بـ (كذب العدوى). كما أن الصرامة في معاملة الأبوين له والتضييق عليه في كل صغيرة وكبيرة تصدر عنهم, تودي بالطفل إلى اللجوء للكذب كمحاولة للظهور بالمظهر الذي يرغبه الوالدان. وكذلك صغر عمر الطفل وعدم مقدرته على التمييز بين الواقع والخيال قبل سن الخمس سنوات, وهذا النوع من الكذب مرتبط بالناحية الخرافية والأسطورية. والتي تكون قد تكونت نتيجة ذكر بعض القصص له قبل ذهابه للنوم مثلا. فخيال الطفل قوي لدرجة تجعله أقوى من الواقع نفسه. وتلتبس عليه الأمور, وينتج عنده تداخل في الفهم , ويصعب التفريق بينها (الكذب الخيالي أو الالتباسي). وهناك بعض الأطفال قد يكذب على سبيل اللعب, لرؤية تأثير كذبهم في المستمعين, فيشعرون بالسرور والمتعة . وقد يكذب الطفل بدافع الولاء لطفل آخر وذلك رغبة منه في تخليصه من مشكلة أو ورطة معينة.
وللمجتمع تأثير كبير في الطفل, حيث يتعلم منه أحيانا المواربة والنفاق الاجتماعي واختلاق الأعذار الواهية. فالطفل يتعلم أسلوب الخداع والغش والكذب المتكرر مثلا إذا قام أحد الأبوين في خداع الآخر. كما يكذب الطفل أحيانا كرغبة في تحقيق غرض شخصي, كأن يذهب الطفل إلى أبيه ويطلب منه النقود مدعيا بأنها لوالدته لإحضار بعض الحوائج, ولكن في الواقع لشراء بعض حوائجه. وهناك الكذب الانتقامي نتيجة الغيرة التي يشعر بها الطفل, أو نتيجة عدم المساواة في المعاملة بين الأبناء. فيكذب ليتّهم غيره باتهامات يترتّب عليها عقابهم.
للكذب أنواع
هناك أنواع عديدة للكذب عند الأطفال مثل الكذب الالتباسي وهو نتيجة الخلط بين الواقع والخيال, والكذب الخيالي وهنا يتخيل الأشياء وكأنها حقيقة واقعة, ولكنها في الواقع تكون من نسج خياله وهذا النوع من الكذب يعبر عما يعانيه الطفل في الأسرة, وكذلك كذب التقليد وهذا النوع من الكذب يكون تقليدا للناس الذين يعيش معهم كالآباء والأمهات أو أحد زملاء الطفل المعجب بشخصيته, والكذب الانتقامي أي الطفل يكذب من أجل إبعاد التهمة عنه وينسبها لغيره ويوجد الكذب من أجل الامتلاك فيكذب الطفل ليستحوذ على بعض الأشياء التي يرغب فيها بأي طريقة, والكذب الادعائي لشعوره بالنقص, يكذب مدعيا وجود شيء ما عنده. وهناك أنواع أخرى كالكذب العنادي والعرضي والدفاعي والأناني وغير ذلك.
العلاج والوقاية من الكذب
كوقاية وكعلاج هناك طرق كثيرة أهمها حاجة الطفل إلى علاج نفسي لعلاج الكذب في عمر باكر, لأنه إذا تطور الكذب مع نمو الطفل في العمر وأصبح ظاهرة ملازمة لحياته, يقوم الطفل بالمبالغة والتهويل واختلاق الأكاذيب وتلفيق التهم هنا وهناك, الأمر الذي يخلق شعورا بعدم تصديقه من قبل والديه ومعلميه وأقرانه, مما يولد عنده الشعور بعدم حبهم واحترامهم له, وهذا يؤدي إلى فقدانه لاحترامه الاجتماعي . ويجب استشارة الاختصاصي النفسي لتقديم المساعدة اللازمة للطفل عندما يزداد كذبه الطفل بدون مبرر وفي معظم الأحوال. كذلك يجب البحث عن كل الأسباب الكامنة وراء الكذب والعمل على تحاشيها. وتعليم الطفل القيم الأخلاقية, ويجب التأكيد على أن الصدق هو أمر أخلاقي ومفيد له وللآخرين. كما يجب أن يتصف الآباء والكبار المحيطون بالطفل بالصدق قولا وفعلا. ولاستخدام الثواب والعقاب دور مهم في العلاج بأن يكون العقاب على شكل خسارة الطفل لبعض الامتيازات, ولا بد من استخدام العقاب الذي يتناسب مع حجم الخطأ دون تهوّر أو انفعال زائد, فإذا صدق فسوف تبذل كل الجهود لمساعدته. وإن الصدق دائما لصالحه في حين أن الكذب غير ذلك. لابد من تنمية الوعي الذاتي عند الطفل وإعطائه فرصة أخرى لتحاشي الكذب مع تشجيعه على الأمانة وقول الصدق. العمل على إشباع حاجات الطفل قدر المستطاع وتوجيه الطفل إلى قول الصدق وتوجيه سلوكه نحو الأعمال التي تتناسب وقدراته الطبيعية. وإعطاء الطفل الفرصة للتنفيس عن أحلام اليقظة لديه لتظهر على شكل تعبير صادق عن أحاسيسه بالرسوم والنشاطات والألعاب وممارسة الهوايات بدلا من خروجها من صندوق الكبت اللاشعوري على شكل أكاذيب. وعلى الأبوين تجنب استخدام شدة العقاب البدني كالضرب, واللوم والتوبيخ, لأنها تعمل على تبلّد الاحساس, لذا يجب التقليل ما أمكن من هذا النوع من العقاب. ويجب إشعار أبنائنا بثقتنا بهم, حتى يشعروا بالثقة بأنفسهم وبمجتمعهم.
وفاء حيدر