من جديد يعود ملف مشروع معمل زجاج الفلوت إلى الواجهة وذلك خلال الاجتماع الأخير لرئيس الحكومة المهندس عماد خميس مع الأسرة الصناعية الأسبوع الماضي بحضور رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال جمال القادري وعدد من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد، ولعلنا نقول إن العود أحمد في هذا الملف الذي ما يزال مفتوحاً منذ تسع سنوات تقريباً، دون أن يشهد أي تقدم يذكر على مستوى الإنجاز..
ومرة أخرى نعود إلى تشكيل اللجان لدراسة واقع المشروع وظروف التوقف والمطلوب لإعادة إقلاعه من جديد..
وبهذه المناسبة يجدر التذكير بالظروف التي أحاطت بهذا المشروع والتي أعاقت الوصول إلى اكتمال إنجازه (مفتاح باليد) كما هو متعاقد عليه منذ حزيران 2008 مع الشركة المنفذة..
حيث تعود القصة في البداية عندما تم التفكير بهدم معمل الزجاج العادي الذي كان قائماً بدمشق، وبناء معمل جديد لإنتاج زجاج الفلوت نظراً للحاجة لهذا النوع من الزجاج وتوفر المادة الأولية في سورية بكثرة وبالنوعية الفاخرة، مع الإشارة هنا إلى أن المعمل القديم جرت له عمرة قبل عام من هذا التاريخ أي في العام 2007 بقيمة وصلت إلى حوالي 200 مليون ليرة بأسعار ذلك التاريخ، واللافت هنا أنه تم إجراء عمرة للمعمل القديم للأسباب نفسها التي تم توقيع عقد إقامة معمل جديد لزجاج الفلوت بدلاً من الزجاج العادي الذي كان ينتجه المعمل القديم..، ومن ضمن هذه الأسباب قدم الآلات وعدم الطلب على منتجات المعمل في السوق المحلية وضعف تسويق الإنتاج....الخ
ولعل هذا الأمر بحد ذاته يفتح الباب واسعاً للكثير من التساؤلات عن سبب إقامة العمرة وظروف التعاقد مع الشركة اللبنانية (لاسكو) بالتكافل والتضامن مع شركة (ياهوا) الصينية، لإقامة المعمل الجديد علماً أن العقد الجديد بلغت قيمته حوالي 53 مليون يورو بأسعار العام 2008.؟؟؟
وبهذا يمكن تسجيل أولى الخسارات التي تعرضت لها الخزينة العامة للدولة وهي تكلفة العمرة التي لم يتم الاستفادة منها والبالغة 200 مليون ليرة سورية بالأسعار السابقة، أي حوالي 3.5 ملايين يورو..!
في مطلع العام 2009 تسلمت الشركة المتعاقد معها أمر المباشرة بهدم المعمل والترحيل والبدء بأعمال التنفيذ للمعمل الجديد، وكانت مدة العقد 22 شهراً (مفتاح باليد) مع إضافة أربعة أشهر لتجريب التشغيل.. وبطاقة تشغيلية تصل إلى أكثر من 100 ألف طن من الزجاج المسطح، ومع مرور الوقت انتهت مدة العقد بتاريخ 25/3/2011 دون أن تكون الشركة قد نفذت سوى 35% من كامل المشروع، وكان من بين المبررات التي أدت إلى ذلك العراقيل والصعوبات التي واجهت الشركة أثناء التنفيذ، وفي مطلع الشهر 12 من عام 2011 توقف العمل تماماً في المشروع بعد أن كانت وصلت نسبة التنفيذ بحدود 50%، بعد أن بدأت الحرب العدوانية على سورية ما أثر بشكل مباشر على العمل بحسب التصريحات التي جرى الحديث عنها في ذلك الوقت.
وبعيداً عن التفاصيل التي جرت والمراسلات التي تم إجراءها لإعادة الإقلاع بالمشروع فقد تبين فيما بعد أن الشركة المنفذة قد حصلت على ما يقارب 95% من قيمة الآلات المطلوبة، في حين لم يتم توريد كامل الآلات أي أنه تم دفع قيمة آلات غير موجودة ولم يتم استلامها من قبل الجهة المتعاقدة مع الشركة المنفذة..
وفي ذلك الحين وبعد متابعات من الجهات النقابية تبين أنه وبعد عدة مراسلات لم تلقى أي رد والتي استمرت لأكثر من سنة مع شركة لاسكو اللبنانية والمسؤولة عن تنفيذ مشروع معمل الزجاج المسطح " الفلوت"، تعهدت الشركة باستكمال المشروع بشرط أن ترسل كتاب تبرر فيه تأخرها بتسليم المشروع، لكن الشركة لم تستكمل عملها ولم ترسل كتاب التبرير.
وفي الوقت الذي لم تبرر فيه شركة "لاسكو" سبب تأخرها، أيضاً لم ترد على أياً من الكتب الموجهة لها من الشركة السورية للصناعات الزجاجية، إنما اكتفت شفهياً بالقول أن أوضاع البلاد الداخلية وراء ذلك.
وتشير المعلومات إلى أن وزارة الصناعة بوصفها الجهة المسؤولة عن المشروع لم تقم بمراسلة الشركة ولا عملت على تسوية الوضع معها، فيما كانت الشركة الاستشارية والمؤسسة العامة للصناعات الكيميائية قد طلبت ذلك..
وبعد فشل كل المساع في التفاوض مع الشركة المنفذة تم سحب الأعمال منها واعتبار المتعهد ناكلاً واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه..
وفي منتصف العام الماضي قامت المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية بالتواصل مع الشركة اللبنانية لاسكو وعقدت عدة اجتماعات جرى خلالها بحث آليات إعادة إقلاع المشروع، وبموجب هذه الاجتماعات تم الاتفاق على تكليف الشركة المتعهدة بإجراء كشف ميداني على موقع المشروع لتحديد المتطلبات اللازمة لإعادة العمل ووضع برنامج زمني للتنفيذ..وبالفعل قامت الشركة بزيارة لموقع المشروع ووضعت عدة بنود في مذكرة تقدمت بها إلى المعنيين في المؤسسة ووزارة الصناعة تطلب فيها، إعادة التوقيفات المالية للأعمال المدنية وتسهيل استقدام الخبراء الصينيين لتركيب الآلات، وغير ذلك من المطالب والتي من ضمنها دفع فروقات الأسعار عن الأعمال المدنية المتبقية بالأسعار الرائجة، وصرف الكشوفات المالية المتوقفة، هذا إلى جانب تقديم التسهيلات وتوفير ظروف البدء بإعادة الإقلاع بالمشروع بعد الحصول على الموافقات اللازمة..
إلا أن المفاجأة كانت بتراجع الشركة اللبنانية عن الاتفاق، مطلع العام الحالي 2017 وذلك بموجب مذكرة تلقتها المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية من قبل الشركة المتعهدة.
الغريب في الأمر أن المؤسسة وجهت إنذار نهائي للشركة المتعهدة لاستكمال المشروع لكن لم تلقى استجابة منها، ومع ذلك لم يتم سحب الأعمال على أمل أن تعود الشركة عن موقفها، في الوقت ذاته بينت التصريحات أنه لا يمكن استرداد الحقوق المترتبة على الشركة المتعهدة، لأنها لا تملك ما يوازي بالقيمة حقوق المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية.
وبهذا الخصوص قالت وزارة الصناعة أنها سعت لإقناع الشركة الصينية لاستكمال توريد التجهيزات، من خلال التعاقد معها بشكل مباشر إلا أن ذلك لم يتم بسبب الظروف الخاصة للشركة نفسها، وكان العمل قد ذهب باتجاه البحث عن شركات قادرة على توريد المستلزمات المتبقية للمشروع.
وهنا وبالإضافة للخسائر الكبيرة التي مني بها معمل الزجاج بدءاً من خسارة تكاليف العمرة التي أنجزت قبل عشر أعوام تقريباً نجد أنه مني بخسارات إضافية نتيجة التأخير في إنجاز المعمل وبالتالي التأخير في الإنتاج والتصدير، هذا إلى جانب أن العمالة التي تم تدريبها على تشغيل المعمل لم تعد موجودة كلها لأسباب عديدة، ولأن آلات المعمل موجودة في أرض المشروع فإنها معرضة للتلف والضرر بسبب عدم قيام المعنيين بتوفير الحماية اللازمة لها من الظروف الجوية والمناخية.
طبعاً هناك ملابسات وتفاصيل جرت خلال السنوات السابقة منذ تاريخ توقيع العقد وحتى هذا التاريخ تحتاج إلى التوقف عندها والبحث فيما تم الكشف عنه من تقصير أو إهمال أو عدم اهتمام في المتابعة أو التأكد من جدية الشركة المتعاقدة وخبراتها و....؟؟؟؟؟
محمود ديبو
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي