الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » تحقيقات

الصفحة السابقة »

بين معادلتي العام والخاص

2018-02-25 07:52:24

يتجه عامة الشباب الباحثين عن العمل بالسعي إلى إيجاد فرص عمل بالقطاع الحكومي عن طريق المسابقات أو العقود الموسمية، وقد يهمل فرص عمل شاغرة في القطاع الخاص مصمماً في قرارة نفسه أن لا يعمل إلا في القطاع الحكومي والذي قد يجد فيه استقرار مهني خلاف ما هو معمول به بالقطاع الخاص، فقد أصبح حلم غالبية شبابنا الاستسلام لوظيفة حكومية وخاصة في ظل السنوات العشر الأخيرة  حيث باتت الوظيفة الحكومية تشكل هاجسا عند معظم الشباب مشّكلة جزءا مهما في الحياة اليومية لأفراد المجتمع لما توفره من استقرار نفسي واجتماعي ومعيشي ، ولكن ما أن يلبث الشاب الحصول على تلك الوظيفة حتى يبدأ بالاحتجاج على روتينية العمل بها وضعف مردودها المادي، فلماذا يصر الشباب لدينا على وظيفة حكومية لا يمكن لها أن تلبى حاجاته اليومية كتكلفة معيشة ناهيك عن روتينية العمل بها، في حين تؤمن الوظيفة في القطاع الخاص مصدر دخل مقبول وتحقيقاً للذات ورضىً وظيفي على عكس القطاع العام؟

ثقافة شعبية
العمل في القطاع الحكومي أم في القطاع الخاص أفضل؟ هذا ربما يكون سؤالاً ليس بالسهل، ولكن حتما هذا يعتمد على نوعية الوظيفة التي سوف يجدها الشباب، ومن وجهة نظر الأستاذ مضر سليمان "إدارة موارد بشرية" فإن بعض الدول يكون العمل في القطاع الخاص أفضل من العمل في القطاع الحكومي، وفي بلدان أخرى يكون العمل في القطاع الحكومي أكثر أمانًا، وهذا يفضله البعض، بمعنى أن تفضيل العمل في القطاع الحكومي يكون من ناحية أن فيه استمرارية وفيه ضمانات، حتى وإن كانت منافعه المالية قليلة فبجانب المنفعة المالية، يجب أن يكون هناك استقرار وظيفي وضمانات عديدة ولابد للشباب القيام بموازنة بين الفرص المتاحة أمامهم في العمل الحكومي والخاص ومن ثم الاختيار، والشباب السوريون يميلون إلى تفضيل العمل الحكومي الذي يوفر لهم الاستقرار والأمان حتى لو كان هذا العمل أقل دخلاً، كما أن الثقافة الشعبية السورية تضفي على العمل الحكومي الكثير من الأهمية والمكانة، ومع تفضيلهم للعمل الحكومي نجد معظمهم يقوم بأعمال إضافية تساعدهم على مواجهة الأزمات الاقتصادية التي يعانون منها.

تغيير ثقافة
المشكلة الأساسية برأي الدكتور محمد عجيب "دكتور في الاقتصاد" هي سوق العمل فلا يوجد في بلادنا سوق عمل تكفي وتحقق طموحات طالبي العمل، حيث أن 90% من المؤسسات الخاصة في سوق العمل هي منشآت غير مستقرة لا تشعر الشباب بالأمان وضمان المستقبل في حال العمل لديها، فتحقيق الأمان الوظيفي يعد حاجة مهمة من الحاجات الرئيسة التي ينشدها الإنسان في الحياة، والملاحظ سلبية العمل في بعض قطاعات العمل الخاص، فقد ألقت الوظيفة الحكومية بظلالها على عقول الكثير من الباحثين عن العمل لمزاياها العديدة، وأصبح من الواضح قبل الأزمة وبعدها أن الغالبية من العاطلين عن العمل يرغبون بالوظيفة الحكومية، وحول تغيير نظرة ومفهوم الشباب السوري للعمل والوظيفة بحيث تكون الوظيفة مجالا للإبداع والتحدي رأى عجيب أن هناك خطوات عديدة ليتم تغيير هذه النظرة، أولها احتواء المؤهلين من الراغبين في العمل وتعيينهم في الوظائف التي يستحقونها في الوقت المناسب إذ يتسبب تأخير تعيينهم إلى فقدانهم الدافعية للعمل بعد سنوات عديدة من الانتظار، وتخصيص نظام حوافز ومكافآت ذات قيمة مادية ومعنوية على مستوى الدولة، إضافة لأهمية وضرورة تغيير ثقافة الشباب تجاه الوظيفة الحكومية، بحيث يجب أن نشجع على العمل بالقطاع الخاص وبوضع التشريعات والحماية للموظف والشركات والمؤسسات، فالكثير يعمل في القطاع الخاص من باب أنها "محطة" للانتقال للوظيفة الحكومية وهذا خطأ كبير ويجب العمل على حماية الموظف بالقطاع الخاص كرواتب وحقوق وبدلات وغيرها، وأيضا حماية الشركات من كثرة عدم الاستقرار، وهذه مشكلة يجب حلها، وإلا سنصبح بحلقة مفرغة لن تنتهي، ومن ثم لابد من العمل على تبديد مخاوف الشباب والشابات من العمل بالقطاع الخاص بزرع حقيقة أمان واستقرار العمل الخاص للجادين والباحثين عن العمل حقيقة وليس مجرد وظيفة مؤقتة للتحول مباشرة مع أي بوادر وظيفة حكومية، فلن يستقيم قبول القطاع الخاص للعمل به إلا بخلق الأمان الحقيقي للمواطن والشركات، وأن يحصل كل طرف على حقوقه بعدالة ومساواة.

مزاجية الخاص
الإقبال على العمل بالقطاع الخاص سيكون أكبر من الإقبال عليه في القطاع الحكومي برأي الدكتورة رشا شعبان "علم اجتماع" في حال وجدت قوانين تحمي العامل في القطاع الخاص كما في القطاع الحكومي، ففي حال استطاعت الدولة إيجاد قوانين تحمي العامل في الحالتين بشكل عادل ومتساو سيكون الإقبال على العمل الخاص أكبر، فالإجازات في القطاع الحكومي منظمة والتقاعدية تحمي العامل في مستقبله بالتالي يصل الموظف إلى حالة الاستقرار الوظيفي، بينما نجد في القطاع الخاص حالات الطرد أو التخلي عن الموظف تخضع لمزاج أو تقييم ذاتي بالتالي لحالة كبيرة من الفوضى يخشاها الموظف، ومن خلال تقييمي أجد أن ثقافة العمل وأخلاقيات العمل عند المواطن تنقص معظم الموظفين لدينا، فموظفنا يتقاضى راتبه في الدولة بغض النظر عن الجهد المبذول فالموظف الذي يعمل بشكل متفان يحصل على نفس راتب الموظف الذي لا يبذل أي مجهود. في المقابل نجد أنه في القطاع الخاص عليك أن تقدم أولا ومن ثم تتقاضى أجراً، فرب العمل في القطاع الخاص يحاول أن يستفيد ويستهلك كل ما لدى العامل من طاقة ليعطيه أجره وهذا ما يجعل الشاب يلجأ للعمل الحكومي. أما الفتاة فتلجأ للعمل الحكومي لعدة أسباب أهمها حالة الاستقرار التي تنشدها المرأة بطبيعتها، كذلك فإن الراتب الحكومي يكفيها في إطار المسؤوليات الاقتصادية الملقاة على عاتقها من قبل المجتمع، فالمسؤولية الاقتصادية تجاه الفتاة محدودة والرجل هو من يحمل تلك المسؤوليات، ناهيك عن التحرشات التي تهدد بقاء المرأة في عملها بالقطاع الخاص وهذه التحرشات غالباً ما نسمع عن وجودها في القطاع الخاص أكثر من تلك الموجودة في العمل الحكومي ،ومنه تخضع المرأة لعلاقة المساومة بين البقاء في العمل والاستسلام لرضا رب العمل، بينما في العمل الحكومي نجد أن المدير لا يستطيع التخلي أو فصل الموظف نهائياً من عمله، وأكثر ما يملك زمامه هو نقل الموظف من مكانه، لذا فالعمل الحكومي يجعل المرأة تشعر بالاستقرار الوظيفي والأمان الذي تنشده بطبيعتها الأنثوية.

لنا رأي
حين ننظر للوظائف الحكومية لدينا نجد أنها تعانى الترهل الوظيفي بل والبطالة المقنعة وبرواتب زهيدة وبإنجاز ضعيف جداً، فلا رواتب ولا ترقيات بوقتها تتحقق، لذا يجب أن ندرك أن المستقبل للقطاع الخاص والعام بتوفر الوظائف وهى وظائف تتولد طبقا للنمو الاقتصادي، ومن الأهمية استثمار ذلك بأقصى درجاته، والعمل بشكل جدي على زرع حقيقة أمان واستقرار العمل الخاص من خلال تغيير ثقافة العمل لدى شبابنا.
ميس بركات
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك