من الغريب فعلاً أن تطلق وزارة وعودا وتصريحات تؤكد من خلالها وبثقة كبيرة عزمها على القيام بفعل أو خطوة تقول أنها تسعى من خلالها للوقوف إلى جانب المستهلك وإنصافه ومنع يد السماسرة والتجارة والمنتفعين من الوصول إلى جيوبه المثقوبة..!!
فليست هي المرة الأولى التي تُظهر فيها وزارة التجارة الداخلية عزمها توفير مادة الموز اللبناني في الأسواق وبيعه عبر صالات ومنافذ (السورية للتجارة)، وبسعر لا يتجاوز 400 ليرة، فقد سبق قبل حوالي شهر تقريباً أن وعدت لكن وعودها كما هي الحال اليوم، ذهبت مع رياح تلاعب التجار والسماسرة وبقيت المادة غائبة عن صالات البيع، لتثبت حضورها القوي على الأرصفة والبسطات وفي محلات بيع الخضار والفواكه وحتى في السوبرماركات ولتباع بضعف سعرها حيث وصل إلى 700 – 800 ليرة للكيلو الواحد.
ففي هذه المرة وقبل يومين من الآن كانت الوزارة أطلقت وعدها الثاني بعزمها إعادة استيراد كميات من مادة الموز اللبناني وطرحها في صالات بيع (السورية للتجارة) حصراً وبالسعر المقرر (400 ليرة)، وللمرة الثانية أيضاً يفتقد المستهلك ذلك الحضور الآسر لمادة الموز اللبناني في تلك الصالات ليفاجأ بأنه يباع خارجها وبضعف السعر وعلى عينك يا وزارة ويا (سورية للتجارة)..
ما الذي يحدث وما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك، ولماذا نجد في كل مرة أن الوزارة غير قادرة على أن (تُكمل معروفها) مع المستهلكين وتنجح في كسر احتكار هذه المادة التي تغيب وتحضر في أسواقنا المحلية على مزاج بعض المستوردين والمنتفعين والسماسرة، الذين يعملون على تعطيش السوق لمدة أطول، ومن ثم طرح كميات من المادة بأسعار مرتفعة، ليكون حصادهم وفيراً، وعلى حساب حسرات الأطفال الصغار الذين ينظرون إلى عناقيد الموز المتدلية على الأرصفة وفي المحلات دون أن يحصلوا حتى على فرصة لمسها والتمتع برائحتها..!!!
مصدر مطلع في سوق الهال بدمشق أوضح أن الموز اللبناني متوافر ويباع في السوق، مشيراً إلى أن اتفاق جرى بين (السورية للتجارة) وأحد التجار لتوريد الموز وبيعه الأمر الذي قد يطرح إشارات استفهام كبيرة، حول هذا الموضوع فكيف يطرح المشروع على أنه خدمة مباشرة للمستهلك ودعم مؤكد من أهم ذراع من أذرع الحكومة في التدخل الإيجابي، ثم يفاجأ هذا المستهلك بأن الخدمة لم تصله كما تم الإعلان عنها، وإن كان البعض وهم قلة استفادوا منها فبالتأكيد لم تستطع هذه الخطوة أن تنصفهم أو أن يصلهم (الموز المدعوم)...
وذهب البعض للحديث عن تلاعب واضح حيث يتم طرح بعض الكميات القليلة في بعض منافذ السورية للتجارة فيما تبقى الكميات الكبيرة بين يدي تجار يتحكمون بتوريدها إلى الأسواق وبالسعر الذي يحددونه بغض النظر عن ما تم الإعلان عنه من قبل وزارة التجارة الداخلية بأنها ستبيع الموز بـ 400 ليرة.
وتجد الإشارة هنا إلى أنه تم تسيير بعض السيارات إلى بعض المؤسسات العامة للقول بأن الموز متوافر ولا يوجد مشكلة في هذا، ويتم بيعه بالسعر النظامي لموظفي تلك الجهات، في حين لا نجد الموز متوافرا بالشكل المطلوب، وبالسعر الذي تم تحديده رسمياً، وفي هذا ما يؤيد ما ذهب إليه البعض من وجود تلاعب في مادة الموز اللبناني المستورد.
هي مسألة لا تختلف كثيراً عن باقي الحالات التي تخضع لحالات استغلال وتلاعب هدفها الأساسي والوحيد تحقيق أرباح طائلة تحت غطاء رسمي لتبدو وكأنها تأتي تلبية لتوجهات الحكومة والوزارات المعنية في دعم المستهلك وحمايته ووقايته من جشع التجار والمستغلين وأصحاب الأطماع المستمرة في تنمية ثرواتهم القذرة على حساب حاجات المواطنين وغذائهم وكسائهم ودوائهم ....!!!
وفي هذا السياق من المهم التذكير بأنه جرى في أيلول من العام الماضي 2017 التوقيع على محضر تبادل زراعي بين وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ووزارة الزراعة اللبنانية، الأمر الذي شكل نقطة بداية جديدة لعودة العلاقات بين الجانبين وتحقيق تبادل للمنتجات الزراعية والصناعية الفائضة عن الحاجة ما بين الطرفين، وتلبية احتياجات المواطنين في سورية ولبنان من تلك المنتجات غير المتوافرة في أسواق البلدين وفق آليات معينة وبما يضمن سهولة وصولها إلى المستهلكين.
وجرى خلال ذلك التأكيد على ضرورة إنشاء شركات تصدير مشتركة للمنتجات الزراعية بين البلدين، وإمكانية حماية الماركات التجارية، وتقديم التسهيلات للمزارعين والتجار وبقاء الأبواب مفتوحة لتحقيق مصالح الطرفين..
وتسهيل انسياب المنتجات الزراعية ومستلزمات الإنتاج الزراعي وإزالة العوائق التي تعترض ذلك بما لا يتعارض مع القوانين النافذة والتشريعات في البلدين، كما جرى التوقيع على توريد الموز اللبناني والبطاطا وحصر استيراد هاتين المادتين بالمؤسسة السورية للتجارة من الجانب السوري وحصر التصدير بجهة واحدة من الجانب اللبناني بناء على طلب الجانب السوري.
بعد كل هذا نرى أن المستهلك يبقى الحلقة الأضعف ويبقى هي العتبة التي يحاول البعض الارتقاء عليها والحديث عن همومها ومتاعبها والتلطي وراء شعارات فارغة وتصريحات نارية لا يحصل منها المواطن والمستهلك إلا على الخيبة وفقدان الثقة بالجهات التي تقول إنها وجدت لحمايته والتدخل إيجابياً لردع كل محاولات استغلاله وغشه وسرقة دخله بشكل علني ومكشوف.
محمود ديبو
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي