عند كل هزيمة للإرهابيين يثير حماتهم في الغرب الاستعماري مزاعم استخدام السلاح الكيماوي لعرقلة تقدم الجيش العربي السوري والضغط على الدولة السورية للحصول على تنازلات أو استخدامها للتهديد بشن عدوان لرفع معنويات الارهابيين المنهارة. وعند كل دعوة سورية لتشكيل لجنة تحقيق عادلة ونزيهة في صحة هذه الادعاءات تحاول هذه الدول عرقلة تشكيل لجان علمية ومهنية ومن دول متعددة وتصر على أن يكون أعضاء هذه اللجان من عملاء لهم دسوهم على الأمم المتحدة بغرض تزييف الحقائق. والسبب في ذلك واضح, وهو أن هذه الادعاءات كاذبة أساساً وهي على نوعين:
إحداها أفلام مفبركة يتاجرون بها في إعلامهم بعد أن صنّعوها في مختبراتهم, ولا يوجد لها أساس واقعي على الأرض . وأما النوع الثاني فاعتداءات شنها الإرهابيون العاملون في خدمتهم والمستأجرون من قبلهم, والذين جرى تزويدهم بأسلحة كيميائية من قبلهم , فإذا ما ذهب التحقيق إلى مداه الأقصى كما يفترض المنطق فإنه سيكتشف الحقيقة القائلة بأن من يتاجرون بهذه الذريعة هم المرتكبون والمتورطون وهم المجرمون المسؤولون عن الضحايا التي استبيحت حياتهم. ولذلك من الطبيعي أن يتهربوا من التحقيق النزيه ويتمنون أن يكون بين لجنة التحقيق وبين كشف الحقيقة ألف سنة ضوئية حتى لا ينكشف زيفهم وخداعهم ونفاقهم ويضبطون متلبسين بارتكاب الجريمة.
والأهم في سياق هذه الدعاوى التي يثيرونها من حين إلى آخر, أنهم أعدوا لها عدتها منذ الأساس, لتكون مبرراً لهم للتدخل المسلح وشن عدوان ساعة يشاؤون, ولكنهم يشعرون الآن أنهم أمام واقع تنهزم فيه عصابات القتلة المجرمين دون أن يستطيعوا مساعدتهم. وخاصة بعد انكشاف هوية أصحاب الخوذ البيضاء الذين ينشطون وسط الجماعات الإرهابية , فقد أصبح واضحاً تبعية هؤلاء لأجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية. وهذه التبعية لا تعني فقط أنهم يدبرون المكائد التي يؤمرون بها وفبركة المسرحيات واستغلالها في التضليل الإعلامي كما حدث في مرات عديدة, لكن هؤلاء بحكم انتشارهم بين المسلحين الإرهابيين عيون على الأرض تعمل لحساب أجهزة مخابراتهم التي تمولهم بحجة أنهم يقومون بدور إنساني.
لعلًّ اكتشاف هذه المسألة والتيقن منها هو الذي يفسّر الضربات التي لحقت مؤخراً بالعديد من أصحاب الخوذ البيضاء في محافظتي إدلب ودرعا, إذ يبدو أن الإقدام على قتل هؤلاء بات يتم بدافع النكاية بالأمريكيين وحلفائهم من قبل بعض المسلحين الارهابيين الذين يعتقدون أنهم تخلوا عنهم ولم يخفوا إلى نجدتهم أمام ملاحقة الجيش العربي السوري لهم, وهذا الأمر قد يحدث أيضاً بدوافع متعددة . وهو بالضبط ما شعر به الأمريكي, فخرج مؤخراً ناطق أمريكي بشكل رسمي يعلن عن قلق أو فزع واشنطن من ظاهرة قتل بعض هؤلاء, فما يعني أن لهم مكانة خاصة عند الأمريكيين والدول الغربية أطراف المؤامرة على سورية. وهذه المكانة الخاصة لن تتآتى حصراً مما يزعمون أنه دور إنساني يقومون به كمسعفين, فما هذا الدور إلا غطاء يخفون به حقيقتهم, كما أن هذه المكانة الخاصة لن يكون كافياً تفسيرها بتلك التغطيات الدعائية المفبركة التي قاموا بأداء أدوارهم فيها, فما هو أهم من هذا هو قيام هؤلاء بدور الجواسيس على الأرض, وما يترتب على ذلك من تزويد المخابرات الأمريكية والغربية بالمعلومات التي لا يمكن لوسائل الاستطلاع المستخدمة ان تحصل عليها وهذا ما يفسّر التمويل الذي يحصلون عليه من قبل هذه الأجهزة. فهم إذن جواسيس دول العدوان على الأرض. ولأنهم كذلك فهذه الدول معنية بسلامتهم وتفزع من خطر استهدافهم حتى لا تفقد القدرة على استثمارهم بعد أن أعدتهم ليكونوا عيوناً لها وأدوات لفبركة مزاعمها ضد الجيش العربي السوري وحلفائه وما خروج الأمريكي للإعلان عن وقف تمويلهم بعد افتضاح أمرهم سوى تأكيد المؤكد على ارتباطهم بأجهزة مخابراته ومخططاتها الشيطانية.
وهكذا صار الطرفان المتواطئان في مأزق فعلي, فلا عصابات الإرهاب والجريمة باتت واثقة من أن مشغليها على استعداد لنجدتها وهي تواجه هزائمها على الأرض, ولا من عبؤوا هذه العصابات وشغلوها قادرون على نجدتها دون أن يتلقوا العقاب والرد المناسب وهم يحاولون إنقاذ أدواتهم والحيلولة دون احتراقها والقضاء عليها. وهكذا يواجه الطرفان المتواطئان واقع العجز عن تنفيذ ما كان مرسوماً لهما من خطط في سياق العدوان أو في الأحرى في سياق تنفيذ المخطط الصهيوني الذي استهدف منذ الأساس تدمير الدولة السورية وتمكين الكيان الصهيوني من التوسع بين الفرات والنيل. ولقد بات من الواضح الآن بالنسبة لأصحاب المخطط العدواني وكل من جندوا في خدمته لا يقف عن حدود الفشل, بل يمكن أن ينقلب على أصحابه انقلاباً كاملاً, وأن يُجْبَرَ الكيان الصهيوني بالذات على دفع ثمن مؤامرته الذي جند من أجلها عشرات الحكومات ومئات الآلاف من الإرهابيين الذين تهاوت مواقعهم, وقضي على أغلبيتهم وصار مصير من تبقى منهم كمصير من سبقهم.
د. محمد قاجو
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي