الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » أخبار الاقتصاد

الصفحة السابقة »

القطاع المصرفي في مواجهة تحديات التنمية

2017-10-15 08:06:02

كغيره من القطاعات الوطنية واجه القطاع المصرفي تحديات كبيرة ولدتها الحرب العدوانية على سورية، حيث دمرت أو سرقت ضمانات وآلات وتجهيزات المقترضين الأمر الذي أدى إلى تعثر التسديد وإعسار القروض، لكن سنوات العسر أكدت أن النظام المصرفي السوري قادر على الصمود ومواءمة الأوضاع، وبحسب رؤية إدارة المصرف المركزي فقد عادت المؤشرات إلى التعافي تحضيراً لنهضة ما بعد الحرب، وساهم مصرف سورية المركزي في تصحيح أوضاع بعض المصارف وإدارة مخاطرها، وأصدر معايير تسليف توجه الأموال المتاحة للإقراض لإنعاش الاقتصاد، ومنذ عام تقريباً والتحضيرات جارية لإقامة بنية مصرفية وتمويلية تضمن كفاءة وفاعلية واستخدام مصادر التمويل لدى المصارف من خلال منظومة الدفع الإلكتروني التي تسهم في تسريع دوران النقود.

ويرى الدكتور دريد درغام حاكم مصرف سورية المركزي أن السياسات النقدية المتبعة خلال السنوات الماضية وخاصة خلال سنوات الحرب، لم تسمح ببلورة استراتيجية نقدية كافية لدعم التنمية المستدامة، كما أن أجواء الحرب لم تسمح بالتخطيط النقدي بعيد المدى بمعزل عن متطلبات الحكومة، فقد تم توظيف السياسة النقدية خلال سنوات الأزمة لتسهم في تنفيذ الخطط الحكومية الطارئة ومعالجة الاختلالات مما حد من قدرة مصرف سورية المركزي على تحقيق أهدافه بالصورة المثلى، فأصبحت الحاجة ماسة ليستعيد المصرف الثقة بالسياسة النقدية، ويمضي في تحقيق استقرار نسبي في سعر الصرف تحضيراً لأهداف مهمة مثل تخفيض معدلات التضخم وتحريك عجلة الإنتاج.

ومن الأهداف الجديدة التي حددها مجلس النقد والتسليف منتصف العام الماضي 2016 كان العمل على تأمين تمويل العمل الحكومي والحفاظ على استقرار نسبي لسعر صرف الليرة كشرط لازم لضبط ارتفاع الأسعار المحلية، ونجح تضافر جهود المصرف المركزي مع باقي المكونات الحكومية بتحقيق نتائج إيجابية تجلت بتقلبات سعر صرف الليرة بحدود تقارب 5% حول المستوى الذي حدده المصرف المركزي قبل عام.

ويشير حاكم مصرف سورية المركزي إلى أن من أهم أسباب الاستقرار في سعر الصرف كان التوقف عن التمويل المُبالغ به للمستوردات وإلغاء جلسات التدخل ومنع استنزاف ما تبقى من الاحتياطي وتعزيزه من جديد، بعد الحد من الدور غير المبرر الذي كان ممنوحاً لمؤسسات الصرافة، وإعادة تفعيل دور المصارف من خلال ترميم مراكز القطع التشغيلية وأجواء الارتياح الاقتصادي العام التي خفضت حجم احتياجات القطع اليومية التي كانت ترتبط بسلوك المضاربة والتخوفات أو التخويفات التي كان يسعى البعض من خلالها إلى إضعاف البنية النقدية للاقتصاد السوري.

ورغم نقص وتشوه المعطيات وضرورة معالجة الاختلالات الهيكلية الاقتصادية المتراكمة عبر العقود الماضية فإن مصرف سورية المركزي يسعى لتحقيق جملة من الأهداف التشغيلية خلال المرحلة القادمة منها العمل على زيادة ملاءة المؤسسات التمويلية وتحسين إدارة السيولة وإرساء بنية وضوابط تمويل أكثر فاعلية لخفض مخاطر الائتمان وتشجيع العمليات الإنتاجية وجعل السياسة الائتمانية وقائية وليس علاجية.

وكذلك العمل على تنسيق أكبر مع وزارة الاقتصاد ووزارة المالية وإدارة الجمارك لضبط إجراءات الاستيراد والتصدير وأتمتتها وتحسين عمليات تخصيص القطع الأجنبي بما يضمن فعالية في مراقبة القطع الأجنبي واستخداماته.

وتطوير أدوات الدفع عبر إنجاز منظومتي RTGS والتقاص الإلكتروني وتركيب منظومة المحافظ الإلكترونية والدفع الإلكتروني للفواتير في بداية العام 2018، الأمر الذي سيؤدي إلى تقليص تداول الأوراق النقدية وخفض عوامل التلاعب بسعر الصرف والقيام بالمضاربات، كما أن التنفيذ الفوري للحوالات سيسمح بتسريع وتيرة الحركة الاقتصادية التي تتأخر لأيام أو أسابيع بسبب تكلس مفاصل البنية النقدية والمصرفية.

كما أن سهولة عمليات السحب والإيداع والتحويل ستسهم بزيادة الإيداعات وبالتالي زيادة حجم المبالغ المتاحة للإقراض وسيسهم تعميم التعامل في الدفع الإلكتروني في تخفيض التعامل بالأوراق النقدية مما يعني خفض نفقات الطباعة وكشف تزوير وترزيم وتخزين وتأمين العملة.

ويرى درغام أنه وفور جهوزية بنية الدفع الإلكتروني ستسمح بتحضير من شأنها تغيير السياسة الضريبية الحالية، وسيصبح بالإمكان التخلي عن منظومة الضرائب النوعية والتغير نحو الضرائب على المبيعات في المرحلة الأولى والضريبة على القيمة المضافة في فترة لاحقة وكل ذلك بما يضمن أجواء ارتياح عام بين المكلفين بالمساهمة في إيرادات الدولة والقائمين عليها وهذا سيزيد الحصيلة الضريبية من مطارح غير مرئية حالياً.

وفيما يخص جانب الإقراض وإعادة تفعيل دور المصارف في تمويل القطاعات الاقتصادية المختلفة فقد وضع مصرف سورية المركزي أسس عمل تناسب المرحلة الحالية بما يضمن حسن توزيع الإقراض وتوجيهه لمستحقيه قدر الإمكان، ومن هذه الأسس العمل على تعزيز مرجعية رصيد المكوث حيث تزيد فرص المتعامل في عمليات المنح كلما أودع مما يتوافر لديه من سيولة نقدية في المصارف لمدد أطول، كما أن قدرة كل مصرف على المنح ترتبط بإمكانياته ومؤشرات أدائه لجهة السيولة وكفاية الأموال الخاصة وغيرها.

كما لا بد من تحديد سقوف التمويل حسب المجالات والأولوية للأنشطة الإنتاجية، على أن لا تقل تسليفات النشاط الإنتاجي في نهاية كل عام عن 50% من إجمالي تسهيلات المصرف المباشرة، على أن تتوافر جملة من الشروط لدى الجهات طالبة التمويل ومنها القدرة على الإقلاع السريع بتمويل رأس مالها العامل، والقدرة على إنتاج السلع الحيوية والضرورية، وقابلية المنتج للتصدير، والقدرة على توفير فرص عمل أكثر.

ومن الأسس أيضاً التي حددها المصرف المركزي لإدارة تمويل القطاعات الاقتصادية السعي لمقاربة التعثر في التسديد بطريقة تتناسب مع التطلعات التنموية للمرحلة الحالية وتطوير العلاقة مع القضاء وتعجيل الإجراءات القضائية لضمان حقوق المصارف وفق الأصول، وتحصين المصارف تجاه الضمانات المقدمة ومخاطر تقييمها ورهنها والتنفيذ عليها.

وفي هذا السياق تبدو الحاجة ملحة لترتيب أولويات التمويل لمختلف القطاعات الاقتصادية ومنها القطاع الزراعي لمساعدته على النهوض بالنظر إلى أهميته النسبية في الناتج المحلي الإجمالي حيث من الضروري في هذه المرحلة توجيه الاستثمارات نحو إعادة تأهيل الأراضي الزراعية لزيادة الكفاءة الإنتاجية وترميم الثروة الحيوانية، وتأمين الاحتياجات المائية وغير من مستلزمات الإنتاج الزراعية لاستكمال عملية النهوض بهذا القطاع.

كذلك الأمر بالنسبة للقطاع الصناعي الذي يحتاج إلى إعادة تأهيل المنشآت المتضررة والاهتمام بالصناعات الزراعية كالأعلاف والأسمدة وغيرها، وكذلك صناعة النسيج والاهتمام بتنشيط الصناعات الدوائية غيرها من الصناعات المرتبطة بالبناء..

وفي هذا لا بد من التركيز على تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لما لها من أهمية في تحقيق تنمية في البيئات الاجتماعية الفقيرة والتي تبحث عن تأمين دخل ثابت لها لتحسين مستوى معيشتها.

المصدر : جريدة كفاح العمال الاشتراكي
محمود ديبو


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك