في فترة ليست ببعيدة كانت مؤسسة الطيران العربية السورية من بين مؤسسات الطيران العالمية المشهورة, نظراً لاتساع نطاق عملها وتحديث طائراتها وإنشائها لدائرة تأمين الخدمات للزبائن في مطار دمشق الدولي لتقديم أفضل الخدمات عند الوصول وعند المغادرة، واستمرارها بالعمل على أساس شعارها القديم الجديد "السورية تعني الأمان" والسفر المريح وبأسعار لا تنافس لجميع الزبائن، كما افتتحت المؤسسة مكاتب خارجية ومراكز داخلية في مختلف محافظات القطر من أجل سهولة التعامل وتقديم المزيد من الخدمات بأقل التكاليف للزبائن، وكل ذلك جعلها من أهم المؤسسات الاقتصادية الداعمة لخزينة الدولة بمبالغ كبيرة جداً، ولكن الأزمة التي تمر بها سورية أصابتها ببعض الآثار السلبية إلى حد أن تعمل بطائرة واحدة، إضافة إلى المشاكل والصعوبات التي أعاقت عملها في الفترة الماضية.
واقع الحال
استمرت مؤسسة الطيران بالعمل طوال الأزمة بكامل طاقتها وتقديم خدماتها للمواطنين ولم تتوقف رغم كل الحصار والعقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها سواء من الجانب الأمريكي أو الجانب الأوروبي بحسب ما ذكره لنا رئيس نقابة عمال النقل الجوي في دمشق قحطان أحمد ، وأضاف أحمد أن المشاكل والصعوبات بدأت مع بداية عام 2013 وكان أبرزها نقص قطع الغيار لأن الشركات المعتمدة بتأمينها رفضت التعامل مع المؤسسة بسبب الحظر المفروض عليها، هذا بالإضافة لعدم امتلاك المؤسسة السيولة المالية الكافية في حينها والتي تمكنها من صيانة طائراتها، فلجأت إلى الجانب الإيراني من خلال اتفاقية ما بين الطرفين عن طريق شركة ماهان التي قامت بإجراء صيانة لأحد الطائرات بشكل مجاني وزودت المؤسسة بكل ما تحتاجه.
إعادة تشغيل طائرة "أيه تي آر" بخبرات وطنية
وفي بداية عام 2014 بدأت المؤسسة بالانطلاقة الكبيرة من واقع خسارة إلى هامش ربح تصاعدي ووصلت إلى أرباح كبيرة لأنها كانت الناقل الوحيد في ظل الأزمة، وبعد انتهاء العقد مع شركة ماهان كانت المرحلة الأصعب في تاريخ السورية للطيران ودُق ناقوس الخطر لما تعانيه المؤسسة والحال الذي وصلت إليه، بانتظار توقيع اتفاقيات جديدة تنقذ الشركة مما تعانيه، لكن في ظل الأزمة وما تشهده البلاد من أحداث لم تلحظ أوضاع المؤسسة كأولوية يجب معالجتها، ووفق ما قاله أحمد: إن الحكومة كان لها رؤية بخصوص الأولويات وتأمينها للمواطن ولم يكن موضوع الطيران أولوية كباقي الأولويات، ولكن بعد نداءات الاستغاثة التي أطلقتها المؤسسة وبمساندة من الاتحاد العام لنقابات العمال ومتابعة حثيثة من رئيس الاتحاد تمت الموافقة على تعمير محرّكات طائرة الـ"ATR" من مواردها الذاتية خارج نطاق خط الائتمان الإيراني السوري.
من جانبه أكد وزير النقل على حمود أن الوزارة تضع في سلم أولوياتها تعزيز وتطوير مؤسسة الطيران العربية السورية وعمودها الفقري الطيارين الذين تعتز بهم وبخبراتهم وكفاءتهم ومهنيتهم الوظيفية والوطنية، مشيراً إلى أن الحكومة وافقت على إعادة تشغيل طائرة “أيه تي آر” بخبرات وطنية وتأمين مستلزمات عودتها للعمل وانضمامها إلى أسطول السورية للطيران.
وأعتبر حمود أن عودة الطائرات الى العمل سيسهم في رفد الخزينة بإيرادات جديدة، مؤكداً حرص الوزارة على تقديم كل الدعم لإنجاح قدرات الطيارين وتعزيز الكفاءة الفنية لهم وتحسين أوضاعهم مادياً ومعنوياً.
أزمة حجوزات .. ومكاتب سمسرة
لاشك أن تزايد الطلب على السفر جواً بسبب انقطاع بعض الطرق براً والحديث عن أزمة حجز التذاكر، وانخفاض عدد الطائرات المشغلة، والظروف التي تمر بها مؤسسة الطيران فتح الباب أمام انتشار أسواق سوداء للمتاجرة بالتذاكر عبر شبكة من السماسرة وتحت غطاء مكاتب للسياحة والسفر مستغلين حاجة طالب جامعة يريد الحصول على تذكرة سفر للالتحاق بجامعته، أو مريض مضطر للسفر بحثاً عن علاج، ولم تكن المتاجرة بالتذاكر هي المشكلة الوحيدة التي تواجه المواطن، فما زاد الطين بلة هو الارتفاع الكبير بأسعار التذاكر لحد مضاعفة أسعارها وفق ما أكده لنا بعض المواطنين الذين اضطروا لإلغاء فكرة السفر بعد معرفة هذه الأسعار، وبالتأكيد فإن حجة وتبرير ارتفاع أسعار التذاكر جاهزة بأن أسعار تذاكر السفر تعتمد الدولار الأميركي كأساس في دراسة الجدوى الاقتصادية لأسعار التذاكر باعتبار أن تكلفة التشغيل تسدد بالدولار الأميركي وتنشر أسعار التذاكر وتباع بالليرة السورية استناداً إلى أسعار الصرف التي تصدر بشكل دوري عن مصرف سورية المركزي.
وللحد من الفوضى التي شهدتها أسواق بيع التذاكر والاستغلال الذي وصل حده عند بعض ضعاف النفوس أصدرت الحكومة القرار رقم 859 القاضي بتوحيد أجور النقل الجوي الداخلي إلى القامشلي وذلك كخطوة وإجراء مبدئي ضمن جملة إجراءات الحكومة لتخفيف الأعباء عن المواطنين وتسهيل إجراءات نقلهم.
وعن القرار أشار وزير النقل إلى أنه يشمل مؤسسة الطيران العربية السورية وشركتي أجنحة الشام وفلاي داماس مؤكداً حرص الحكومة والوزارة على اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها تسهيل انتقال المواطنين من مطار القامشلي وإليه في إطار خطة مدروسة من قبل الحكومة تطول جميع الجوانب المعيشية والخدمية للمواطنين.
مقترحات وحلول...
من الضروري أن تحظى مؤسسة اقتصادية حيوية ورابحة كمؤسسة الطيران العربية السورية باهتمام حكومي مباشر يتبلور في جملة إجراءات من شأنها تطوير أداء المؤسسة والارتقاء بعملها وتأهيل كوادرها بما يعزز تنافسيتها وتجاوز الصعوبات والمعوقات التي تعترضها أثناء تنفيذ مهامها، مع ضرورة التواصل المباشر بين الحكومة وإدارة المؤسسة لمعالجة كل ما يعترض المؤسسة من صعوبات، وتلبية ما تحتاجه خاصة أنها ترفد خزينة الدولة بأرباح كبيرة، إضافة للقطع الأجنبي الذي تساهم بإدخاله للبلد.
من جانبه أشار رئيس الاتحاد المهني لنقابات عمال النقل عماد الدغيم إلى ضرورة الإسراع في إصدار القانون الخاص بمؤسسة الطيران والذي يعطيها المرونة ويمكنها من المنافسة، ومعالجة موضوع التمثيل الخارجي مبدياً استغرابه من إيقاف الجهاز المركزي للرقابة المالية لدورة التمثيل الخارجي الأخيرة والتي لم يبت بها إلى اليوم.
وتحدث دغيم عن بعض المشاكل التي تعاني منها المؤسسة كالنقص العددي للكوادر البشرية في المؤسسة وضرورة الإعلان عن مسابقات خارجية لانتقاء الاختصاصيين، مشدداً على ضرورة تحديث آليات ومعدات المؤسسة حيث أصبح الإصلاح يشكل عبئاً ثقيلاً ونزيفاً لأموال المؤسسة، إضافة لضرورة استبدال وتحديث الأقشطة والموازين في مطار دمشق، وتشميل آليات المؤسسة بالتأمين الشامل حفاظاً على الأرواح والمعدات، لافتاً لأهمية إجراء الدورات التدريبية الداخلية والخارجية التي من شأنها رفع مستوى الكادر الفني والعمل على تجديد شهادات المرحلين الجويين.
وأشار دغيم إلى أهمية الإسراع في إصلاح ما خلفه الإرهاب من دمار وتخريب في مطار دمشق الدولي ولاسيما هنغار الشؤون الفنية الذي يشكل خطراً على العاملين والطائرات منذ أكثر من عام ولغاية الآن، لافتاً إلى أن لجنة إعادة الإعمار لم تخصص المبالغ الطلوبة لإعادة صيانته، إضافة لضرورة تأمين مطبخ جديد للمؤسسة بدلاً من القديم يلبي حاجة التشغيل ويخدم شركات الطيران التي تقلع من مطار دمشق الدولي.
عمال السورية للطيران أولوية
وفيما يتعلق بعمال المؤسسة أوضح دغيم أن المؤسسة عانت من أضرار كبيرة وتعرضت لاعتداءات كثيرة وقدمت الكثير من الشهداء ورغم هذا استمر العمال القيام بواجبهم ومواصلة عملهم.
ولفت دغيم إلى أن الحوافز الإنتاجية تصرف لكل العاملين في المؤسسة، وهناك سعي دائم من الاتحاد العام لإيجاد حلول جذرية لمختلف المطالب العمالية الملحة، لأن الجهود الكبيرة التي يبذلها عمال المؤسسة لتأمين استمرارية العمل رغم المشاكل والصعوبات التي تعترض سبيل عمل المؤسسة تستحق تحقيق كل مطالبهم.
المصدر:جريدة كفاح العمال الاشتراكي
هبا نصر