الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » أخبار الاقتصاد

الصفحة السابقة »

ملف تسويق الحمضيات.. اجتماعات وتوصيات وتأكيدات.. والمعاناة مستمرة..!!

2018-01-02 11:18:23

شهد الأسبوع الماضي سلسلة جديدة من الاجتماعات واللقاءات التي وصفت بالاسعافية والهامة والتي عادت مجدداً لبحث (أزمة) تسويق الحمضيات لهذا الموسم، بعد أن تلقى الفلاحون ومزارعو الحمضيات، ضربة جديدة تمثلت بحجم خسارات كبيرة نتيجة لعدم قدرتهم على تسويق محصولهم وعدم عدالة التسعيرة المعتمدة، مع الإشارة هنا إلى حجم التساؤلات والاستفسارات وإشارات الاستفهام الكبيرة التي أشارت إلى مصير المبالغ التي تم رصدها من قبل الحكومة تحت ما يسمى (تسويق الحمضيات) بعد أن تم توكيل اتحاد المصدرين بهذه المهمة..؟؟؟
ولعل الأصوات والنداءات والاستغاثات التي أطلقها مزارعو الحمضيات في الساحل السوري ترددت أصدائها لتعلن مجدداً حجم الكارثة التي تحيق بزراعة الحمضيات ومدى الخطر الذي يتهدد هذه الزراعة والمزارعين بسبب الخسائر السنوية التي يتلقاها المزارعون، (والذين قدر عددهم بـ 90 ألف عائلة تعمل في زراعة الحمضيات)، وحجم الإنتاج الزراعي من الحمضيات الذي يبقى متروكاً على الأشجار دون أن يجد من يقطفه وينقله إلى الأسواق بسبب انخفاض السعر وعدم تغطيته لحجم التكاليف الكبيرة التي يتكبدها المزارعون سنوياً هذا إلى جانب ارتفاع تكلفة النقل وثمن العبوات الذي أصبح يشكل عبئاً إضافياً على المزارع ويساهم في تخفيض عائدات هذه الزراعة..
ولن نضيف جديداً إذا ما تحدثنا عن جودة الحمضيات التي ينتجها المزارعون في الساحل السوري وخلوها من أي أمراض نتيجة لاعتماد المكافحة الحيوية التي تجعلها خالية من أية آثار متبقية التي تتركها المبيدات الزراعية التي تستخدم في مجالات أخرى، هذا إلى جانب ما تؤمنه هذه الزراعة فيما لو تم الاهتمام بها، من فرص عمل سيكون من شأنها تحقيق دخل جيد لكل من يعمل بها..
التصريحات الرسمية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن الحكومة مهتمة وتبذل قصارى جهدها في دعم تسويق موسم الحمضيات وقد تم الإعلان مؤخراً عن فتح سقف تمويل التسويق الذي كان محدداً بمليار ليرة، وهناك حديث عن مليار آخر ستقدمه الحكومة كدعم للفلاحين من خلال شراء الحمضيات..
هذا إلى جانب الحديث عن مساع حثيثة نجم عنها زيادة حجم الصادرات من الحمضيات إلى روسيا بنسبة 60% عن العام الماضي، إلى جانب اقرار سعر عادل للفلاح يتناسب مع حجم التكاليف ويعطيه هامش ربح مقبول، إلى جانب عمليات الشراء المباشر من الفلاحين وتوزيع كميات كبيرة من الحمضيات مجاناً في عدد من المحافظات، وبلغ سقف الوعود الحكومية أن يزف وزير الاقتصاد بشرى للفلاحين بأن سعر هذا العام سيكون عادلاً وأن الوزارات المعنية تعمل جادة لمتابعة واقع موسم الحمضيات لهذا العام.
وزير الزراعة وخلال الاجتماع الثلاثي الذي عقد بحضور وزيري الاقتصاد والتجارة الداخلية تحدث عن واقع هذه الزراعة، وبينما تستمر معاناة الفلاحين والمزارعين، وجد الوزير أن هناك الكثير من الإجراءات سيتم اتخاذها وستنعكس على الفلاح، لكن لم نعلم إن كانت ستنعكس إيجاباً أم سلباً...!!
الأمر الذي اطمأن إليه وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن هناك قاعدة بيانات أعدتها وزارة الزراعة، يمكن من خلالها معرفة عدد الأشجار وأنواعها في كل بستان معتبراً أن هذا إنجاز، وهو بالفعل إنجاز فيما لو تم الاستفادة من قاعدة البيانات هذه في خطوات لاحقة فيما يتعلق بالتسويق أو دعم الفلاحين أو تقديم ما يلزم لتطوير هذه الزراعة وتحويلها إلى مصدر دخل حقيقي للعائلات العاملة بهذا المجال بحيث تشكل كفاية مادية لهم وتؤدي إلى حالة استقرار مادي ومعنوي..
ولم يغفل اتحاد المصدرين من الإدلاء بدلوه معتبراً نفسه معنياً بملف تسويق الحمضيات، وبدت تصريحاته متفائلة بتوقيع عقود تصديرية إلى العراق بما يعادل حوالي 100 ألف طن..
فيما يتضح من تصريحات إدارة المؤسسة العامة للتجارة بمحاولة للدخول في لعبة التسويق هذه من خلال حصر مبيع الحمضيات من خلالها إلى اتحاد المصدرين..
ورغم كل هذه الجهود التي أظهرتها الحكومة والمعنيين بملف تسويق الحمضيات إلا أن شيئاً على الأرض لم يتغير وبقي المزارعون يواجهون مصير محاصيلهم التي بقيت على الأشجار ومنها ما وقع على الأرض دون أن يجد من يحمله إلى الأسواق الداخلية أو الخارجية..!!
فقد توالت الاجتماعات الأسبوع الماضي كما قلنا لتصل إلى أكثر من أربعة اجتماعات متفرقة وتم مناقشة الموضوع في تحت قبة مجلس الشعب، كما التقى أعضاء المجلس مع المعنيين في كلاً من محافظتي طرطوس واللاذقية وكان هناك جملة من التوصيات والمقترحات كان من ضمنها ضرورة اعتبار محصول الحمضيات محصولاً استراتيجياً، ووضع معايير ومواصفات قياسية للحمضيات تؤهلها للتصدير إلى الأسواق الخارجية، والإشراف على تطبيق هذه المعايير في الفرز والتوضيب والنقل، والتعاقد مع الفلاحين لتقديم حمضيات تتوفر فيها هذه المواصفات، إلى جانب العمل على إيجاد قدرة لتخزين الحمضيات، ورفع حجم الدعم المقدم إلى ما لا يقل عن ثلاثة مليارات ليرة سنوياً إلى جانب، منع استيراد المكثفات والعصائر..
وكان أن تمخض كل هذا الحراك واللقاءات الماراتونية عن قرار جديد لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تضمن رفع أسعار الحمضيات بمقدار عشر ليرات للكيلو الواحد، لتصبح بعد التعديل 100 ليرة للصنف الأول و90 ليرة للصنف الثاني، و80 ليرة للصنف الثالث.
وفي آخر تصريح له بين وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن حجم التسويق اليومي يصل إلى حدود 800 طن من الحمضيات، في وقت تم تقدير حجم الإنتاج للموسم الحالي من الحمضيات بما ينوف عن مليون طن، الأمر الذي يشير إلى أن ما يتم تسويقه لا يشكل أكثر من 1% من حجم الإنتاج الأمر الذي يفسر تعالي الأصوات والصرخات والاستغاثات التي يطلقها الفلاحون ومزارعو الحمضيات، ويفسر أيضاً لماذا نجد مزارعون تركوا محاصيلهم على الأشجار دون أن يكونوا قادرين على قطافه ونقله وتسويقه إلى الأسواق، بالنظر إلى حجم التكاليف المرتفعة التي تحتاجها هذه العمليات، في ضوء ارتفاع أجور النقل وأسعار العبوات إلى جانب أجور اليد العاملة وغير ذلك..
هذه المعضلة التي تشكل مصدر أرق ومعاناة تتكرر سنوياً تكشف عن عجز متوارث أو ربما إهمال من قبل الوزارات المعنية والجهات التي طرحت نفسها كصاحبة حل نهائي لهذه المشكلة ومنها اتحاد المصدرين، وتحويل محصول الحمضيات إلى مصدر للسمسرة والتلاعب على حساب الفلاحين والمزارعين الذين يتكبدون في كل عام خسائر ليست بالقليلة، ما دفع البعض منهم إلى العزوف عن زراعة الحمضيات والبعض عمد إلى قطع الأشجار والتحول إلى زراعات أخرى..
هذه المسرحية تتكرر في كل عام على وقع آلام ومعاناة المزارعين دون أن تجد من يسعى لحلها، في وقت جرت عدة محاولات جادة ودراسات علمية مبنية على أسس موضوعية ووقائع استندت إلى معطيات حقيقية، كان من شأنها أن تكون حلاً نوعياً لهذه المعضلة المستعصية والتي عجزت عنها كل جهود المعنيين..
الغريب في الأمر أن بعض هذه المشاريع تم تعطيلها من قبل جهات خاصة قالت أنها هي المعنية الوحيدة بهذا الملف، بعد أن كان المشروع قاب قوسين أو أدنى من وضعه موضع التنفيذ العملي والذي كان مأمولاً منه أن يساهم في حل المشكلة على مدى خمس سنوات، وقد كان حظي المشروع برعاية واهتمام وتعاون الجهات المعنية،  ولكن في اللحظات الأخيرة انسحب كل هذا الاهتمام والرعاية والتعاون، ووجد القائمون على المشروع أنفسهم مضطرين للانسحاب، بعد أن تدخلت إحدى الجهات الخاصة كما قلنا والتي لم تستطع حتى الآن أن تتقدم ولا خطوة واحدة في موضوع تسويق الحمضيات، الأمر الذي ساهم في زيادة معاناة المزارعين واستمرار هذه المعاناة..
الجدير ذكره أن هذا المشروع كان مخطط له أن يتناول عدد من المحاصيل الإستراتيجية وإن كان سيبدأ بالحمضيات فقد كان من المأمول منه أن ينتقل إلى القطن والقمح وباقي المحاصيل في سورية، والذي كان سيبدأ من الزراعة والمواصفة والتوضيب والحصاد إلى عمليات التسويق والنقل والتصدير وما إلى ذلك..
وفي ضوء هذه المعطيات التي قد توحي بحالة من الإهمال والتراخي تجاه معالجة ملف بحجم ملف الحمضيات، في وقت لا نسمع فيه سوى التصريحات والتأكيدات والاجتماعات وغير ذلك، من مسؤولين بمستوى وزراء وليس من مديرين عاديين..!!
الأمر الذي يبقي الأسئلة مفتوحة تبحث عن إجابات شافية عن حقيقة استمرار معاناة المزارعين وعدم تلقيهم الدعم الكافي والضروري، في حين لا تكف الحكومة بوزاراتها المختلفة عن بحث كل كبيرة وصغيرة من المشكلات التي يتعرض لها الصناعيين أو التجار ودائماً هنا قرارات وتسهيلات وإعفاءات من الرسوم والضرائب وغير ذلك، فيما الفلاح والمزارع لا يتلقى سوى التصريحات والتأكيدات والدعم على الورق.
محمود ديبو

المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك