بدأت في الآونة الأخيرة تظهر مشكلة في تداول العملة الورقية وخاصة فئة الخمسين ليرة سورية بسبب تعرضها للتلف بشكل واضح وعدم قبول بعض الباعة وحتى سائقي السيرفيس والسيارات العامة "التاكسي" التعامل بها ورفضها بشكل مطلق، وأدى هذا إلى التسبب ببعض المشاكل والصعوبات لدى المستهلكين والمواطنين الذين يضطرون للتعامل بهذه الفئة من العملة دون أن يتم اتخاذ أية إجراءات عملية وإيجاد حلول جذرية تنصف مختلف المتعاملين سواء كانوا باعة أو مستهلكين أو مقدمي خدمات.. حيث وقع العبء الأكبر على المستهلك وطالب الخدمة، الذي يقبل بهذه الفئة من العملة أثناء عمليات البيع والشراء التي يقوم بها يومياً، فيما تجد البعض لا يقبل بالتعامل بها نهائياً تحت ذريعة أنها غير مقبولة مع العلم أن البعض يجري عليها عمليات ترميم من مثل وضع شريط لاصق شفاف على مكان الاهتراء أو التمزق الحاصل في جسم الورقة النقدية.. وتجدر الإشارة هنا إلى أن أول طرح لهذه الفئة من العملة الورقية كان في تموز من العام 2010 عندما قام المصرف المركزي بطرح عملات جديدة من فئة 50-100-200 ليرة. وكان مصرف سورية المركزي قد أعلن أن أبواب المصرف في كل من دمشق والمحافظات مفتوحة لاستبدال العملة التالفة والمهترئة أو المشوهة بشكل طبيعي وخلال وقت قصير، حيث تعود مهمة تبديل الأوراق النقدية التالفة أو المشوهة إلى مصرف سورية المركزي بحكم قانون النقد الأساسي الذي ينص على أنه يمكن تبديل الأوراق النقدية المنقوصة أو المشوهة إذا توافرت فيها ثلاثة شروط مجتمعة وهي أن تكون مساحة الورقة المقدمة للاستبدال تزيد عن ثلاثة أخماس الورقة الأصلية وأن تتضمن الورقة التوقيعين المفروضين "توقيع وزير الاقتصاد وتوقيع حاكم مصرف سورية المركزي"، وأن تتضمن أحد الأرقام التسلسلية كاملاً. كما وتستبدل الأوراق النقدية المشوهة عمداً "مثقوبة أو مكتوب عليها أو ممهورة بخاتم، أو.." من المصرف المركزي حصراً بموجب ضبط أصولي، ولا يتم استبدال الأوراق النقدية المركبة من أكثر من ورقة نقدية، كما لا يتم استبدال ورقة نقدية تقل مساحتها عن ثلاثة أخماس مساحة الورقة الأصلية، أما الأوراق النقدية المشوهة عن غير قصد فتقدم للاستبدال من قبل صاحب العلاقة بالذات من مصرف سورية المركزي لدراسة الأوراق النقدية المشوهة، وتوجد لجان لدراسة الأوراق النقدية التي تعرضت لأسباب تشويه قاهرة. إلا أن الملاحظ فعلاً أن المسألة في تزايد حيث يواجه المواطن يومياً من خلال تعاملاته في البيع والشراء ودفع أجور النقل وغير ذلك، وجود قطع نقدية مهترئة في جزء منها وبعضها يمكن أن نصفها بأنها تالفة... الأمر الذي يشير إلى ضرورة اتخاذ ما يلزم بشكل عملي وجدي للانتهاء من هذه المسألة خاصة وأنها باتت حديثا يوميا للمواطن..
الدكتور هيثم عيسى الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق قال في حديث خاص لـ"كفاح العمال الاشتراكي" إن العملة هي وسيلة للتداول والتبادل ولها وظائف أخرى، حيث تستخدم في الادخار و.. وعندما تكون العملة قديمة فإن واحدة من أهم وظائفها تتأثر وهي وظيفتها في عملية التبادل التجاري أي أن عمليات البيع والشراء هنا ستتأثر..بوصف العملة عاملا ميسرا لتلك العمليات.. والمشكلة تظهر عندما تبدأ العملة بالاهتراء والتآكل في جزء منها أو في أطرافها أو غير ذلك، فتبدأ هذه الوظيفة بالتأثر كما قلنا وهذا الأمر يتسبب بمشاكل معنى أن البائع يرفض اتمام الصفقة لأنه غير متأكد من أن العملة التي يستلمها من الزبون قد تكون صالحة للتداول مرة أخرى ويمكن أن يقبلها منه متعامل آخر، بمعنى أنه لا يكون متأكد من أن العملة التي قبضها من الزبون سيتصرف معه في تبادل تجاري آخر.. وهنا يوضح الدكتور هيثم أنه دائماً وبشكل عام يفترض بالجهة التي تنتج أي سلعة أن تتابع استخدامها في السوق وتتأكد من صلاحيتها وقبولها لدى المتعاملين والزبائن وتتأكد من عدم وجود مشاكل أو عقبات تؤثر عليها.. والعملة الورقية هنا يمكن اعتبارها واحدة من تلك السلع وبالتالي من أصدرها هو مسؤول عن متابعتها والتأكد من سلامتها وصلاحيتها وعدم تعرضها للعطب أو الاهتراء أو غير ذلك.. كأن يتم الكتابة عليها أو تمزق جزء منها وإعادة لصقه أو غير ذلك.. وهنا يكون على المواطن مسؤولية لجهة التزامه بالمحافظة على عملته الورقية وعدم تعريضها للتلف أو الاهتراء أو الكتابة عليها أو غير ذلك، ولكن هنا مسؤولية المواطن تقف عند هذا الحد، وإذا كان هناك من هو غير ملتزم بهذه المسؤولية من قبل المواطنين المتعاملين بالعملة فإن المسؤولية هنا تتركز على الجهة المصدرة للعملة ونعني هنا المصرف المركزي.. حيث يجب على المصرف المركزي أن يسحب العملة التالفة من التداول ويضع بدلاً عنها أي أن يستبدل القطع الورقية التالفة بأخرى جديدة، لأن تلك التالفة لم تعد مقبولة في التداول اليومي للمواطنين من حركة بيع وشراء وغيرها.. هذا الأمر يصب في عملية تيسير العمل والتبادل التجاري بين المواطنين سواء كانوا زبائن أو تجار أو باعة أو سائقي سيارات عامة ... ومن جهة أخرى فهو يمنع حدوث أية مشكلات بين المتعاملين بالعملة عندما يرفض طرف قبول العملة المهترئة من الطرف الآخر ويحدث هنا أن يلجأ الطرف لإقناع الآخر بأنه قبل العملة التالفة وأنها ما تزال صالحة للتداول وغير ذلك.. ذلك أنه من مصلحة القائمين على الاقتصاد الوطني استمرار تيسير عمليات التبادل التجاري وعدم تأثرها بأي عامل طارئ مثلاً كتلف بعض القطع النقدية الورقية، وفي ذلك ضمان لاستقرار الاقتصاد في أحد جوانبه، هذا من جهة.. حيث يرى الدكتور هيثم أن هناك بُعد آخر للمسألة يجب التركيز عليه والاهتمام به ذلك أن العملة هي أحد رموز الدولة وبالتالي هي تعكس صورة الدولة، فيجب المحافظة عليها والحرص على بقائها بصورة جيدة من هذا المنطلق.. فمن غير اللائق مثلاً أن نجد هذا الرمز في حالة اهتراء أو تلف، لأن هذا يعطي صورة غير لائقة عن الدولة لدى السائح مثلاً الذي يأتي إلى بلد ما ويتعامل بعملة هذا البلد أثناء تسوقه أو دفع أجور نقل أو إقامة أو غير ذلك.. هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن السائح أيضاً لا يُفضِّل أن يواجه أية مشكلات أثناء وجوده في البلد المضيف، وبالتالي فإنه خلال تعامله بالعملة إذا صدف وتواجد معه ورقة عملة مهترئة أو تالفة قد يحدث أن يرفض البائع أو التاجر أن يأخذ منه هذه العملة المهترئة وبالتالي يقع السائح بمشكلة هو بالغنى عنها.. وفي سؤال حول ما يقوم به المصرف المركزي من فترة لأخرى بالإعلان عن استعداده لاستبدال العملة التالفة والمهترئة أو المشوهة بشكل طبيعي وبزمن قصير، رأى الدكتور هيثم أن المركزي بالفعل يقوم دائماً بالإعلان عن استعداده استبدال القطع النقدية التالفة لكن يجب أن يكون هذا الإعلان مرفقاً بتوضيح الآلية التي سيقوم المركزي من خلالها باستبدال العملة التالفة أو المهترئة، على أن تكون هذه الآلية غير مكلفة "مادياً وزمنياً للمواطن" ذلك أنه على فرض أن كل مواطن تواجدت لديه قطعة نقدية تالفة أو أكثر سيذهب إلى المصرف المركزي لاستبدالها فإن الأمر سيشكل عبئاً على المواطن من جهة وعلى "المركزي" من جهة أخرى، لعدة أسباب منها حالات الازدحام ربما التي قد تحدث بسبب مراجعة أعداد من المواطنين للمصرف بقصد استبدال قطعة أو قطعتين أو حتى عشرة أوراق نقدية.. فهذا الأمر سيكون مكلف أيضاً للمواطن مادياً كما أنه سيكلف المزيد من الوقت لاستبدال مبلغ قد لا يكون "محرز" لذلك قد يفضل البعض أن يستغني عن تلك الأوراق ولا يتعامل بها.. مقابل أن لا يدخل في مسألة اضطراره لترك عمله والتوجه إلى المصرف المركزي وربما هذا يحتاج منه أجور نقل و.. غيرها ما يعني أنه سيتحمل أعباء قد لا توازي المبلغ الذي سيذهب لاستبداله.. من هنا يرى الدكتور هيثم أنه على المصرف المركزي وبالتزامن مع إعلانه عن فتح أبوابه لقبول واستبدال أي قطع نقدية تالفة أو مشوهة أو مهترئة أن يضع آلية محددة وتكون مريحة ولا ترتب أعباء على المواطن العادي، كأن مثلاً يتم اقتراح تجميع هذه الأوراق النقدية عند بعض التجار بعد أن يقبل هؤلاء القطع المهترئة من المتعاملين والزبائن، ويجمعوها لتصبح مبلغاً يمكن بعده أن يقوم التاجر بإرساله إلى المصرف المركزي لاستبداله، ذلك أنه من المعروف أن التجار تعاملاتهم النقدية اليومية والأسبوعية أكبر بكثير من تعاملات محدودي الدخل أو المواطنين العاديين وبالتالي فإن مثل هذه الآلية تسمح بتجميع معظم القطع النقدية الورقية التالفة وتأمين استبدالها بشكل مريح وآمن ولا يرتب أعباء مادية وزمنية على المواطن العادي.
محمود ديبو