بعد كثرة القرارات والتصريحات حول انخفاض أسعار المواد الغذائية من المتة والسكر والمعجنات والشاورما والفروج أصبحت المفارقة كبيرة بين آراء التجار والمصدرين وأصحاب المحلات التجارية وقرارات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حول هذه الأسعار كما تضخمت الفجوة بين ما يحتاجه المواطن من هذه المواد كالمتة والسكر والزيت وبين ما هو موجود من كميات في الأسواق وأن وجدت فإن أصحاب المحلات التجارية يحتكرونها حتى لا يبيعونها في ظل هذا الانخفاض فينتظرون ريثما ترتفع أسعارها أو إلى أن يضطر المواطن أن يشتريها بأسعار مرتفعة.
ويأتي تبرير أصحاب المحلات التجارية لعدم البيع أو عدم وجود المادة بأن موزعي المادة لم يأتوا إلينا فهذه الأسعار لا تتناسب مع ما يتكلفونه، وأن الوزارة وضعت هذه الأسعار بناء على أرقام ودراسات خلال السنوات السابقة.
روح اشتري من الوزارة
لا يمكن أن ننكر جهد وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالعمل بشق الأنفاس على خفض أسعار المواد الغذائية لتتناسب مع الظروف المعيشية الصعبة التي تعصف بالمواطنين، لكن قرارات الوزارة الجديدة لم تصل إلى مسامع أصحاب المحلات التجارية الذين لم يكفهم الربح الفاحش الذي جنوه خلال السنوات السابقة من خلال التلاعب بالأسعار في كثير من الأوقات نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، فالأسعار بقيت كما هي دون أن يرى المواطن أي انخفاض مؤثر على المواد الغذائية كما أن مراقبي التموين غير موجودين في كل الأسواق أو المناطق ويذكر أحد المستهلكين في منطقة مصياف بحماة وهو حال كثير من المواطنين في سورية أنهم لم يروا أي انخفاض على أسعار المواد منذ صدور القرارات وعندما يقولون لأصحاب المحلات التجارية أن أسعار المواد انخفضت يردون عليهم بالقول "روح اشتري من الوزارة " ويتحجج صاحب المحل بأن المادة غير موجودة أو مفقودة وبأن موزعي المادة لم يأتوا إلينا فيتساءل المواطن هل من الممكن أن يتحكم أصحاب المحلات التجارية والتجار بأسعار المواد دون وجود رقابة من قبل الوزارة؟؟؟.
للوهلة الأولى عندما تذهب إلى المحلات التجارية يخيل لك أن الأسعار ستكون منخفضة وأنها تتناسب مع الأسعار التي وضعتها الوزارة لكن تتفاجأ بأن الأسعار بقيت كما هي أو طرأ عليها بعض الارتفاع نتيجة قلة المادة أو احتكارها من قبل مالكيها منتظرين ليعاود سعرها للارتفاع ويتذمر أحد المواطنين من حال الأسعار بقوله "الأسعار عم ترخص بالتصريحات أو بالمواقع الإلكترونية والجرائد دون أن نرى أي انخفاض على أرض الواقع لأسعار المواد الغذائية وعندما تذهب إلى المحلات يقول لك صاحب المحل إن هذه الأسعار في الجرائد والمجلات فقط أو في تصريحات بعض المدراء والوزراء فالانخفاض ما وصل إلينا.
التجار.. ما هو الأساس الذي وضعت عليه الأسعار؟
خلال السنوات السابقة أي قرار أو اجتماع بين الجهات الإدارية يتم بين الجهات المعنية متعددة الأطراف لتتناقش أو تبحث في مشروع قرار أو أي موضوع جديد، يبدأ تضارب الآراء فيما بينهم بين من هو موافق و معارض لها، فيظهر التضارب بين الجهات المعنية من قضية شراء الآلات المستعملة إلى قضية أسعار المواد الغذائية فيما وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تؤكد أن هذه الأسعار وضعت وفق أسس مدروسة وبعد حساب التكلفة والسعر الذي يشتري به التجار هذه المواد من الدول المصدرة .
ويرى بعض التجار أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حسبت طن المتة بألف دولار بينما هم يششترون طن المتة من دول المنشأ بثلاثة آلاف دولار فوضعت الأسعار كما كانت عليه سابقاً دون أن تراعي الوزارة تكلفة النقل وأجور الشحن وغيرها من الأجور التي يتكلف بها التجار!!
في حين أبدى أصحاب محلات المعجنات والمناقيش انزعاجهم بسبب التسعيرة الجديدة التي وضعتها الوزارة دون أن تلتفت إلى أسعار الزعتر والمرتديلا وعبر عن رفضه أو عدم التزامه بالتسعيرة الجديدة بقوله "كان الأجدر بالوزارة أن تضبط أسعار المواد اللازمة لصناعة المعجنات ومن ثم تأتي لضبط أسعارنا ".
ويسأل أصحاب محلات معجنات آخرين هل من الممكن أن تضع الوزارة أسعاراً دون أن ترى التكلفة الحقيقية اللازمة لصناعة هذه المواد فليضع أي معني بتحديد الأسعار نفسه محل صاحب المعجنات هل من الممكن أن يقبل بهذه الأسعار؟
إجراءات رادعة
انصبت جهود وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وتواجدها الدائم في الأسواق كمراقب على عمل التجار وأسعار السوق، كما أنها استطاعت في الآونة الأخيرة السيطرة على أسعار البيض واللحوم وتخفيضها، إذ أكد معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال الدين شعيب أن الوزارة لن تتهاون مع المتطاولين على القانون وستفرض على الأسواق الأسعار المنطقية التي تتناسب مع ربح معقول للتاجر وسعر يتناسب مع المواطنين، وتحقيق المعادلة التي تضمن حقوق الجميع، ويتابع شعيب نحن لسنا ضد التاجر أو الصناعي المحلي في حال قدم لنا بيانات التكلفة التي على أساسها يتم وضع السعر المعقول أما المتهربون من بيانات التكلفة والمتلاعبون فيها لن نتساهل بالتعامل معهم وسيتم اتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم، علما أن الوزارة ستعمل على تعديل القانون 14 لعام 2015 الذي سيسمح لنا باتخاذ عقوبات رادعة بحق المتجاوزين للقوانين والأنظمة ولمن لا يلتزم بالأسعار التي تضعها الوزارة.
بنود التكلفة
هناك من يتهم وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالتقصير وضعفها أمام سطوة التجار وأعذارهم وأسبابهم التي تتلون مع مصالحهم، أي أن لديهم لكل سؤال جواب يحميهم من مساءلة القانون، مدير الأسعار في الوزارة نضال مقصود أوضح أن سلطة القانون فوق الجميع حيث بدء العمل على دراسة بعض السلع وتحديد تكلفتها الحقيقية وهامش ربح التاجر أو البائع بحدود، وقمنا مؤخرا بجولات عديدة على محلات المعجنات برفقة فريق فني من الوزارة وتم فرز بنود التكلفة بشكل دقيق ووفق المعايير التي تم وضعها لكل نوع من أنواع المعجنات وبعد كشف التكلفة الإجمالية تم وضع الأسعار بإضافة ربح 20% للمنتج وعلى أساس ذلك تم تخفيض سعر المعجنات حالياً، ونفس العملية تم إجراؤها على المتة والزيت والسكر، حيث قمنا بزيارة معمل المتة والذي يعد الموزع الأساس لهذه المادة مع فريق فني واطلعنا على واقع الإنتاج ومراحله وتكاليف استيراد المادة الخام ورول الورق المستخدم لها ،علماً أن معامل المتة في يبرود وما حولها تعمل بطاقتها الإنتاجية العالية ولا يوجد عليها أي ضغوط بعد أن فرض الجيش الأمن والاستقرار في تلك المناطق.
سبل التخفيض
لن يقتصر توجه الوزارة نحو تخفيض الأسعار على المواد الغذائية الأساسية بل تعمل على تسعير كافة المنتجات وبمختلف أنواعها لكن هذا يحتاج إلى بعض الوقت فبحسب مدير حماية المستهلك في الوزارة حسان نصر الله إن الوزارة تعمل على وضع عدة قرارات تمكنها من العمل بشكل متواز ما بين اختلاف سعر الصرف وقيمة السلع المطروحة في الأسواق ،وهناك دراسة لتخفيض العديد من السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية نظراً لاستقرار سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية وانخفاض تكاليف نقلها ومستلزمات تصنيعها بالإضافة الى إيجاد كل السبل التي تضمن توفير مختلف المواد بمواصفات ونوعية جيدة وبأسعار معقولة، أما الأسعار التي حددتها الوزارة فكانت كالتالي سعر مادة السكر للكيلو غرام الواحد بالجملة 270 ليرة سورية وللمستهلك 290 ليرة بعد أن كان 310 ليرات، أما سعر لتر مادة الزيت النباتي للجملة 620 ليرة وللمستهلك 650 ليرة بعد أن كان 720 ليرة، والمتة بكل أنواعها ومسمياتها عدا “الببورين” أصبح سعر مبيع العبوة سعة 250 غراما بالجملة 270 ليرة وللمستهلك 290 ليرة بعد أن كان سعر العبوة 400 ليرة أما العبوة ذات السعة 200 غ فسعر مبيعها بالجملة 225 ليرة وللمستهلك 250 ليرة كما تم تحديد سعر متة “الببورين” سعة 250 غراما ب 275 ليرة للجملة و300 للمستهلك، ويضيف نصر الله سيتم مراقبة السوق من خلال دوريات تموينية ومخالفة كل من لا يلتزم بسعر الوزارة ومعاقبة المتجاوزين للقوانين، وسيتم نشر صور لمحلات المخالفين بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي حتى يتعرف عليهم المواطنون.
نظرة تاجر
عمل الوزارة لتخفيض الأسعار لم يمر بسهولة فقد علت أصوات بعض التجار الذين رفضوا الانصياع الى القوانين والأنظمة وحاربوا القرارات التي تخفض أرباحهم، لنسمع العديد منهم يتهمون بلد المنشأ للسلع التي خفضت كالزيت والسكر والمتة، ومنهم من أشار أصبع اتهامه إلى الدولار رغم أنهم لا يشيرون له في حال انخفاضه، ليس هذا فقط فهناك من هدد برفع الأسعار أكثر بحجة ارتفاع التكلفة، رئيس غرفة التجارة بدمشق غسان القلاع بين أن السؤال الأهم كيف يمكن للتاجر تقديم بياناته إذا لم يكن هناك بيان واضح لعملية تمويل المستورد فمعظم التجار لا يعتمدون على تمويل المصارف، وفي هذه الأحوال كيف يمكن لهم تقديم البيانات واحتساب التكلفة بسعر الشراء من بلد المصدر، ويتابع القلاع أن الوزارة يجب أن تحدد سعر التكلفة إذا كان المعتمد بالسعر الآني أو بسعر الشراء للمادة، وإذا كان التمويل مصدره المصرف فيجب أن تتوافر كل الثبوتيات لدى التاجر منها تكلفة الشحن من الميناء للبلد المنشأ للمواد القادمة إلينا عن طريق بوليصة الشحن من ميناء الوصول الى المستودعات وأماكن الاستهلاك إضافة إلى بيان نفقات تخليص البضاعة والمترتب عليها من أجور، بالإضافة إلى أجور النقل الحقيقة مع تكاليف التخزين والتغليف مع حساب نسبة ربح المستورد وتاجر الجملة، ويذكرنا القلاع أن هناك نسبة تسليم تصل 15% للمؤسسات الحكومية.
دكاكين
يبقى الجدل مفتوحاً ما بين تاجر يبحث عن الربح الفاحش وبين الوزارة التي تسعى جاهدة وبشق الأنفاس للتحكم في الاسواق المحلية وخلق التوازن السلعي والأسعار ما بين تاجر ومستهلك، فالوزارة هي صوت المواطنين والجهة الرسمية التي تدافع عن حقوقهم في تلبية احتياجاتهم ومتطلبات حياتهم في ظل ضعف القدرة الشرائية، وهنا لابد لنا أن نذكر أن مفهوم الدكانين يسيطر على نسبة كبيرة من سلوكيات تجارنا ما يدفعهم للاحتكار ورفع الأسعار علماً أن النظريات الاقتصادية العالمية تثبت بأن البيع بسعر منخفض وبكميات كبيرة يعطي نسبة أرباح عالية مع ميزة إنفاق البضاعة أي الانتهاء من تكديس البضائع وتعريضها للتلف.
تطبيق عين المواطن.. هل هو كاف لضبط أصحاب المحلات؟
يبدو أن تطبيق عين المواطن لم يفد المواطن بشيء فرغم تأكيد عدد من المواطنين بإرسال شكاوى عن طريق هذا التطبيق إلى أنهم لم يجدوا أي محاسبة لأصحاب هذه المحلات ،فهل من الممكن أن تكتفي الوزارة بهذه الإجراءات لضبط الأسعار أم أن هناك خطوات جديدة على صعيد ضبط أصحاب المحلات التجارية وأسعارهم الفاحشة؟
محمود العيسى