مفاجأة من العيار الثقيل أعلن عنها وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك من خلال كتابه الموجه إلى كل من اتحاد غرف التجارة واتحاد غرف الصناعة بخصوص ما يعرض في مهرجانات التسوق التي باتت تقام بشكل دوري كل شهر تقريباً سواء في دمشق أو غيرها من محافظات اللاذقية أو حمص أو حماة..
ولعل ما جاء في مضمون هذا الكتاب الذي سنعرض له يؤكد ما هو مؤكد بأن البعض من قوى السوق وأصحاب الفعاليات التجارية والصناعية (وهم ليسوا بقلة) يسعون دائماً لاتباع كل السبل لتحقيق هدف وحيد لا ثاني له وهو زيادة أرباحهم المادية، بالاعتماد على مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) كشعار أساسي لكل خطوة يخطونها، ولكل عمل يقومون به، بعيداً عن مصلحة المواطن، ودون التفكير فيما قد ينعكس على مثل هذا السلوك غير السوي من تبعات أقلها اقتصادية تتعلق بمستوى الدخل والقدرة الشرائية، وصولاً إلى الآثار السلبية على صحته وسلامته هو وعائلته بسبب ما قد يتعرض له من اعتلالات وأمراض ناجمة عن عدم صلاحية بعض ما هو مطروح في الأسواق من سلع غذائية كانت أو غير غذائية والتي تؤثر على الصحة العامة للإنسان..!!
هذا الشكل من أشكال التلاعب والاستغلال بات مكشوفاً لمعظم المستهلكين والمتعاملين مع الأسواق المحلية، بدءاً من التلاعب بالأسعار وعدم التقيد بهوامش الربح المقررة، وصولاً للغش بالمواصفات وعدم التقيد بمحددات الجودة وأكثر من ذلك طرح سلع ومنتجات غير قابلة للاستهلاك البشري واعتماد مكونات غير صحية إضافة إلى التلاعب بتاريخ الصلاحية وتزويره ووضع تاريخ أحدث لتسهيل مرور هذه السلع إلى الأسواق وإقناع المستهلك بشرائها..
وبالعودة للحديث عن مهرجانات التسوق التي باتت تقام بشكل شهري، فإن آخر الأخبار المتعلقة بهذه الفعاليات، هي المضمون الصادم الذي احتواه كتاب الدكتور عبد الله الغربي وزير حماية المستهلك والموجه كما قلنا إلى القابعين في اتحادي غرف التجارة والصناعة، والذين من المفترض أن يكونوا أكثر حرصاً على سمعة المنتج السوري من غيرهم، وأكثر حرصاً على ضبط الممارسات غير القانونية واللاأخلاقية التي يقوم بها بعض من يسمون تجاراً أو صناعيين، من غش وتلاعب بالأسعار وبالمواصفات والوزن والتصنيع والإنتاج، أو استيراد سلع رديئة أو إدخال مواد تكاد صلاحيتها أن تنتهي أو أنها انتهت بالفعل، وهي من الصفقات التي يلجأ إليها البعض لتحقيق أرباح خيالية على حساب صحة وسلامة المواطن بعد أن يكون قد اشتراها بأسعار رخيصة من بلد المنشأ بسبب قرب انتهاء تاريخ صلاحيتها.. هذا إلى جانب غير ذلك من ممارسات وسلوك لا أخلاقي ولا إنساني أحياناً...
الكتاب الذي نتحدث عنه يفضح ممارسات بعض المستغلين ويكشف تلاعبهم وانعدام مصداقيتهم في ممارسة العمل التجاري أو الصناعي الذي يمتهنونه، ويؤكد إصرار بعض هؤلاء على ابتاع أي أسلوب كان لجني الأموال، فالغاية تبرر الوسيلة كما قلنا، حيث يوضح الوزير في كتابه أنه ومن خلال وعلى هامش الجولات المنفذة إلى المحافظات والتي تشمل الفعاليات الاقتصادية والتجارية ومن ضمنها المعارض التجارية المقامة فيها تمت ملاحظة أن أغلب الشركات المشاركة ليس لديها أي سجل تجاري (أفراد أو شركات).
وهذه أول معلومة تؤكد بأن هناك من يسعى لاستغلال المستهلك والمواطن وطعنه من الأمام وليس من الخلف، نأتي إلى المعلومة الثانية التي تقول بأن أغلب المنتجات المعروضة في المعارض غير مسجلة في مديرية حماية الملكية التجارية والصناعية التابعة لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ما قد يؤشر إلى عدم جدية صاحب المعمل الذي ينتج السلعة، وبالتالي عدم موثوقية منتجه الذي يبيعه للمستهلك، لأنه يبدو غير مهتم بتسجيل ملكيته كاسم تجاري.
الأمر الآخر الذي تضمنه كتاب الوزير الغربي هو أن الأسعار في تلك المعارض مرتفعة مقارنة مع أسعار السوق على الرغم من الإعلان عن وجود حسومات بنسبة تصل إلى 30%، وهو الأمر الذي يمكن لأي مستهلك أن يلمسه بمجرد قيامه بجولة في أحد تلك المعارض ومحاولته شراء سلعة ما أو منتج معروض في المهرجان، بحيث سيجد أنه لا يوجد ذلك الفارق الكبير في السعر فمثلاً ظرف قهوة وزن 100 غرام يباع في الأسواق بحوالي 330 تجده في المعرض بحوالي 300 ليرة، لكن وهنا المسألة لا يمكن للمستهلك أن يحصل على هذا السعر إلا إذا قام بشراء كمية أو شراء العرض الذي يقدمه البائع وهو على سبيل المثال شراء أربع قطع أو عبوات أو ظروف قهوة حتى يحصل على حسم أو يحصل على كوب بلاستيك ممهور بشعار المنتج واسم الماركة التجارية واللوغو...
ما يعني أنه على المستهلك أن يحسب حسابه قبل التوجه إلى مثل هذه المهرجانات بأن يملأ جيوبه بمبالغ مالية ليست قليلة ليتمكن من الاستفادة من العروض المطروحة في تلك المهرجانات وبالتالي ليمكنه الحصول على حسومات على الأسعار، وبذلك تكون تلك الحسومات المطروحة وهمية وملزمة للمستهلك...
بهذه الطريقة (الاستغلالية) البشعة يعمل بعض المشاركين في تلك المهرجانات على استغلال المواطنين و(تشليحهم) أموالهم بطريقة باتت مفضوحة وغير ذلك لا بل وتؤكد أن مصلحته لا تتحقق بالحصول على حسم ولو بسيط إلا بعد أن يحقق مصلحة العارض في شراء كميات من السلعة المعروضة.
وهي باتت من الطرق الساذجة في التسويق والتي يسعى من خلالها البعض إلى تحقيق أرباح عالية من بيع كميات أكبر وبأسعار لا تقل عن السوق بشيء.
هذا الأمر دفع بوزير التجارة الداخلية إلى القول بأن هذه المعارض تحولت إلى وسيلة لبيع منتجات غير نظامية أو مهربة، وغير مشمولة بالرقابة المخبرية والفنية وذلك بعد أن لجأ بعض المشاركين إلى هذا الأسلوب ولأنهم لا يملكون سجلا تجاريا وغير مسجلين بحماية الملكية التجارية والصناعية.
ولم يقف الأمر عند ذلك، فقد ذهب الوزير في كتابه الموجه إلى اتحادي غرف التجارة والصناعة للقول بأن أغلب الإعلانات عبر اللوحات الإعلانية الطرقية تقوم بالترويج لمنتجات تحمل رموزاً أو أشكالاً غير مطابقة لواقع المنتج، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الخداع والتضليل وخاصة فيما يتعلق بجودة المنتج وتركيبه ومواصفاته الجوهرية وصنفه ونوعه وكميته وطريقة صنعه ومنشأه وتاريخ إنتاجه وعلامته التجارية.
وهنا إشارة واضحة وتصريح وتأكيد على حالات التلاعب التي يقوم بها البعض والتي تقوم على خداع المستهلك وتضليله بالإعلان عن مواصفات ومستوى جودة غير متوفر بالسلعة المعروضة، وبالتالي يتكامل هذا الأمر مع باقي النقاط التي تندرج كلها تحت ما يسمى السعي لجني ثروات قذرة على حساب المواطن ودخله، من خلال الكذب والخداع والتضليل.
كل هذا وغير استدعى من الوزير الغربي أن يطلب من اتحادي غرف التجارة والصناعة العمل على التوجيه إلى كل التجار والصناعيين بضرورة تسجيل شركاتهم أصولاً في كل من مديرية الشركات ومديرية حماية الملكية التجارية والصناعية في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وكذلك أن تكون التخفيضات المعلن عنها ضمن المعارض واقعية، ولا تقل عن نسبة 25% من سعر مبيعها في الأسواق المحلية، وكذلك عدم قبول أي إعلان لمنتج أو مشاركة في أي معرض لأي شركة أو مؤسسة أو علامة سواء كانت تجارية أو صناعية ما لم يتم تسجيلها أصولاً في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، وذلك حرصاً على حماية المنتج الوطني وإيصاله إلى المستهلك بالمواصفات وبالسعر المناسب.
وبالنهاية لا بد من القول بأن هناك جهوداً تبذل وهناك مساعي جدية وأكيدة تعمل على تنظيف الأسواق المحلية وكشف النقاب عن حالات الغش والتلاعب والاستغلال التي يلجأ إليها أصحاب النفوس الضعيفة، لكن على ما يبدو أن حجم هذا الخداع والتضليل كما أسماه وزير التجارة الداخلية كبير جداً بدليل تزايد عدد الحالات التي يتم ضبطها على مدار الساعة، دون أن ينعكس ذلك في ردع هؤلاء عن الاستمرار بغشهم، ونقل هذه العدوى السيئة إلى آخرين استسهلوا هذا الطريق المؤدي إلى الثراء السريع وغير المشروط.
محمود ديبو
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي