الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » تحقيقات

الصفحة السابقة »

مواقع التواصل الاجتماعي أسقطت الأقنعة عن وجوهنا وفضحت تعقيد شخصياتنا بين الخداع والحقيقة من ضحية الزواج الالكتروني

2016-10-24 09:06:42

كثيرة هي الدوافع التي تقود مشاعرنا وتتحكم في سير حياتنا ربما الوحدة أو عزلتنا المسكينة ولعله فضولنا المجنون، كلها مبررات تدفع بعضنا نحو مواقع التواصل الاجتماعي لخوض تلك المغامرة التي قد نخاف القيام بها على أرض الواقع لنخوضها بين خيوط الشبكة العنكبوتية بحثاً عن شريك طال انتظاره، فهناك من تخطت الثلاثين وبدأت لعنة "العانس" تلاحقها أينما ذهبت، وهناك من سرحت بخيالها لإيجاد فارس الأحلام الذي لن يأتي بعد اليوم على صهوة جواده بل بكل بساطة عبر حسابه على أحد مواقع التواصل الاجتماعي التي أخذت دور الخاطبة وأصبحت خير صديق لنا منذ لحظة استيقاظنا وحتى نومنا.

ولكن هل أخطأنا في فهمنا لهذه التقنيات واستخدمناها دون تفكير؟

وهل يكفي الفيس بوك أو skype وغيرها من المواقع لاختيار من نريد أن يقاسمنا حياتنا بحلوها ومرها؟

آراء قانونية

لن تستغرق عملية البحث عن شريك عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلا بضع دقائق فمع انتشار صفحات خاصة بالزواج الالكتروني أصبح الأمر أقل تعقيداً، وربما هذه السرعة أو التسرع هو ما وضع الفكرة برمتها في دائرة الاتهام، ما جعل بعض أصحاب القانون يتخذون موقفا سلبياً من هذه الطريقة في الزواج، فأهم ما ركز علية القاضي الشرعي الأول في دمشق "محمود المعراوي" أن هذا النوع من الزواج مخالف للعادات والتقاليد في بلادنا الشرقية فالأصح أن يتعرف الطرفين على بعضهما بطريقة مباشرة لا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويضيف "المعراوي" أنه عندما يبنى الزواج على أسس صحيحة وحقيقية في الواقع وليس على صفحة أحدهم على الفيس بوك مثلاً فهذا الزواج هو الأدوم، فأغلب المعلومات التي يضعها الأشخاص على حساباتهم في هذه المواقع يغلب عليها طابع المثالية والمظاهر المبالغ فيها، فأصبح الناس يقيّمون الفرد من خلال كتاباته على صفحته الشخصية، ويؤكد "المعراوي" على ضرورة الرجوع إلى العادات المتعارف عليها لأن الأسرة التي تتكون بعد أي زواج هي خلية المجتمع وأي خلل فيها يسبب خللا في المجتمع بالكامل لذلك لابد من البحث عن أفضل العوامل التي تساعد في ديمومة الزواج حتى لا يكون مهددا بالانهيار من جراء اختيارنا لشريكنا عبر هذه المواقع البعيدة عن الواقع الحقيقي.

ولا يختلف رأي المحامي "طارق حوراني" عن رأي القاضي "المعراوي" حيث يرى الأول أنه ليس من الممكن أن يكوّن الأشخاص حياة زوجية بناء على هذا النوع من التعارف عبر مواقع التواصل الاجتماعي وقد تكون العنوسة وغيرها من العوامل في مجتمعنا هي السبب وراء انتشار هذا النوع من الزواج، أما عن مدة الزواج الالكتروني فيعتبر "حوراني" أن مدته قد لا تتجاوز الأيام في بعض الحالات، والمسؤولية في هذه الحالة تقع على كلا الطرفين لذلك لابد من تدخل الأهل في اتخاذ القرار المناسب.

تبريرات المجتمع

بعض من التقينا بهم وضعوا الكثير من المبررات لاندفاع بعضنا نحو الزواج الالكتروني، منهم من رأى فيه مجالا واسعا من الخيارات لإيجاد الشخص الذي يتوافق مع طبيعتنا ويرضي رغباتنا، وآخرون وجدوا فيه طريقاً للسفر إلى الخارج وتحقيق هذا الحلم الذي يلاحق أغلب شبابنا ويدفع بعضهم لقبول الزواج بأي فتاة من الخارج والسفر إلى حيث تقيم بعد أن تتكفل هي بكل المصاريف ليكون ممتنا لها طيلة حياته، وغيرهم ينظرون إلى هذه الطريقة أنها أحدث صيحات التكنولوجيا وكعادتنا لاسيما في مجتمعنا العربي نركض خلف هذه الصيحة ليس لأننا نرغب في التقدم والتطور بل لأنها موضة لا أكثر، وقلة من نظروا للزواج الالكتروني أنه خاطئ وكان رفضهم لهذه الفكرة ناجم عن غموضها واستخفافها بهذه الرابطة المقدسة وتحويل الزواج إلى سلعة يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إدمان شديد التأثير

لا يقف الأمر عند الزواج الالكتروني فالإنترنت أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا وهذه المواقع تحولت إلى عادة يومية لا تفارقنا حتى أدمنا عليها مع مرور الوقت، وفي المقابل ليس ذنب التكنولوجيا أنها قدمت لنا أحدث تقنياتها وسهلت عملية التواصل بين البشر، كما ساعدتنا في الوصول إلى كافة مدن العالم والتجول في شوارعها ونحن جالسين في منازلنا، لكن الاستخدام المبالغ فيه لمواقع التواصل الاجتماعي جعلها توضع في دائرة الاتهام، ليس لأن عدد مستخدميها تجاوز الملايين فحسب بل لأن الإقبال عليها تحول إلى حالة إدمان يخشى من عواقبها، هذا الكلام نتيجة حديثنا مع عدد من مستخدمي هذه مواقع حيث أكدوا أن تصفح حساباتهم الشخصية على الواتس آب مثلا أصبح حاجة ضرورية وعادة يومية تلازمهم منذ استيقاظهم وحتى خلودهم للنوم، وفي كل الأمكنة لا يستطيعون مفارقة أجهزتهم المحمولة خشية أن يفوتهم خبر ما أو حادثة معينة تنشر عبر هذه المواقع.

انتشار لا حدود له

عندما اخترت مواقع التواصل الاجتماعي عنوانا لهذا التحقيق كان خياري نابعا من عدة مواقف سمعت بها أو شاهدتها بنفسي، فطلبة الجامعات بعضهم وربما غالبيتهم ما عادت عيونهم تلاحق الأستاذ المحاضر أثناء شرحه لفكرة معينة لأن تركيزها منصب على تصفح هذه المواقع، وحتى الأيدي التي كانت تتسابق لتدوين الملاحظات أثناء المحاضرة شغلت بما هو أعمق بالنسبة لأصحابها بدءا من كتابة الرسائل لبعض الأصدقاء وصولا لتبادل الصور بينهم، كافة الحواس الخمس جندت لإرسال واستقبال طلبات الصداقة والإعجابات إضافة إلى التعليق على مواضيع قد تكون بلا معنى، حتى عندما تقرر أن تدخل أحد المقاهي وخصوصاً ما يطلق عليها "مقاهي الانترنت" تبهرك حالة السكون داخله مع أنك قد لا تجد مكانا تجلس فيه لكن كل فرد توحد مع جهازه وغاص في أعماق العالم الافتراضي هذا، فهناك من يضحك على تعليق أو خبر قرأه، وفي أحد الزوايا تجلس إحداهن والخيبة تغطي ملامح وجهها فربما انفصلت عن حبيبها الذي يعيش في قارة إخرى ولم يسبق لها أن التقته، فتشعر وكأنك أنت الذي يعيش في عالم افتراضي لا هؤلاء الفيسبوكيين كما يقال عنهم.

 إيجابيات لن ننكرها

من وجهة نظر الدكتور "طلال مصطفى" قسم علم الاجتماع في جامعة دمشق فإن هذه المواقع دخلت مجتمعنا في الخمس سنوات الماضية بشكل كثيف وإنها كجانب من الثورة المعلوماتية والمعرفية لها علاقة بالتطور والتقدم التكنولوجي الذي وجد لخدمة الإنسان والبشرية بشكل عام، فهذه المواقع إيجابية بشكل عام ولكن الجانب السلبي في أسلوب استخدامها من قبل الإنسان سواء كان طالبا، موظفا أو أي شخص عادي فهو يتحكم في كيفية استعمالها، وكأستاذ جامعي أصبح من السهل التواصل مع باقي الجامعات من مختلف أنحاء العالم، وهي صفة حسنة لن نستطيع تجاهلها، وعن المفهوم السائد من هذه المواقع يؤكد الدكتور طلال أن جيل الآباء وكبار السن غالبا ما يكون انطباعهم عنها سلبياً فيخشون على أبنائهم من التعاطي معها، أما فئة الشباب فيكون حماسهم في أوجه واندفاعاتهم لا حدود لها فيرون في وسائل التواصل هذه نافذة يعبرون بها عن آرائهم وأفكارهم وحتى مواقفهم من قضايا عديدة، فكما كان هناك جيل الإذاعة وجيل التلفاز ظهر الآن جيل الواتس آب والفيسبوك وغيرها.

هذا ما نريد استرجاعه

ربما إذا وضعت بعض القيود والضوابط على مستخدمي مواقع التواصل لتنظيم أوقات الدخول إليها نستطيع استرداد بعض الأوقات التي سلبتها منا هذه التكنولوجيا، لنجعل منها أداة نطور بها ذاتنا لا وسيلة تقضي على التواصل الاجتماعي بمعناه الحقيقي ذاك الموجود في عيوننا التي تشع فرحاً عند لقاء من نحب لتستيقظ مشاعر كادت أن تدخل في سبات لا صحوة منه، مشاعر رافضة أن يعبر عنها عبر وسائل وهمية لا يمكن أن تكون بشفافية وصدق الأحاسيس النابعة من جوف القلب لا من صلب تكنولوجيا فرضت علينا.

 

نيرمين الماهر

 


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك