الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

الأسعار ونظام التسعير وأثره على فعاليات الاقتصاد

2015-05-19 20:15:42

الأسعار ونظام التسعير وأثره على فعاليات الاقتصاد


د . محمد عبد الفتاح 



تعد الأسعار ونظام التسعير من أهم الأولويات في السياسات والاستراتيجيات في مختلف بلدان العالم ، واستنادا إلى أهميتها النظرية والتطبيقية في السياسات العلمية والعملية ، وانطلاقا من أهمية السعر نظريا وعمليا في تحديد الدخل الفردي أو الدخل القومي في أي بلد ، ولاختلاف سياسات الأسعار والتسعير تبعا للمذاهب الاقتصادية المتبعة ، وبهدف معرفة أثارها سواء التداخلية أو الليبرالية الحرة ، وبيان السياسات السعرية المثلى الواجب اتباعها على قطاعات الاقتصاد الوطني للإفادة منها في رسم السياسات الاقتصادية خاصة السعرية منها ، ولتأثيرها في المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية  والمالية .
لقد بدأ نظام التسعير منذ الحضارات القديمة ، ويعتقد أن نظام التسعير في الحضارة البابلية أهم تسعير حكومي في العصور القديمة ، ثم بدأ بالانتقال إلى الحضارات الأخرى ، ثم على الفكر الاقتصادي العربي، حيث ميز العرب وخصوصا في بعد العهد الإسلامي علميا وعمليا بين القيمة والسعر ، خاصة أمام جعفر بن علي الدمشقي الذي منح تسميات متعددة لتقلبات الأسعار صعودا وهبوطا ، وكذلك ابن تيمية وابن قيم الجوزية لآرائهما في التسعير الحكومي الضروري ، وابن خلدون لكشفه العلاقة الجدلية بين العرض والطلب ، وتأثيرهما في الأسعار المحلية والخارجية ، والمقريزي الذي عرض ظاهرة الغلاء وارتفاع الأسعار في عصره وآثارها الاقتصادية والمالية في فئات الشعب بكل طبقاته .
وهناك الفكر الغربي بمختلف مدارسه ونظرياته المتعددة ، كنظرية القيمة والسعر لمارشال ، وهناك نظريات تكون الأسعار ومحدداتها وآلياتها بالتسعير المركزي والإصلاح السعري الجزئي ، وخاصة في دول التخطيط المركزية واشتراكية السوق وتطبيقاتها ، ثم تطور النظريات في النظام الليبرالي ، من النظرية السكونية إلى النظرية الحركية مارا بنظرية الأسواق وتوازن الأسعار الدولية ونظرية السيطرة والتبعية والاحتكارات ، وهناك أنواع التمييز التسعيري ودرجاته للوصول الى نظريات الأسعار في ظل العولمة والتهميش السعري المحلي ، وسوف نستعرض وجهات النظر للسياسات السعرية المتعددة للمستهلكين والمنتجين والاقتصاد القومي ، ثم نبين السياسات العامة للأسعار لتحقيق استقرار الأسعار وعلاج التضخم سواء الداخلية الحكومية أو الحرة غير التداخلية ، وهذه السياسات :
1 – السياسات المالية الكينزية عبر ترشيد الأجور والأسعار .
2 – السياسات النقدية من خلال مدرسة فريد ميلتون ، عبر ضبط عرض النقود ، ثم مدرسة التوقعات الرشيدة المتكيفة للسلوك الاقتصادي حسب سرعة توافر الأسعار ، ثم مدرسة جانب العرض لتخفيض الضرائب تصاعديا .
3 – مزج السياستين المالية والنقدية .
4 – السياسات الداخلية المعتمدة على السقوف السعرية الحكومية القصوى للأسعار والأجور من خلال برامج الاستقرار الاقتصادي المطبقة في أوروبا خلال حقبات السبعينيات من القرن الماضي .
5 - سياسات التجارة الخارجية عبر أدوات تدخل سعرية .
كما أن هناك السياسات السعرية المختلطة خاصة لدى دول جنوب شرق آسيا ، عبر اتباعها تشوهات سعرية مقصودة منحرفة عن الأسعار العالمية من خلال سياسات انتقائية تنموية لمصلحة نهضة اقتصادها ونموها ، وهناك السياسات الاحتكارية التجارية لأسعار السلع والخدمات ونقل التكنولوجيا في ظل اتفاقية الغات ثم قيام منظمة التجارة العالمية في إطار العولمة ، وهناك سياسات التثبيت والتصحيح الهيكلي خلال عملية تحرير الأسعار والتي تتم بأسلوبين : إما بأسلوب الصدمة المفاجئة أو بأسلوب الخطوة خطوة ، مع ربط مشروطية منح القروض وتقديمها من صندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية إلى الدول الانتقالية لاقتصاد السوق بالتزامها تطبيق هذه الإصلاحات   الاقتصادية ، وأهمها التخفيف من التسعير المركزي الإداري أو إلغاء التسعير الحكومي ثم رفع أسعار السلع والخدمات والطاقة باعتماد مبدأ التسعير الاقتصادي لا التسعير الاجتماعي ، بغض النظر عن الآثار السيئة لتحرير الأسعار والتضخم وتردي أحوال المعيشة للسكان .
وإذا كان هدف سياسات التسعير الحكومي الاجتماعي المخفض هو حماية المستهلكين من ارتفاع وطأة الأسعار وتخفيف حدة التضخم ، لتحقيق الاستقرار السعري والنسبي وتخفيض تكاليف المعيشة لجميع فئات السكان ، إلا أن هذه السياسيات التسعيرية الإدارية اتسمت بارتفاع تكلفتها اقتصاديا  وماديا ، وأدت إلى آثار سلبية وغير محمودة في جميع قطاعات الاقتصاد الوطني ومن هذه الآثار :
1 – في تطور الإنتاج الزراعي والصناعي : أدت السياسات التسعيرية المخفضة الموجهة في عقدي الثمانينات والتسعينات الماضيين إلى دعم أسعار المستهلكين على حساب دخول المزارعين إلى تباطؤ نمو الإنتاج الزراعي ، فتناقصت الاستثمارات الزراعية وازداد العجز الغذائي ، فأدي ذلك إلى الاعتماد على الاستيراد لتلبية حاجات الاستهلاك المحلي من المواد الغذائية . وأما السياسات التسعيرية الصناعية فقد اتسمت بدعم أسعار القطاع العام الصناعي من خلال منحه أسعار صرف مخفضة للمستوردات من جهة ، ورسوم جمركية منخفضة من جهة ثانية ، لهذا تعددت التكاليف والأسعار بين القطاعين العام والخاص بسبب تعدد أسعار الصرف للمواد المستوردة .
2 – في تطور قطاع الخدمات والسلع : تباطأ نمو القطاع السلعي المادي لمصلحة القطاع الخدمي والتجاري خاصة في ظل استيراد مستلزمات الإنتاج ، فأدي ذلك إلى تزايد عجز ميزان السلع والخدمات منذ بداية عقد السبعينات وحتى نهاية الثمانينات ، ومن ثم انتقال التضخم المستورد لأسعار السوق المحلية .
3 – في تطور الموارد البشرية : كانت السياسات التسعيرية غير مواتية لتنمية الموارد البشرية وتأهيلها والحفاظ عليها بسبب تسعير قوة العمل على نحو منخفض من جهة وتحديد سقوف سعرية لذوي الدخل المحدود من جهة ثانية ، وهذا مما أسهم في ضعف تكون رأس المال البشري ، إضافة إلى أن هذه السياسيات لم تربط بين الرواتب والأجور من جهة وبين تكاليف المعيشة وارتفاع الأسعار والتضخم من جهة أخرى ، فكانت العامل الأساسي في هجرة الكفاءات الفنية والعقول المبدعة بسبب الخلل الهيكلي بين الأسعار والأجور .
وأما بالنسبة للمقترحات والتوصيات لتجاوز هذه الآثار ، يجب أن تتمتع السياسات السعرية والتسعيرية بالمرونة لتتكيف مع التطورات الاقتصادية والاجتماعية ، وفق سياسات انتقائية وأولويات تنموية لتطبيقها عمليا ، ومتابعة تنفيذها من الجهات التشريعية بالدولة ، ومن الضروري تجنب الآثار السلبية لتحرير الأسعار الزراعية ، وذلك بالعمل على استخدام التكنولوجيا المتقدمة في الزراعة لتخفيض التكاليف ، مع بذل الجهود لتوفير طاقات تخزينية لفائض الإنتاج الزراعي ، وكذلك توفير موارد مالية حقيقية لدعم أسعار الشراء الحكومي للمنتجات الزراعية ، ولابد من استخدام التسعير الاقتصادي على أساس التكاليف الحقيقية وتخفيض التكاليف التصنيعية للقطاع العام الصناعي ، وتحديث آلياته وتطوير طاقاته الإنتاجية ، كما ينبغي عدم تحميل الخزينة العامة تكاليفه التضخمية أو خسائره التشغيلية .

 


مشاركة :
طباعة