لا يمكن أن نختصر الواقع الذي يعانيه قطاع الصناعة بإحصائيات رسمية أو أرقام تقديرية فما يعانيه القطاع الصناعي خلال الأزمة خطر للغاية ولم يعد خافيا على أحد أن الحرب على سورية من بدايتها كانت حرباً اقتصادية قبل أن تكون حرباً عسكرية في محاولة فاشلة لإخضاع شعب سطر التاريخ صموده وبطولاته من خلال ضرب الاقتصاد السوري بخطط ممنهجة استهدفت المعامل والمصانع بهدف إيقاف عجلة الإنتاج في سورية، فمنذ بدء الأحداث كانت الصناعة أحد أهم القطاعات الحيوية التي وجهت لها ضربات متتالية لضرب عصب الدولة الأساسي سواء تدمير المعامل بكل ما تحتويه من تجهيزات ومعدات أو سرقة الآلات والأجهزة وتهريبها إلى تركيا لتعلو استغاثات الصناعيين للمطالبة بإيجاد حل وإنقاذ ما تبقى من مصانع وآليات.
وفي تصريح خاص لـ (الاشتراكي) كشف وزير الصناعة كمال طعمة أن هناك 54 معملا في حالة عمل وهذه المعامل مستمرة بعملها وتقوم بالإنتاج دون أي تقصير رغم وجود بعض الصعوبات الناتجة عن نقص المواد الأولية والفيول وصعوبات التقنين الكهربائي، إضافة إلى وجود /43/ معملا متوقفا كلياً عن العمل وأغلب هذه المعامل دمر بالكامل وجميع الأجهزة والمعدات إما دمرت أو سرقت من قبل المجموعات الإرهابية التي كانت تقوم بتفكيك المعامل وسرقتها إلى تركيا وبيعها خردة.
وأضاف طعمة أن "سرقة الآليات والأجهزة من المعامل والمصانع هو أمر واقع مثل معمل اسمنت الشهباء الذي سرقت معداته بالكامل إلى تركيا وغيرها من المعامل والمصانع وهناك سبعة محالج لا نعلم عنها شيئاً"، موضحاً أن هناك "مناطق تحت سيطرة الإرهابيين والوزارة لا تعلم شيئاً عن وضع الآليات والمعدات فيها ولكن من المرجح أن معظمها قد سرق".
وعن المشاكل التي تواجه بعض الشركات والمعامل خلال الأزمة بين طعمة أن المشاكل في معظم الشركات لا يمكن أن نلقيها على عاتق الأزمة فهناك أسباب موضوعية خارجة عن إرادة الشركة ناتجة عن ترهل في بعض الإدارات، فالمدير الناجح يستطيع أن يجد حلولا ضمن الأزمة والمدير المستكين يستسلم للأزمة.
وأكد طعمة أن الاستراتيجية التي يتم العمل عليها حاليأ هي زيادة الإنتاج من خلال الخطط والبرامج التي تم وضعها من قبل الوزارة، ومعالجة المشاكل والصعوبات التي تعوق عملية الإنتاج، مشدداً على أهمية التكامل في العمل.
طالتها يدُ الإرهاب
وعن واقع المصانع والشركات التي تضررت جراء الأعمال الإرهابية أوضح رئيس الاتحاد المهني للنفط والمواد الكيماوية غسان السوطري أن هناك العديد من الشركات خرجت عن الخدمة في بعض المحافظات، ففي محافظة حلب خرج عن الخدمة معمل زجاج حلب الذي تعرض للدمار بشكل شبه كامل بعد دخول العصابات الإرهابية المسلحة إليه وقيامهم بتخريبه وتدمير الجزء الأكبر من آلياته, وكذلك الأمر في شركة الدباغة بحلب ولكن بفضل جهود الفنيين تم نقل بعض آلاتها إلى دمشق وهي تعمل الآن في دباغة دمشق, أما شركة بلاستيك حلب فكانت أضرارها خفيفة مقارنة بغيرها والعمل جارٍ لإعادة تأهيلها. وفي محافظة دير الزور لا زال معمل ورق دير الزور تحت سيطرة الإرهابيين ولا نعلم حجم الأضرار التي لحقت به لعدم إمكانية الوصول إليه.
ومصانع حمص أيضاً طالتها يد الإرهاب إذ تعرض معمل الأسمدة في بداية الأزمة إلى بعض الأضرار إضافة لخسارة بعض الفنيين والمهندسين فيه بعد أن طالتهم يد الإرهاب, ولكن هذا المعمل عاد للإقلاع وهو يعمل بطاقة إنتاجية متدنية لعدم توافر المواد الأولية اللازمة التي تعتمد على الغاز الطبيعي.
معامل دمشق
أضاف السوطري أن الضرر الذي لحق بمصانع دمشق كان وفق الآتي: فمعمل زجاج دمشق تعرض للتخريب في جزء منه ولكن تمت إعادة تأهيله وأنتج الزجاج المحجر بكميات لا بأس بها ولكن فيما بعد توقف الإنتاج لضعف التسويق, وهناك مشكلة في هذه الشركة تتمثل بعدم إنجاز مشروع الفلوت المعول عليه للنهوض بهذه الشركة.
وعن الشركة الطبية العربية "تاميكو" يقول السوطري: إنها الشركة الوحيدة للقطاع العام في الدولة لإنتاج الأدوية البشرية بمختلف أصنافها, وكانت تتوضع في الغوطة الشرقية ولكن تم الاعتداء عليها وتدميرها بالكامل, وبعد تحرير المنطقة من قبل بواسل الجيش العربي السوري تم نقل بعض الخطوط الإنتاجية لمنطقة آمنة وإعادة تأهيلها بجهود العمال والفنيين العاملين فيها, وباشر قسم من أقسامها بإنتاج بعض أصناف الأدوية وحققت عام 2014 ربحية مقبولة.
أما الشركة الأهلية للمنتجات المطاطية فلها ثلاثة فروع في دمشق الفرع الأول في باب شرقي وهو يعمل بشكل نظامي, أما الفرعان الثاني والثالث فهما في الغوطة الشرقية وجوبر وتم تخريبهما من قبل الإرهابيين, وبعد تحرير مكان تواجد الشركة في الغوطة الشرقية نقلت بعض الآليات المتبقية داخلها إلى الفرع الأول وأعيد تأهيلها وباشرت بالإنتاج منذ بداية عام 2014 وحققت نتائج ربحية جيدة رغم كل المصاعب.
وتابع السوطري قائلاً: يتبع للشركة العامة للأحذية أربعة معامل في المحافظات التالية: درعا لا نعلم عنه شيء, السويداء يعمل بطاقة جيدة, النبك تم الاعتداء عليه من قبل الإرهابيين وسرقت آلياته، وبفضل جهود الجيش والشرفاء أعيدت بعض آلياته, وفي مصياف، المعمل الذي هو العمود الفقري لهذه الشركة لم يصب بأي أذى ومستمر في عمله.
وبين السوطري أنه تم الاعتداء على شركة منظفات سار الكائنة في مدينة عدرا من قبل الإرهابيين وحصل فيها دمار كبير ولا زالت متوقفة عن العمل, ولكن بفضل جهود العمال وإدارة الشركة تم استحداث قسم في شركة زجاج دمشق وأصبحت تنتج بربحية جيدة. ولفت إلى أن عمال شركة دباغة دمشق لا يزالون ملتزمين بعملهم لإنتاج الستر الجلدية رغم تواجدها في ظروف صعبة، تعبيراً عن صمودهم ووقوفهم على جانب الجيش العربي السوري.
50% من شركات الغزل والنسيج متوقفة
من جانبه كشف رئيس الاتحاد المهني لصناعات الغزل والنسيج عمر الحلو أن نسبة التوقف والتدمير والسرقة تشكل 50% من عدد الشركات في قطاع الغزل والنسيج, و50% في محالج الأقطان, وذلك نتيجة أعمال التخريب التي قامت بها التنظيمات الإرهابية المسلحة، فمثلا في دمشق تم تدمير الشركة العامة للصناعات الحديثة بالكامل وفي حلب توقفت الشركة الأهلية للغزل والنسيج والشركة السورية للغزل والنسيج وشركة الشهباء للمغازل والمناسج والألبسة الجاهزة والشركة العربية للملابس الداخلية, متوقفة كلها بسبب سيطرة الإرهابيين عليها إلى جانب شركة سجاد حلب نفس الأمر، وفي دير الزور هناك معمل غزل ذو طاقة عالية خارج سيطرة الدولة, وخسائرنا كبيرة في هذا القطاع ، وفي إدلب تم سرقة شركتي إدلب للغزل والنسيج .
وأضاف الحلو أن عدد عمال قطاع الغزل والنسيج تقريبا 19 ألف عامل منهم تقريبا خمسة آلاف عامل شركاتهم مدمرة، والعمال الذين سيطر المسلحون على أماكن عملهم لهم نقاط تمركز في كل محافظة ورواتبهم مستمرة، مبينا أنه تم إيجاد حلول لهذه الشركات التي دمرها الإرهاب من خلال السعي لطرح أفكار معينة بهذا الخصوص عن طريق إيجاد تجمع صناعي لقطاع الغزل والنسيج والأقطان في كل محافظة ونقل شركات القطاع العام الموجودة في المحافظات لهذا التجمع, فهذه الأزمة فرضت علينا تطوير قدراتنا.
17% نسبة الإنتاج
وفيما يخص الإنتاج في الفترة الحالية قال الحلو: نتيجة عدم توافر مادة القطن والمواد الأولية اللازمة وانقطاع التيار الكهربائي وصلت نسبة تنفيذ الإنتاج لـ 17% بعد أن كانت بين 80 – 90%, الأمر الذي انعكس سلبا على تكاليف المنتج المصنع, وخاصة الكهرباء التي تشكل تكاليفها وحدها بين 30 -40% من عناصر التكلفة.
وأضاف أنه يتم سد حاجات السوق عن طريق مادة القطن والشركات المتوفرة حاليا تعمل ضمن الإمكانات المتاحة, وهنا نأمل من الحكومة إيجاد البدائل في زراعة القطن وألا نعتمد بالدرجة الأولى على المنطقة الشرقية, فهناك مناطق مثل حمص وحماة وسهل الغاب من الممكن توجيه الفلاحين لزراعة القطن فيها, فنحن بحاجة إلى خطط إسعافية حتى يتمكن العامل من متابعة عمله.
كلمة أخيرة
مهما بلغ حجم الخسائر والضرر في قطاعنا الصناعي يبقى عمالنا وجيشنا هما الرهان الرابح خلال الأزمة لإعادة بث الروح في إنتاجنا وصناعتنا.