ما هي أسباب التضخم وارتفاع الأسعار وأثرهما على القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود وهل تستطيع الحكومة حل الأزمة بما فيها اللجنة الاقتصادية ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك ووضع حد لهذا الارتفاع الجنوني في السوق المحلية.. وهل باءت بالفشل جميع الجهود للجم تجار الأزمة والمستغلين والمحتكرين الذين يتلاعبون بلقمة عيش المواطن؟
بداية للإجابة على هذه الأسئلة وغيرها لابد من التأكيد على أن التضخم ليس وحده هو السبب في فلتان الأسعار غير المسبوق قبل الأزمة وبعدها وخبراء الاقتصاد يعزون الارتفاع في الأسعار هو ارتفاع سعر صرف الدولار؟
أليس التضخم ضريبة يدفع فاتورتها فقراء وعمال الوطن لصالح الأغنياء وتجار الأزمة الذين يجنون الأرباح الخيالية.
هل حجم التدخل الإيجابي للمؤسسات العامة بالدولة كاف لضبط الأسعار ولماذا لا تتم زيادة منافذ البيع لها في كل المحافظات ووضع نظام عمل خاص بها لعمليات الشراء وسياسة التشغيل وغيرها خاصة وأنها تشكل الذراع القوية للدولة إذا أحسن إدارتها كما يجب للخروج من دوامة الروتين والبيروقراطية في ظل الأزمة.
أصحاب الدخل المحدود والعاطلون عن العمل الضحية رقم /1/
إذا كان هذا هو حال أصحاب الدخل المحدود من الغلاء وارتفاع الأسعار فما هو حال من لا دخل له وهذا القطاع الواسع والكبير من الفقراء والعاطلين عن العمل الذين كانوا في عمل يدر عليهم قبل الأزمة الراهنة ما يسد الرمق أو آلاف الوافدين الجدد من العاطلين عن العمل نتيجة التسريحات التعسفية التي قام بها القطاع الخاص حيث بلغ عدد العمال المسرحين ما يزيد على 160 ألف عامل ممن أغلقوا معاملهم ومنشآتهم الصناعية طوعاً أو قسراً تحت وطأة الأحداث منذ 7 سنوات وفي ظل القانون 17 الذي صدر في العام 2010 وخاصة المادة 64 و65 منه وقد أكدت المؤتمرات النقابية العمالية التي عقدت في العام 2017 على ضرورة تعديله لأنه لا يلبي حقوق عمال القطاع الخاص.
اقتصاد السوق وأصحاب النفوس الضعيفة من التجار الجشعين
أمام هذا الواقع في الارتفاع الجنوني في أسعار المواد الأساسية الحياتية والخدمات الضرورية لا يجد أصحاب الدخل المحدود إجابة مقنعة وإن وجدت فهم عاجزون ليس فقط عن التفسير وإنما إعطاؤه الأمل في غد يستطيع فيه أن يوائم ما بين دخله المتواضع وهذا الجشع الذي يمارس من قبل تماسيح الاستغلال والاحتكار في سوق اقتصاد السوق الذي لا يرحم الواقع الاجتماعي.
وهنا لابد أن نؤكد أنه لولا إجراءات الحكومات السابقة ما قبل الأزمة وأخذها بنصائح وتوصيات المؤسسات الدولية والاتحاد الأوروبي وبعض رجال الأعمال الكبار وتحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد السوق ولو لم تقم بفتح باب الاستيراد على مصراعيه فتغرق البلاد بالبضائع الأجنبية مما أدى إلى إغلاق مئات الورش والمعامل والمنشآت الوطنية -وهذا حسب خبير اقتصادي- فتشرع في استيلاء فئة محدودة من المحظوظين على مفاصل الاقتصاد الوطني ولو أنها استمرت بأداء الخدمات التعليمية والصحية لفئات الشعب الفقير ومتوسطي الدخل ولو أنها أقامت مؤسسات الضمان الاجتماعي على النحو الذي يحمي المواطن من الوقوع في أسر أصحاب النفوس الضعيفة من التجار الجشعين ولو أنها لم تقلص دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي لو... الحكومات السابقة للأزمة قامت بذلك كله هل كان يحصل ما يحدث من تضخم وارتفاع بالأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة السورية والقوة الشرائية وتردي الاقتصاد السوري؟
دور الحكومات في سنوات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية
حتى لا نبتعد عن الواقع المعيشي لأصحاب الدخل المحدود خلال الحرب على سورية في أعوامها السبعة.. لقد تعاقبت خلال الأزمة حكومات عديدة وكل حكومة تتخذ قرارات وتنفذ أخرى لكن السؤال الذي نطرحه:
كيف تعاملت تلك الحكومات المتعاقبة مع الوضع المعيشي والاقتصادي للمواطن؟
لم تستطع هذه الحكومات المتعاقبة خلال الأزمة أن تضع خطاً اقتصادياً ومالياً ونقدياً واضح المعالم لا يحتاج تأويلاً ولا تفسيراً ويقوم الوزراء بتنفيذه من دون تقديم اجتهادات جديدة وهذه الاجتهادات تركت آثارها في معظم القطاعات الاقتصادية علماً بأن الحكومة الحالية تحاول التماشي دائماً مع الوضع الراهن ولكن هناك بعض الثغرات النقدية التي أثرت في سياستنا النقدية وألقت بكاهلها على سعر القطع الأجنبي الذي كان له دور فاعل في ارتفاع الأسعار كذلك لا يمكن نكران وجود بعض المستغلين الذين لا هم لهم إلا اقتناص الأرباح الفاحشة في ظل الأزمة والحرب الكونية على سورية.
ضرورة معالجة إسعافية واستثنائية لإدارة الأزمة الاقتصادية والمالية
إن معالجة الأزمة الراهنة الإسعافية للسياسات الاقتصادية والوضع المعيشي تتطلب مواجهة صريحة وشفافة فإذا لم نقض على الأسباب والمسببات لن نتلمس الحلول الناجعة إننا في حالة غير عادية وبالتالي يجب أن نبحث عن حلول استثنائية ومن هنا لابد من إطلاق المبادرات والتفكير بالحلول السريعة لتجاوز المعوقات والمحافظة على المخزون الاحتياطي من خلال إجراءات خلاقة لا يعيقها الروتين والبيروقراطية الإدارية وأن تستعيد الدولة دورها الاقتصادي وتتكامل مع سياسات أخرى وأن يكون دور الدولة وقوتها الاقتصادية إلى جانب قوتها العسكرية والسياسية والانتصارات التي حققها الجيش العربي السوري.
كذلك العمل على إعادة تفعيل دور مؤسسات التجارة الداخلية والخارجية وتنشيط تجارة التجزئة الحكومية والتعاونية وإيجاد التنسيق الفعال بين السياستين النقدية والمالية وتعاونهما معاً من أجل تخفيض التضخم وإيجاد الموارد المالية لخزينة الدولة واستخدام الضرائب والرسوم للأغراض الاقتصادية والمالية والاجتماعية بآن معاً.
وضرورة مساعدة القطاع العام الصناعي العام والخاص على إعادة تشغيله وتأمين مستلزماته الإنتاجية والعمل على حمايته أمنياً.
إن النجاح في تنفيذ هذه المتطلبات سيكون مرهوناً بتوفر العناصر البشرية المؤمنة بأهمية المرحلة والتي تتمتع بالشعور بالمسؤولية الوطنية والاخلاقية ولابد أن يرافق ذلك سلوكاً حازماً في الحد من الفساد والحد منه في جميع مفاصل الدولة وفي الأجهزة الإدارية والاقتصادية والقضاء على مظاهره من القضايا الملحة والدائمة خاصة وأن سورية تتعرض لحرب كونية غير مسبوقة من قبل أعداء الوطن.
القرارات الاقتصادية ساهمت في رفع الأسعار 300% من بداية الأزمة
لقد أكد مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال بدورته التاسعة المنعقدة بدمشق في 24-25 أيلول 2017 أن الركود الاقتصادي في السنوات الأخيرة وصل ذروته حيث إن مجمل القرارات الاقتصادية المتخذة ساهمت في رفع أسعار جميع المواد الأساسية والرئيسية بدءاً من المشتقات النفطية وصولاً إلى المواد التموينية وقد رافق تلك القرارات فلتان تجار الأزمة في الأسواق حيث رفعت الأسعار بنسبة 300% من بداية الأزمة وحتى الآن بحسب الأرقام الصادرة عن المكتب الاقتصادي للإحصاء بينما لم ترتفع الأجور والرواتب إلا بنسبة 40% خلال الفترة ذاتها.
هوة واسعة بين الدخل والاستهلاك
إن الارتفاع الجنوني في الأسعار خلق هوة بين الدخل والاستهلاك ما انعكس سلباً على التنمية المجتمعية ومستوى دخل الأسرة ويتعذر ردم هذه الهوة دون خلق حالة من التوازن بين الدخل والاستهلاك حيث يدرك المتتبع أن القدرة الشرائية للأجور انخفضت وأصبح الكثير من الأسر تعيش تحت مستوى خط الفقر.
إضافة إلى ذلك أن الدعم الاجتماعي والتمويني تقلص خلال سنوات الأزمة بدلاً من أن يزداد أو يكون هناك توازن بين الأجور والرواتب والأسعار التي أصبحت عبئاً ثقيلاً على العمال وأصحاب الدخل المحدود وفقراء الوطن.
القوة الشرائية للأجور أصبحت في خبر كان
حسب أصحاب القرار في الحكومة يقال إن هناك أزمة اقتصادية استثنائية نتيجة الظروف والتحديات التي تعيشها سورية لكن هذه الأزمة تعالج بتضافر الجهود بين المؤسسات المعنية لمنع الاحتكار وارتفاع الأسعار لتأمين المواد الأساسية التي يحتاجها المواطن.
إذاً نحن مع هذا التوجه ومع الجهود المبذولة للحد من الاستغلال والجشع والاحتكار وارتفاع الأسعار ولكن نقولها بالفم الملآن وبصوت عال أن أصحاب الدخل المحدود من العاملين وفقراء الوطن لا يفهمون لغة التنظير والتصريحات والوعود التي لا تسمن ولا تغني من جوع هم يريدون أفعالاً وليس أقوالاً.. فالأقوال لا تطعم أطفالهم ولا توفر لهم السلع الضرورية بأسعار معقولة تتناسب مع أجورهم ورواتبهم.
أخيراً فإن الحكومة لابد لها من أن تتعامل مع حركة الواقع المعيش وتجند جميع الطاقات الوطنية لتنفيذ توجيهات قائد الوطن الرئيس بشار الأسد.
أمين حبش