الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » تحقيقات

الصفحة السابقة »

بدءاً بظروف الإنتاج الصعبة وانتهاءً بجشع التجار.. أسعار الألبسة الشتوية جعلت منها حلماً بعيد المنال!

2015-11-01 10:53:07

كعادته يأتي الشتاء ضيفاً ثقيلاً على السوريين، ليبتدئ معه ماراتون اللحاق بالأسعار وتأمين المؤن والألبسة والوقود قبل انتهاء الراتب واشتداد البرد.. ارتفاع الأسعار ما عادت تخفى على أحد والتبريرات حاضرة دائماً والحلول غائبة.. حماية المستهلك بالكاد تحمي نفسها والمسؤول هو الأزمة كما يقول الجميع، الأسواق تستقبل الشتاء بأسعار تلهب جيوب المواطنين وتؤرق أحلامهم بالدفء.. كل ذلك وسط توقعات تحذر من أن الشتاء القادم هو الأشد برودة منذ ثلاثين عاماً مضت، فما الذي ينتظر السوريون هذا العام وبينهم الفقير والنازح والمشرد، وأين الجهات المعنية من أسعار اللباس الشتوي بمختلف أنواعه؟.


الأسعار.. نار لا تدفئ؟
أسلوب اعتاد السوريون على استخدامه كتوصيف مختصر ومفيد لحال الأسعار، وتكفيك جولة واحدة في أي سوق لتلاحظ أن البضاعة موجودة والمتسوقين موجودون لكن القدرة الشرائية عنصر غائب في معادلة الأسواق السورية، فموجة الغلاء التي أكلت الأخضر واليابس تعد المواطنين بشتاء أشد برودة وظروفاً أشد وطأة مما سبق. "
"الاشتراكي" سألت المواطنين آراءهم بحال الأسواق، وجاءت جميع الإجابات في منحى واحد، فمثلاً وفاء الموظفة في إحدى الجهات الحكومية تقول: في كل مرة أذهب فيها إلى السوق أكتشف أن الأسعار قد ازدادت عن المرة السابقة ورغم أن عائلتي صغيرة وليس لدي سوى طفلين فإن شراء الملابس بات هماً كبيراً بالنسبة إلي ولاسيما المعاطف الشتوية التي لا غنى عنها ولا سبيل لدفع ثمنها، كلام تؤكد عليه إسراء إذ تقول: هل يعقل أن علي أن أدفع 15000ليرة ثمناً لمعطف جوخ في حين أن راتبي نفسه لا يتعدى 20000ليرة، وحتى في محال البالة يستحيل أن تجد معطفاً بسعر أقل من5000 ليرة، وبدوره يؤكد أبو خلدون أن الشتاء هو مأساة حقيقية تواجه ذوي الدخل المحدود، ويقدم عائلته كنموذج لأي عائلة سورية: لدي ستة أطفال جميعهم في سن المدرسة، وسيارة الأجرة التي أعمل عليها هي مصدر دخلي الوحيد، لذلك يشكل الشتاء بما يفرضه علينا من نفقات اللباس والتدفئة والمدارس معاناة كبيرة بالنسبة إلي.


أين جمعية حماية المستهلك؟
سؤال يدور في أذهان الكثيرين، "فحماية المستهلك" اسم كبير ينبغي أن تترتب عليه مسؤوليات وواجبات أكبر، تساؤل نقلته "الاشتراكي " إلى جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها، ليأتي الجواب على لسان أمين سر الجمعية د.جمال السطل الذي أوضح أن الجمعية - مع الأسف - ليست لديها أي سلطة تنفيذية فهي لا تستطيع أن تحدد الأسعار أو تنظم أي ضبط تمويني، لافتاً إلى أن مهمتها تقتصر على توعية وتثقيف المستهلكين وتلقي الشكاوى عن جميع السلع والخدمات وإيصالها إلى الجهات المعنية، فالجمعية ليست سوى وسيط بين المواطن والجهات المختصة.
وعن ارتفاع أسعار الألبسة الشتوية أكد السطل أن السبب يعود في جزء منه إلى استيراد الألبسة ما يتسبب في ارتفاع تكاليفها إلى جانب الأرباح الفاحشة التي يحققها باعة المفرق على حساب المواطنين.


أسباب أخرى.. أبرزها الحصار
أسباب أخرى لارتفاع الأسعار يسوقها المعنيون بصناعة الألبسة الذين هم على صلة مباشرة مع خطوط الإنتاج، فالسبب الرئيسي لارتفاع أسعار اللباس الشتوي من وجهة نظر نضال الزعبي رئيس صالة القص في الشركة السورية للألبسة الجاهزة "وسيم"، هو الأزمة والحصار الخانق على سورية والذي تسبب في صعوبة استيراد المواد الأولية، وأوضح الزعبي أن هناك غلاء فاحشاً في سعر المادة الأولية المستوردة إلى جانب غلاء المادة الأولية المنتجة محلياً أيضاً وفي مقدمتها القطن، إذ تقع معظم مناطق زراعته في أماكن تتواجد فيها التنظيمات الإرهابية المسلحة، إضافةً إلى خروج بعض الشركات الضخمة التابعة للقطاع العام من الخدمة مثل شركة الصناعات الحديثة والتي كانت رائدة على مستوى القطر في صناعة الأقمشة.


ونقص القطع التبديلية..
بدوره لفت ماهر الزعبي رئيس ورشة الميكانيك في شركة "وسيم" للألبسة الجاهزة إلى أن الحصار الاقتصادي حرم الشركة كثيراً من القطع التبديلية الضرورية لاستمرار العملية الإنتاجية: "لدينا الكثير من الآلات الألمانية واليابانية التي تحتاج إلى قطع تبديل، ونظراً لعدم توافرها أصبحنا نعتمد على القطع الصينية التي لا تتناسب دائماً مع قياسات آلاتنا، وبذلك تخرج بعض الآلات الضخمة من الإنتاج بسبب فقدان بعض القطع الفنية الصغيرة".
ظروف صعبة يواجهها عمال الألبسة
وأكد رئيس ورشة الميكانيك في الشركة السورية للألبسة الجاهزة على أن أغلب شركات الغزل والنسيج والخياطة تقع في المناطق الساخنة ما أدى إلى توقف كثير منها لفترات طويلة إلى جانب مشكلة صعوبة وصول العمال إليها، فالشركة السورية تقع في المليحة وبالتالي لا يمكن للعامل الذهاب والعودة للعمل إلا باستخدام باصات الشركة في ظل انعدام أي وسيلة نقل أخرى متاحة، ما يتسبب أحياناً في تغيب العمال. وأضاف الزعبي: عانت الشركة أيضاً من مشكلة نقص الأيدي العاملة الخبيرة وخسارة كوادرها بفعل قيام كثير من العمال بتقديم طلبات لنقلهم إلى مناطق آمنة ولجوء العديد منهم أيضاً إلى التقاعد المبكر.
كما لفت الزعبي إلى أن عمال الشركة عانوا الأمرين بفعل الأوضاع الخطرة في المليحة فمنهم من استشهد ومنهم من تعرض لإصابات وإعاقات دائمة، داعياً إلى إعطاء هؤلاء العمال مزيداً من الحقوق التي حرموا منها وأبرزها عطلة يوم السبت التي لم تشملهم بسبب ثغرة في القانون إلى جانب الوجبة الغذائية الداعمة التي لا تحصل عليها سوى قلة قليلة من العمال.
رغم الظروف الصعبة التي تواجهها الشركة فإنها ما تزال تسير قدماً، فمع أن نسبة تنفيذ الخطة الإنتاجية في السنة الماضية بلغت نحو34% فقط، لأن الشركة تعرضت لكثير من التوقفات والغيابات، إلا أن العام الحالي شهد ارتفاعاً في نسب التنفيذ بلغ نحو 47% من الخطط الموضوعة وذلك حتى نهاية الشهر العاشر مع احتمال أن تزيد هذه النسب لتصل إلى 55% أو 60% في نهاية العام، وهذا يعتبر إنجازاً في ظل الظروف التي فرضتها الأزمة. ويؤكد رئيس صالة القص على أن نقل الشركة إلى منطقة آمنة يتطلب أعباء كثيرة لا يمكن تخيلها، بسبب ضخامة آلات الشركة وملاكها الذي يتجاوز 900 عامل ،" لذلك فنحن نعول على الجيش العربي السوري ودوره في إعادة الأمن إلى ربوع الوطن".
يذكر أن الشركة السورية للألبسة الجاهزة تنتج كل أشكال اللباس الخارجي كالطقم الرجالي، بناطيل الجينز والقماش، المعاطف الرجالية والنسائية، الألبسة الرياضية ، الألبسة الولادية، القمصان النسائية، معاطف الجوخ والمعاطف المطرية، بالاعتماد على مواد أولية مختلفة كالقطن والبوليستر والفيسكوز والبوليأميد والصوف، ويؤكد الزعبي على أن أسعار الشركة منافسة ففي حين يباع الطقم الرجالي على سبيل المثال في السوق بسعر لا يقل عن 15000 ليرة، فإنه لا يتجاوز 7000 ليرة لدى الشركة.


كيف يتم ضبط أسعار الألبسة؟
بالعودة إلى أسعار الألبسة الشتوية والآليات المتبعة حالياً للحد من أسعارها، أكد أمين سر جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها أن ذلك يتم عن طريق جهاز حماية المستهلك التابع لمديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حيث يتولى هذا الجهاز سحب عينات من الألبسة يومياً لتدرس تكاليفها، فإذا كان السعر المحدد من قبل البائع أعلى من التكلفة وهامش الربح يكتب ضبط تمويني بحقه ويغرم بمبلغ 25000 ليرة سورية، ويستدرك السطل أن تطبيق هذه الإجراءات من قبل جهاز حماية المستهلك ليس بالأمر السهل وخاصة في ظل هذه الأوضاع التي كثر فيها تجار الأزمات الذين لا يكترثون بالمواطن الفقير وإنما يسعون إلى تحقيق أكبر قدر من الأرباح.
ويسوق السطل مثالاً عن شكوى وصلت إلى الجمعية من سيدة اشترت ثوباً بـ 14000 ليرة سورية واكتشفت لاحقاً أنه يباع بسعر 4000 ليرة في مكان آخر.. ما دفعها إلى تقديم شكوى على المحل، حيث تولى جهاز حماية المستهلك تنظيم ضبط تمويني بحقه وأعيدت للسيدة أموالها.


أين تكمن الحلول؟
ويرى السطل أن الحل يتمثل في جانبين أولهما تفعيل دور جمعيات حماية المستهلك، فهي تحتاج إلى دعم مادي ومعنوي لأن الحكومة توقفت عن دعمها، وبدون هذا الدعم الحكومي لا يمكن لها القيام بعملها الذي يتطلب تقديم إرشادات للمستهلكين وطباعة مجلات وتجهيز أفلام بغرض توعية المستهلكين..إلخ. أما الجانب الثاني والأهم فيتمثل بتطوير مؤسسات التدخل الإيجابي مثل المؤسسة العامة الاستهلاكية والخزن والتسويق وسندس، إذ يجب توسيع هذه المؤسسات وزيادتها وتأمين استيراد مباشر لمختلف المنتجات بما فيها الألبسة ما يتيح بيعها بأسعار معتدلة تناسب المواطنين وتكون منافساً قوياً وشريفاً في السوق.
 

جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك