التطور النوعي لجيشنا الباسل في ظل نهج التصحيح المجيد
لا يسع المرء إلا ان ينحني اجلالا واكبارا أمام السجل الحافل بالبطولات والمواقف القومية النبيلة لقواتنا المسلحة الباسلة التي كانت وستبقى مدرسة وطنية عملت باستمرار بشرف ورجولة واخلاص للذود عن مصالح الشعب وكرامة الأمة منذ تأسيسها وحتى الآن. وفي هذه الأيام تتصدى بشكل منقطع النظير لأبشع وأشرس حرب كونية مدمرة خططت لها أمريكا وحليفاتها من العواصم الغربية ونفذتها عنها بالوكالة تنظيمات ومجموعات ارهابية مسلحة استقدم ارهابيوها من ما يقارب المئة دولة ليرتكبوا ضد شعب سورية ودولتها أقذر وأفدح الجرائم التي طالت البشر والشجر والحجر كل ذلك بالتنسيق مع دول الخليج العربي لاسيما منها قطر والسعودية اللتين صرفتا مليارات الدولارات من أموال النفط والغاز على تدريب وتسليح هذه المجموعات ودعمها إعلاميا. أما السبب فهو المواقف السورية المناهضة لاسرائيل والمؤيدة لقضية فلسطين وللمقاومة العربية في كل مكان في فلسطين ولبنان وغيرهما.
وبطبيعة الحال فإن هذا الدور الوطني والقومي لقواتنا المسلحة إنما جاء جراء الاهتمام بها واعدادها وتسليحها لتصل إلى مثل هذا المستوى المتميز من الايمان غير المحدود لمقاتليها بالرسالة التي يؤدونها ومن القدرات القتالية العالية التي يتمتعون بها عل صعيد تنفيذ مهامهم هذا الاهتمام بدأ بعد قيام ثورة آذار المجيدة عام 1963 وتضاعف بشكل ملحوظ بعد قيام الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني عام 1970 التي تحتفل جماهير شعبنا وقواتنا المسلحة هذه الأيام بحلول الذكرى الرابعة والأربعين لقيامها هذه الحركة التي شكلت منعطفا حاسما في تاريخ سورية والأمة العربية بأسرها ووفرت الظروف الملائمة لبناء سورية الحديثة واكتسابها موقعا رياديا في المنطقة وحتى على مستوى العالم.
لاشك بان انجازات الحركة التصحيحية كبيرة جدا على مختلف الأصعدة الداخلية والعربية والدولية بحيث غدت معالم بارزة وشامخة في مسار التاريخ المعاصر لا يستطيع حتى الأعداء تجاهلها أو القفز من فوقها ولكن سيقتصر حديثنا هنا في هذه الدراسة على تناول دورها في اعادة باء القوات المسلحة السورية من جديد وتعزيز قدراتها القتالية بحيث تمكن جيشنا من ان يصبح قوة يحسب لها حساب في المنطقة وان يطلق عليه جيش الأمة العربية.
أساليب متطورة:
لقد اتبعت أساليب منهجية مدروسة في عملية اعادة بناء القوات المسلحة بعد الحركة التصحيحية فعلى الصعيد السياسي والمعنوي تركز الاهتمام على بناء المقاتل الواعي والمستعد للتضحية والفداء وتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقه وذلك من خلال توعية وتثقيف هذا المقاتل وتحصينه بالأفكار الوطنية والقومية وبقيم الشهادة عبر مناهج وبرامج محددة في اطار عمليات التدريب والإعداد للمقاتلين. وقد أثمرت الجهود المبذولة في هذا المجال فعلا في خلق مقاتل سوري يتمتع بمستوى مرموق من الوعي للقضايا الوطنية والقومية وباستعدادات عالية للتضحية من أجل بلوغ الهدف الذي يقاتل من أجله. ولا نبالغ عندما نقول ان المقاتل في الجيش السوري يتمتع بمستوى من الوعي لا يجاريه فيه أي مقاتل عربي آخر.
وعلى الصعيد العسكري تمت اعادة هيكلة بنية الجيش تنظيميا على أسس متطورة كما تم تسليحه بأحدث أنواع الأسلحة وتدريب مقاتليه على استيعابها والتعامل معها مع الاهتمام بتطوير القاعدة التدريبية في المدارس والمعاهد والكليات والأكاديميات العسكرية بغية تأمين الكوادر العلمية والفنية والاختصاصية للقوات المسلحة بمختلف صنوف أسلحتها.
نتائج ايجابية كبيرة:
ونتيجة لهذا الاهتمام من قبل القائد الخالد حافظ الأسد بالقوات المسلحة غدا جيشنا قادرا على تأدية مهامه الوطنية والقومية بنجاح فخاض حرب تشرين التحريرية التي قضت على أسطورة الجيش الاسرائيلي المزعومة بأنه (جيش لا يقهر) وزعزعت قدرة الردع التي راهنت عليها اسرائيل طويلا وبعدها خاض حرب الاستنزاف في الجولان وجبل الشيخ على مدى عدة أشهر مما أدى إلى تحرير مدينة القنيطرة وجزء آخر من الجولان السوري المحتل.
بعدها نفذ جيشنا مهمة قومية في لبنان حيث أعاد الهدوء إلى ربوعه وجنبه مؤامرة تقسيمه إلى دويلات طائفية هزيلة ومن ثم تصدى للغزو الاسرائيلي له عام 1982 وحال دون تحقيق أهداف ذلك الغزو هذا إلى جانب التصدي للبوارج الأمريكية التي جاءت إلى السواحل اللبنانية مثل نيوجرسي وغيرها والأهم ان سورية أسقطت اتفاق 17 أيار الاذعاني الذي فرضته اسرائيل على السلطات اللبنانية آنذاك.
كذلك قدمت قواتنا المسلحة الباسلة مساعدات كثيرة لعدة جيوش عربية في مجالات التسليح والتدريب وتزويدها بالخبرات القتالية مثل الجيش الليبي والجيش السوداني الشقيقين.
وقدم جيشنا دعما غير محدود للمقاومة الفلسطينية في مجالات التسليح والتدريب والمعلومات الهامة وحرص على حمايتها من المؤامرات التي استهدفتها في الأردن ولبنان وأيضا للمقاومة الوطنية اللبنانية الأمر الذي مكنها من دحر اسرائيل من الجنوب اللبناني الذي كانت تحتله وهزيمته لاحقا في حرب تموز على لبنان صيف عام 2006.
في الوقت نفسه أصبح الجيش السوري جيشا للحرب والاعمار عبر مساهماته الكبيرة في مسيرة الاعمار والتنمية من خلال شق الطرق وبناء السدود والمدارس والمشافي والمؤسسات الثقافية والخدمية واستصلاح الأراضي.
هذا واستمر هذا الاهتمام بالقوات المسلحة بعد تسلم السيد الرئيس بشار الأسد دفة قيادة سفينة الوطن حيث قدم سيادته لها كل صنوف الدعم في مجالات التسليح والتدريب إلى جانب اجراءات عملية عززت الروح المعنوية لدى مقاتليه وكان دائما يعرب عن اعتزازه وفخره بالانتساب إليها.
استهداف ممنهج:
والجدير بالذكر هنا ان جيشنا الباسل استهدف قبل أي هدف آخر في الحرب الكونية التي تشن على سورية منذ حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة من قبل المجموعات الارهابية المسلحة التي ترعاها الولايات المتحدة واسرائيل وحلفاؤهما الغربيون وتسلحها وتمولها دول خليجية في مقدمتها السعودية ومشيخة قطر فاعتدت هذه المجموعات على معسكراته ومطاراته ونقاطه في اطار الجرائم التي ارتكبتها وما تزال في سورية كل ذلك لإضعاف هذا الجيش والنيل من تماسكه ومعنوياته وتدميره كما دمر الجيش العراقي. إلا ان بواسل جيشنا العقائدي البطل تصدوا لهذه المجموعات ولايزالون يلحقون بها الخسائر الفادحة بالأرواح وأدوات الاجرام التي تستخدمها.
بشهادة الجميع –أصدقاء وأعداء- فإن صمود وتماسك الجيش السوري لفتا أنظار العالم أجمع وصار هذا الجيش مضرب المثل في البطولات والتضحيات بعد ان فشلت كل محاولات النيل منه. وقد اعترف أكثر من خبير عسكري مخضرم بأنه لو تعرض أي جيش آخر لمثل ما تعرض له الجيش السوري خلال أكثر من ثلاث سنوات لكان مصيره السقوط والهزيمة!
وهنا تجدر الاشارة إلى ان عقائدية جيشنا ومثله العليا التي تربى عليها والتي أصبحت جزءا رئيسيا من تفكير وأداء مقاتليه لعبت الدور الهام في هذا الصمود الأسطوري.
ختاما لاشك بأن الجيش العربي السوري الذي تمثل أفكار البعث وجسدها في أدائه التزاما ومواقف مشرفة قابل هذا الاهتمام به من قبل الحركة التصحيحية ولاحقا من قبل السيد الرئيس بشار الأسد قابله بمزيد من الاخلاص والتفاني وفي أداء مهامه الوطنية والقومية وكان على الدوام سيف هذا الوطن ودرعه الحصين جيشنا الباسل هذا لهو اليوم أشد اصرارا وتصميما على مواصلة تصديه للحرب التي تشن على سورية بالوكالة عن أمريكا وحلفائها وعملائها وستكون ذكرى التصحيح حافزا جديدا له على مواصلة ملاحقة هذه المجموعات الارهابية المسلحة حتى يخلص وطننا الغالي من رجس الإرهاب ودنسه.
*د.صياح عزام
11/11/2014