تركت الحرب العدوانية على سورية التي تقودها قوى الغرب المتصهين وعملاؤها في المنطقة آثاراً سلبية وتداعيات واضحة على مجمل تفاصيل الحياة في البلاد، وكانت أبرز ملامحها مظاهر الدمار والخراب والسرقة والقتل الممنهج والمقصود الهادف لطمس كل معالم الحضارة والإنتاج والإنجازات التي تحققت على مدى عقود طويلة من الكد والعمل.
ورغم ذلك استمرت الحياة في سورية ولم تتوقف أو تنتهي كما كان هو مخطط ومرسوم لها، بفضل تضحيات وبطولات الجيش العربي السوري وما سطره من أساطير ستروى على مدى الأجيال القادمة، كيف واجه قوى الظلام والتكفير والإرهاب الوهابي المتصهين ودحره إلى غير رجعة، وكانت الأثمان باهظة، في سبيل أن تبقى سورية وتستمر.
وقد كان للجانب الاقتصادي التأثير الأكبر على المواطنين السوريين وعلى الدولة أيضاً، بالنظر إلى الحجم الكبير من الأضرار والخسائر التي طالت مواقع العمل والإنتاج بمختلف مجالاته في القطاعين العام والخاص، وأدت إلى خروج أعداد كبيرة من المنشآت عن العمل وفقدان الكثير من العمال لفرص عملهم في القطاع الخاص، إلى جانب تراجع حجم الإنتاج الزراعي والصناعي إلى حدود دنيا.
اتحاد عمال دمشق وعملاً بتوجيهات ومقررات الاتحاد العام لنقابات العمال، استطاع أن يرصد أداء القطاع العام وخاصة القطاع الصناعي ويتابع العمل في الشركات والمؤسسات من خلال الجولات الميدانية إلى مواقع العمل ولقاء العمال وتنفيذ خطته المستمدة من توجيهات الاتحاد العام لنقابات العمال، ومن خلال ذلك تبين أن هناك واقعاً اقتصادياً طرأ على هذه الشركات والمؤسسات في القطاع العام حيث خرج البعض منها من مهامه ومساهمته في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية نتيجة لما تعرض له من مؤثرات خارجة عن إرادته لم تساعده على النهوض من كبوته بل في أغلب الأحيان كانت تشده إلى الوراء من خلال ما تعرض له من دمار وسرقة، هذا إلى جانب القوانين والتعليمات والتعاميم وقصور أداء بعض الإدارات في مراكز العمل والتشغيل وبالرغم من الخسارات المتكررة ولعدة سنوات وفي العديد من الشركات ما زالت إدارتها كما هي دون اللجوء إلى تأهيل إدارات جديدة تمتلك الخبرة والنزاهة وعدم وجود منهجية لإصلاح الأجور لتكون إحدى مقومات الإصلاح الاقتصادي للقطاع العام وعدم التصدي لهروب اليد العاملة الماهرة خارج القطر.
أربعة تصنيفات
وفي ضوء ذلك تم تصنيف تلك الشركات في القطاع العام الصناعي إلى أربعة تصنيفات بحسب الحالة الراهنة لها، فأولاً هناك شركات متوقفة جراء تدميرها ونهبها وسلبها من قبل التنظيمات الإرهابية مثل شركة الصناعات الحديثة وشركة المغازل وبيرة بردى ومعامل الخميرة ومعامل المطاط بالإضافة إلى معمل من معامل الأحذية، كما نجد أن الشركة العامة للصناعات الزجاجية والخزفية متوقفة وخاسرة ولديها مخازين تقدر بحوالي 3 آلاف طن من الزجاج المحجر مطروحة للتشاركية والاستثمار.
ثانياً هناك شركات خاسرة وهذه ما زالت تدفع رواتب عمالها من وزارة المالية ومنها تضرر من التفجيرات الإرهابية وأضرارها كبيرة في البنية التحتية وصالات الإنتاج وحدث فيها حرائق طالت الآلات بالكامل، ومنها ما تعاني من قدم الآلات وصعوبة تأمين المواد الأولية وعدم وجود إدارات كفوءة لهذه الشركات.
وثالثاً هناك شركات حديّة تصارع من أجل البقاء وتمكنت من تجاوز الكثير من التحديات والصعوبات التي تواجهها كنقص اليد العاملة، وصعوبة تأمين حوامل الطاقة والمواد الأولية نظراً لارتفاع أسعارها وأجور نقلها، هذا إلى جانب صعوبة الحصول على قطع التبديل نتيجة الحصار الاقتصادي الجائر المفروض على بلادنا من قبل القوى الاستعمارية نفسها التي تدعم الإرهاب وتشغله وتموله.
أما رابعاً فهناك الشركات الرابحة التي هي مصدر فخر واعتزاز لما بذله عمال وإدارات تلك الشركات من أجل تحقيق تلك النتائج ومنها شركة تاميكو والكابلات والدبس والشرق بالإضافة إلى معامل المياه وشركة الدهانات والإنشاءات المعدنية، وهناك الكثير من الأمثلة التي أثبتت مدى صمود القطاع العام ومساهمته بالحفاظ على الصمود الوطني وعلى دعم الاقتصاد، ومنها المستشفيات والجامعات والأفران وكثير من المعامل والمصانع التي استمرت بالعمل والإنتاج ضمن الإمكانات المتاحة.
وعليه فإن الأرقام تشير إلى وجود 47 شركة خاسرة، و24 شركة بحاجة إلى تطوير، و121 شركة ممكن تشغيلها ونقلها إلى الربح، و24 شركة رابحة.
ومن هنا يرى اتحاد العمال أنه لا بد من وضع رؤية تطويرية تحديثية لهذه الشركات القابلة للإصلاح قبل أن نصبح أمام 192 شركة يمكن إيقافها من قبل وزارة الصناعة، ذلك أن جملة المشاكل والصعوبات التي تعيق تحقيق التوجهات الاقتصادية لا يمكن تجاوزها بالآلية القديمة والأساليب القديمة القائمة على التسويف والتهرب من المسؤولية، ذلك أن صعوبات تلك الشركات ليست مرتبطة فقط بالحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة على البلاد والحرب والدمار والنهب والسرقة الذي مارسته العصابات الإرهابية المسلحة وداعموها، بل أيضاً هناك جزء مرتبط بمفاعيل السياسات والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية والتي اتخذت خلال السنوات الماضية واستمرارها، وعدم إعادة النظر بهذه السياسات القائمة منذ الخطة الخمسية العاشرة، ولم يتم استبدالها بسياسات وإجراءات تتلاءم مع مرحلة الحرب ومتطلبات تعزيز عوامل الصمود لأن استمرارها يؤدي إلى مزيد من مصاعب الإنتاج الوطني ومعيشة المواطنين وهم الحامل الاجتماعي والسياسي للصمود الوطني.
وخلصت رؤية اتحاد عمال دمشق إلى جملة من المقترحات الضرورية منها العمل على المشروع الوطني للإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس بشار الأسد لما له من دور كبير في مكافحة الفساد وتطوير الإدارة، ووضع برنامج إصلاح اقتصادي يشمل جميع قطاعات الاقتصاد الوطني ويعالج كافة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وخاصة مشكلة الفقر والبطالة تفادياً لخطر التدهور الاجتماعي، وإعادة النظر بالسياسة الاقتصادية القائمة واستبدالها بسياسات وإجراءات تتلاءم مع الحرب ومتطلبات تعزيز الصمود، ومد يد العون لشركاتنا ومؤسساتنا بكافة الوسائل المتاحة لتطويرها والحفاظ عليها لأنها تشكل الرافعة الحقيقية للنمو، ووضع رؤية تطويرية تحديثية للشركات القابلة للإصلاح، وإعادة النظر في دمج الشركات والمؤسسات التي لم تحقق الغاية المرجوة منها، وتفعيل دور المؤسسات الحكومية في مجال التجارة الداخلية والخارجية، والعودة عن سياسة تحرير التجارة والأخذ بمبدأ البطاقة التموينية وتوسيع المواد التي تشملها، ووضع حد للنهب والمضاربة والسوق السوداء والتهريب، ودعم وتشجيع الإنتاج الوطني في قطاعي الزراعة والصناعة وضرورة تأمين مستلزماته، إلى جانب تحسين الخدمات العامة من الطبابة المجانية والتعليم المجاني للمواطنين.
كل هذا مع التأكيد على الحفاظ على حقوق العمال وإعادة النظر بالسياسات الأجرية القائمة وربط الأجور بالأسعار ووضع حد للغلاء ووقف تراجع القيمة الشرائية لليرة السورية، وإعادة النظر بالقوانين الناظمة لعلاقات العمل بما يؤدي إلى حماية مكتسبات العمال وتطورها، وزيادة فعالية الأداء والمرونة ضمن برنامج وطني لإصلاح الإدارة العامة الذي يأتي في مقدمته محاربة الفساد والروتين والتعقيد الإداري واختيار الكفاءات الوطنية والنزيهة للمواقع الإدارية، إلى جانب الحد من هجرة الشباب السوري إلى الخارج والتي تعتبر واحدة من أدوات استنزاف البلاد بشرياً من أجل إضعاف قدرتها على الصمود، وتقليل إمكاناتها التنموية.
محمود ديبو
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي