الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » أخبار الاقتصاد

الصفحة السابقة »

أسواق القرية ظاهرة تسويقية اقتصادية

2018-02-04 08:33:43

في ظل تبدل نمط السكن، وإيقاع الحياة العصرية، يحن الجميع إلى الماضي القريب وإلى العودة إلى حضن الطبيعة الأم… واليوم وفي ظل ما نعيشه من أزمة أرخت ظلالها على كل مفاصل حياتنا، أصبحنا نبحث عن منفذ نلجأ إليه بعيداً عن الكوارث الأخلاقية والمجتمعية وحتى البيئية التي أفرزتها هذه الأزمة، فلم تسلم حتى المنتجات الزراعية أيضاً من مفرزات الحرب، ومواطننا اليوم بات يحلم بالمنتجات الزراعية الطبيعية المنتجة دون استخدام المخصبات الزراعية ومحفزات النمو الكيميائية، والمبيدات الحشرية الكيميائية وما تتركه من أثر متبقٍ يعصف بصحتنا وصحة أبنائنا، وهذا ما يستدعي خلق أسواق خاصة بالمزارعين والمواطنين فقط تحقق مصلحة الطرفين بعيداً عن كل التدخلات والوساطات.

ضرورة ملحة
تنتشر في كل دول العالم المتقدم أسواق خاصة بالمزارعين، حيث يتم البيع فيها دون وسطاء ومن المنتج إلى المستهلك مباشرة، وتحظى تلك الأسواق برعاية ودعم حكوميين، وفي ظل الأزمة وما فرضته من صعوبات في النقل، وتكاليف إضافية عبر سلاسل التوزيع، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، فإن إحياء فكرة أسواق القرية وسط المدن أصبح أمراً حيوياً ومطلوباً بهدف التخفيف من أعباء الحياة على المواطنين، وتحقيق عائد أكبر للمزارعين وتجنيبهم الدخول في حلقات السمسرة، والمؤسف اليوم أن أسواق الهال الزراعية الكبيرة تهيمن على مبيعات منتجات الخضار والفواكه، أما المزارع العائلية الصغيرة فلديها صعوبة في منافسة تلك الأسواق والشراء مباشرة من المزارعين يعطيهم عائداً أفضل لمنتجاتهم، ويمنحهم فرصة الصمود في اقتصاد اليوم المعولم، فأسر المزارعين بحاجة إلى دعم المواطن المستهلك، كذلك المستهلك بحاجة إلى الشراء بشكل مباشر من هذه الأسواق، إذاً، العلاقة والمصلحة هنا متبادلة بين الطرفين، إذ إن الشراء مباشرة من المزارعين يعطيهم عائداً أفضل لمنتجاتهم، ولا نختلف على الأسباب الكثيرة التي تدعو المواطنين إلى التسوق من أسواق القرية لعلّ أهمها نضوج الثمار بشكل جيد، فالمزارعون يسمحون للثمار أن تنضج تماماً، إضافة إلى عدم وجود مسافات شحن طويلة ولا معاملة بالغاز لمحاكاة عملية النضوج، كذلك لا تبقى المنتجات عدة أسابيع في التخزين، تلك المنتجات الغذائية هي حقيقية طازجة ومن المزرعة مباشرة إليك ، فالمنتجات الزراعية في بلدنا تنقل من مسافات متوسطها 200 كم للوصول الى مائدتنا، ويستخدم هذا النقل كميات كبيرة من الموارد الطبيعية بينما يتم نقل المواد الغذائية في أسواق القرية بمسافات أقصر، وتزرع عادة باستخدام الأساليب البدائية التي تقلل من التأثير على البيئة، ويمكننا القول: إن الكثير من المنتجات الزراعية الموجودة في متاجر البقالة في المدن نمت باستخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية ولهذه الممارسات آثار سلبية خطيرة على صحة الإنسان، وفي المقابل معظم المواد الغذائية التي عُثر عليها في أسواق القرية كانت معرضة للحد الأدنى من المعاملات، ذلك لأن مزارعينا يميلون إلى زراعة المنتجات الأكثر قيمة غذائية، والتي يمكن إنتاجها باستخدام التقنيات المستدامة من بذور بلدية وأسمدة عضوية والاعتماد على الأعمال الزراعية اليدوية لوقاية النبات من الأمراض والآفات وانتقاء المنتجات الجيدة قبل النزول إلى السوق، فهل تبادر الجهات المعنية إلى توفير حيز من مساحات المدن للمزارعين القريبين منها لطرح منتجاتهم؟.

نشاط استثماري
تُعتبر ظاهرة أسواق القرية ظاهرة تسويقية اقتصادية وأهلية ونشاطاً استثمارياً زراعياً منظماً ومؤهلاً، وهو منتشر في دول العالم المتقدم بشكل واسع، ويلقى دعماً سخياً من المستهلكين حسب رأي المهندس ”عبد الرحمن قرنفلة” المستشار الفني في غرف الزراعة، كما تدعم هذه الأسواق من قبل الحكومات والمجتمع المدني، وفي بلدنا ومع وجود الواقع التسويقي المشوّه للمنتجات الزراعية والذي يحتاج إلى تطوير وتفعيل بالشكل الملائم، جاءت أسواق القرية استجابة  لهذا الواقع، ولاقت رواجاً كبيراً منذ انطلاقتها في محافظة اللاذقية منتصف عام 2006 ثم في حلب نهاية عام 2011  ليمتد إلى العاصمة دمشق، حيث تمت إقامة أول سوق في التكية السليمانية في ربيع 2012 أيضاً، وفي السويداء في صيف 2012،  وكذلك في محافظة ريف دمشق، وقد دعمت الحكومة هذا النشاط الاقتصادي الذي يمارسه الأهالي والمزارعون والمهتمون، واعتبرته نشاطاً تسويقياً اقتصادياً مهماً ينعكس إيجاباً على أطراف السلسلة التسويقية، أي المنتج الزراعي والمستهلك النهائي، وينصف كلاً منهما، ويساهم في دفع عجلة الاقتصاد من خلال تشجيع الورش المنزلية الصغيرة للصناعات الغذائية في المناطق الريفية والتي لا تحتاج إلى استثمارات مالية كبيرة، وتعظّم من القيمة المضافة للمنتجات الزراعية، وتُعد استراتيجيةً هامة للتنمية الريفية. وأضاف قرنفلة: إن تصنيع المنتجات الزراعية بيتياً يحقق هدفين معاً، الأول يتمثل في زيادة دخل المزارعين من خلال إضافة قيمة سعرية إضافية  للمنتج، والثاني زيادة فترة صلاحية واستهلاك السلع الزراعية وخفض الفاقد من المحاصيل، كما تساعد المستهلكين على الشراء المباشر من صغار المنتجين الزراعيين وبما يدعم جهودهم نحو تطوير وإنتاج هذه المنتجات الزراعية تحت شروط صحية، وتعبئتها وتغليفها بالطرق العصرية المطلوبة، ويرسخ مبادئ الزراعة العضوية التي تلاقي منتجاتها في الوقت الراهن رواجاً عالمياً مميزاً، كما تساهم أسواق المزارعين في التخفيف عن كاهل الأسر التي تتحمل تكاليف مادية مرتفعة للحصول على الغذاء خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي يتعرض لها المواطن خلال الفترة الراهنة، وتُساهم في حصوله على منتجات زراعية نظيفة خالية من الأسمدة الكيميائية والمبيدات، وتشجيع الإنتاج السليم لصحة الإنسان والبيئة.
ميس بركات
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك