إنتاجية العامل ومؤشرات قوة الاقتصاد
د . حسان القيسي
قبل ظهور مفهوم الإنتاجية كان معروفا بأن قوة الأمم ترتبط بقوة اقتصادها ، وإن قوة الاقتصاد ترتبط بمعدلات الدخل القومي بين الدول ، ويعطي مؤشرا لقوة واستقرار كل منهما ، وخلال الثورة الصناعية في العالم وجدت الدول أن الدخل القومي أو الناتج القومي يأتي من عاملين رئيسيين هما : الاستثمارات الجديدة ، وإنتاجية العمل . والعامل الثاني هو الأكثر تأثيرا كما تشير الوقائع التاريخية ، ولهذا فإن الاقتصاديين والمحللين ينظرون إلى أن الإنتاجية هي المصدر الحقيقي للنمو ، ولما كانت الإنتاجية هي نسبة قيمة المخرجات إلى قيمة المدخلات ، فمن الضروري التمييز بين زيادة الإنتاجية وزيادة الإنتاج ، فالأولى تهتم في الحصول على زيادة في العلاقة بين المخرجات والمدخلات ، بينما الثانية تعتم بزيادة حجم الإنتاج مع ثبوت أو انخفاض أو زيادة علاقة قيمة المخرجات مع قيمة المدخلات .
كما إن الزيادة في الإنتاج المتأتية من هذه العلاقة ليست النهاية في حد ذاتها ، إذ أن السلع والخدمات المنتجة يجب أن تكون قابلة للبيع في السوق ، وأن تكون للمستهلك القدرة الشرائية والرغبة في الشراء ، وفي خلاف ذلك فإن حلقة الإنتاج والاستهلاك لا تكتمل ويصبح المنتجون غير قادرين على تحقيق الأرباح المتوقعة من السوق ، وهنا يبرز المحتوى الاجتماعي لزيادة الإنتاجية ، فزيادة الإنتاجية تعني تحقيق قيمة إضافية والسؤال المهم في هذا المجال هو من سيتمتع بهذه الفوائد الإضافية ؟ .. هل هو صاحب العمل الذي استثمر أمواله .. أم العمال الذين ساهموا في تحقيق هذه الزيادة ..أم المستهلك الذي يشتري هذه السلع ؟.. تشير التجارب التاريخية أن النجاح طويل الأجل لحركة الإنتاجية واستمراريتها يعتمد أساسا على تطور نظام متكافئ لتوزيع فوائد الإنتاجية على صاحب العمل والعمال والمجتمع من خلال هذا التوزيع المتكافئ وتتحقق التنمية حيث إن :
- زيادة العائد لصاحب العمل يعني زيادة في تكوين رأس المال عن طريق الاستثمار .
- زيادة العائد للعمال يعني تحسينا في الحوافز ، واستمرارا في الإنتاج المحسن دون انقطاع ، وزيادة في القدرة الشرائية وتحسين مستوى المعيشة .
إن خلق ظروف ملائمة لتحقيق كفاءة عالية في الإنتاج تمثل محور الإدارة الجيدة للمنشأة الصناعية ، كما أن الاستمرار في تحقيق الكفاءة العالية هو عملية تغيير وعلى الإدارة خلق هذا التغيير ، وللوصول إلى هذا التغيير يجب أن يتمم التخطيط نوع وحجم وسرعة التغيير المطلوب في العناصر الرئيسية المرتبطة بالعملية الإنتاجية ، كالقوى العاملة ، والتكنولوجيا ، والمواد وأساليب العمل والإدارة ، كما يجب أن يكون هذا التغيير منسجما مع الظروف والخصوصية التي تتميز بها المنشأة والمجتمع ، كما أن إحداث التغيير المطلوب الذي يؤدي إلى تحسين الإنتاجية يعتمد على نشاطين رئيسيين هما :
- النشاط التحفيزي : وهو النشاط الذي يخلق لدى الأفراد الرغبة في تحسين الأداء ، ويحافظ على استمراريتها .
- النشاط التقني : وهو النشاط الذي يهيئ الوسائل التنظيمية والتقنية التي يحتاج إليها الأفراد للقيام بالعمل بالشكل الصحيح وبكفاءة أحسن ، أو نشاط لتحسين الإنتاجية يجب أن يستخدم هذين النشاطين ويحفظ التوازن بينهما .
وأما بالنسبة لبرامج تحسين الإنتاجية فهو يتأطر بعدة مفاهيم نوضحها فيما يلي :
1 – مفهوم البرنامج : وهو نظام متكامل يساعد على تحقيق أهداف محددة في أداء المنشأة وحسن سيرها عن طريق المداخلات المخططة في هيكل المنشأة وعملياتها باستخدام علوم الإدارة والتقنيات والسلوكيات المناسبة ، كما أن برنامج تحسين الإنتاجية هو مدخل نظامي للتغير ويمكن اعتباره أسلوب استشارة وتدريب لرفع مستويات الأداء في المنشأة وتحسين اقتصادياتها .
2– أهداف البرنامج : ويمكن تحديد أهداف برنامج تحسين الإنتاجية من خلال :
-إقامة نظام فعال لقياس الإنتاجية .
- إيجاد حلقة الربط بين نظام قياس الإنتاجية وطرق المحاسبة المتبعة .
- تحسين المهارة في الإدارة والتخطيط وحل المشاكل .
- إنشاء نظام فعال للمعلومات عن الإنتاجية .
- تحسين ظروف العمل في المنشأة .
3 – العناصر المهمة للبرنامج : تكون للبرنامج عناصر رئيسية مهمة يعتمد عليها نجاح البرنامج وهي :
-الإدارة العليا للمنشأة : أن تقتنع وتلتزم بالبرنامج .
- تنظيم هيكلي للبرنامج : يرأسه شخص مسئول تجاه الإدارة العليا .
- نظام قياس الإنتاجية : يكون سهل الفهم والتطبيق .
- نظام للاتصالات بين العناصر الهيكلية المختلفة للبرنامج .
- تقنيات التحسين الإدارية والفنية والسلوكية .
ويوجد عدد من الطرق المتبعة لتنظيم برنامج تحسين الإنتاجية في منشأة أو شركة ، وتعتمد هذه الطرق التي أعدت من قبل منظمات دولية أو شركات خاصة على المراحل التالية :
1 – التشخيص الأولي للوضع القائم : يتم خلال هذه المرحلة تقييم أولي للوضع القائم للمنشأة وتشخيص أولي لإنتاجية المنشأة وجوانب التحسن الممكنة ويتم ذلك بمراجعة حسابية وتدقيقية للوضع القائم ، وينفذ هذا التشخيص الأولي من قبل إدارة المنشأة أو استشاري من داخل المنشأة أو خارجها .
2 – التعريف بنتائج المرحلة الأولى : ويتم خلال هذه المرحلة تعريف الإدارة العليا بنتائج المرحلة العليا والأسلوب الممكن اتخاذه لتنظيم البرنامج وتنفيذه وإعطاء فكرة عن التحسن المطلوب والأسلوب الممكن إتباعه وكيفية تعيين الأهداف وأسلوب العمل .
3 – تحديد الأهداف وخطة العمل : تتضمن هذه المرحلة تحديد الأهداف واعتماد خطة العمل ومؤشرات الأداء والمشاكل والعوامل المؤثرة فيها ، ويشارك في هذه المرحلة الأقسام ويتم خلالها تدريب المشاركين على تنفيذ البرنامج .
4 – تنفيذ خطة العمل : تشمل هذه الخطة توزيع الواجبات والمسؤوليات الخاصة بتنفيذ البرنامج على الأقسام والأفراد وتهيئة الإجراءات التنفيذية وبدء التنفيذ .
5 – تقييم نتائج التنفيذ : تشكل مرحلة تقييم النتائج المرحلة الأخيرة من البرنامج ، ويتم فيها تقديم نتائج تنفيذ البرنامج ومؤشرات الأداء وما تم تحقيقه من الأهداف ، ويجري هذا التقييم مرتين أو ثلاث مرات خلال السنة ، وتستخدم نتائج التقييم في إدخال تعديلات على خطة العمل أو أهداف البرنامج ، وتعتبر هذه المرحلة بداية لدورة ثانية لتنفيذ البرنامج ، أي أنها تعتبر المرحلة الأخيرة وهي تحديد الأهداف وخطة العمل .