الثقافة والإعلام
خطوط التقاطع والتواصل

إذا كانت كلمتا الثقافة والإعلام متشابهتين في صعوبة تحديد مفهومهما ورسم حدودهما فإن هناك بعدا آخر يجمع بينهما يتمثل في وجود علاقة وثيقة بين المفهومين تجعلهما يتداخلان في جوانب كثيرة حتى يصعب في بعض الأحيان التفريق بينهما وهذا ما يجعل بين طرفي هذه المعادلة تجاورا طبيعيا تفرضه خصائص كل منهما ومجالات اهتماماتهما وميادين عملهما لكن هذا التجاور قد يكون فيه تجاورا ايجابيا فيه تفاهم وتعاون وقد يكون فيه الخصام.
والعلاقة بين الثقافة والإعلام هي علاقة حديثة ووليدة المراحل المعاصرة من التاريخ الحديث.
إن جدلية العلاقة بين الثقافة والإعلام علاقة قديمة لكنها لم تكن واضحة أو متبلورة في الماضي فقد كانت المادة الإعلامية شديدة التداخل والالتصاق فالمادة الثقافية مبثوثة فيها ممتزجة بنسيجها يوم لم تكن هناك وسائل إعلامية معروفة أو مستقلة.
وتجدر الاشارة إلى ان تطور المادة الثقافية والإعلامية تبعا لتطور الحياة قد أدى إلى وجود نوع من التمايز والتباين بين وسائل الثقافة ووسائل الإعلام فبدأت وسائل الإعلام المستقلة بالظهور وكأن صدور أول صحيفة بعد اختراع الطباعة في القرن الخامس عشر بداية استقلال المادة الإعلامية بوسيلة خاصة وبداية عصر الإعلام حيث انتشرت خلال المرحلة المعاصرة بواسطة الاذاعة ووكالات الأنباء ومحطات البث التلفزيوني الأرضية والفضائية والانترنت والبريد الالكتروني وغيرها.
لكن ما ان استقلت وسائل الإعلام وتنوعت حتى طغت وبدأت باحتلال مواقع الثقافة وغدت من أهم وسائلها ومن أقدرها على نشرها وإيصالها بل أصبحت القناة الثقافية الرئيسية التي تصل إلى الناس بسرعة ويسر.
وهكذا انتقلت وتطورت علاقة الثقافة بالإعلام من مرحلة الاشتراك بوسائل واحدة في الماضي البعيد هي الوسائل الثقافية إلى مرحلة تمايز الوسائل أو استقلالها ثم العودة مؤخرا الى وسائل مشتركة ان لم نقل واحدة لكن رغم ما تعرضت له هذه العلاقة من تلون إلا أنها بقيت مستمرة ووثيقة ويرى علماء الاجتماع ان هذه العلاقة مرشحة للبقاء والاستمرار رغم طغيان الإعلام المعاصر على الثقافة ومحاولته الجلوس في مقاعدها. وبالمحصلة فكل عمل ثقافي هو في أحد جوانبه أو وجوهه عمل إعلامي.
*سميح الباسط
‏09‏/12‏/2014
الثقافة والاعلام ص12
بشير مهرة


2