في الوقت الذي كثر فيه الحديث عن المرحلة القادمة من إعادة إعمار سورية وما تحتاجه هذه المرحلة من خطط ودراسات ومستلزمات إنتاج، سواء مواد أولية أو مشتقات نفطية وكهرباء وآلات لإعادة إعمار ما دمر من منشآت صناعية وغيرها وتأهيلها، والإقلاع بإنتاجها من جديد، تم التناسي بأن الجزء الأساسي من مستلزمات الإنتاج والمرحلة القادمة، هو الكادر الفني والإنتاجي الذي خسرته الكثير من المعامل خلال سنوات الأزمة في سورية لأسباب مختلفة.
تعددت الأسباب والخاسر هو العامل
سامر عوض يعمل في أحد المعامل بريف دمشق يقول: كنا 50 عاملاً ومع بدء الأزمة أصبحنا مضطرين للتغيب عن العمل بسبب الظروف و بدأت الطرقات تغلق ولم نكن نستطيع الوصول إلى مكان عملنا، وطبعا حجة إدارة المعمل لفصل العامل المتغيب جاهزة "نحن لا نعلم السبب الحقيقي لتغيب العامل"، ونحن كعمال لا نستطيع أن نفعل شيئاً فقانون العمل يسمح لرب العمل بفصلنا، مؤكداً أنه لم يبق من هؤلاء الـ 50 سوى من نقل سكنه إلى مكان قريب من عمله.
بين التهجير والتسريح
أثرت الأزمة في سورية منذ أكثر من أربع سنوات ونصف بشكل كبير على القوى المنتجة وأدت إلى تدمير الكثير من المنشآت التي يعمل بها آلاف العمال الذين تزايدت معاناتهم خلال الأزمة وأدت إلى تهجير ونزوح العديد من العمال الذين يمتلكون خبرات ممتازة تعتمد عليها الصناعة السورية وما تبقى من هؤلاء العمال ليسوا أفضل حالاً فهم يتجرعون السم مرتين مرة من الظروف الاقتصادية الصعبة التي لا ترحم أحدا إذ إن الأجر الذي يتقاضاه العامل لا يغطي جزءاً من تكاليف معيشته وأسعار للمواصلات في ظل الارتفاع غير المعقول للأسعار والمرة الثانية من التهديد بشكل يومي من الفصل والتسريح.
في هذا الإطار كشفت مديرة العمل في وزارة العمل رزان العمري لـ "جريدة كفاح العمال الاشتراكي" أن الوزارة ليس لديها إحصائية بعدد العمال المسرحين من عملهم إذ يتعذر حصر عدد العمال المسرحين من عملهم نتيجة الأوضاع الراهنة لا سيما في العديد من المحافظات.
وبينت العمري أن العدد المتوفر لدى الوزارة هو عدد العمال الذين سجلوا استقالاتهم لدى مديريات العمل في المحافظات خلال السنوات الأربع الماضية والذي بلغ /85857/ عاملاً ، منهم 26 ألف عامل في محافظة دمشق و24 ألف عامل في ريف دمشق وفي حلب نحو 15ألف عامل.
سنوات خدمة طويلة.......وخبرات مهدورة
سناء عاملة في إحدى مؤسسات الدولة منذ أكثر من ثماني سنوات بعقود موسمية تقول: طالبنا بتثبيتنا عشرات المرات ولكن لا يوجد مجيب، فأنا بين خيارين أحلاهما مر إما القبول بذلك أو خسارة العمل فلم يكن أمامي سوى قبول الأمر.
معاناة ماهر كمعاناة سناء وغيرها كثر فهو يعمل في شركة محروقات بعقود موسمية منذ نحو عشر سنوات، يقول: لست وحدي في هذا المصير هناك 135 عاملاً غيري يواجهون ذات المصير، طالبنا بالتثبيت كضمان لحقوقنا وللأسف دون جدوى والأعذار دائماً موجودة عند أصحاب القرار.
تثبيت عمال العقود الموسمية ضرورة، خاصة للأعمال ذات الصفة الدائمة لحماية الإنتاج وضمان استمراره ومنعاً لتسرب اليد العاملة وفقدانها نتيجة عدم وجود ضمان لمستقبل العامل فهؤلاء العمال قد أمنوا بخبراتهم استمرارية عمل العديد من المؤسسات الهامة لتستمر مؤسساتهم بخدمة المواطن وفقدانهم سيشكل تهديدا للإنتاج الوطني وصعوبات باستجلاب عمال جدد وتعليمهم بعد خسارة للعمال الأكفياء فمن الضروري تثبيتهم لتأمين الاستقرار النفسي لهم بما ينعكس على الإنتاج بشكل إيجابي، وللوصول بالعامل لحقوقه كاملة من تأمينات وطبابة وألبسة وتعويض معيشة، ولكن على ما يبدو أن التركيز الدائم على العقود الموسمية في أكثر من مكان ومنشأة للقطاع العام هي فقط لحرمان العامل من ميزات العمل كاملة.
عمال القطاع الخاص ليسوا أفضل حالاً
بمشهد مكرر لكن هذه المرة أبطاله عمال القطاع الخاص الذين شردوا وهجروا ولم يجدوا من يخفف عنهم وطأة الأحداث ففي البداية تخفيض أجور العمال ومن ثم تخفيض ساعات العمل ومن ثم التسريح دون تعويض أو الحصول على أي مستحقات من أصحاب العمل الذين استغلوا تفاقم مشكلة البطالة لشراء قوة العمل بشكل رخيص يؤمن لهم أعلى مستوى ربح.
وهنا تجدر الإشارة إلى وجود تقارير شبه رسمية تحدثت عن انخفاض حجم قوة العمل في سورية خلال الفترة الممتدة من عام 2011 إلى عام 2014 بنحو 16.4%.
محمد كان يعمل في ورشة تصليح سيارات يقول: مع بداية الأزمة أصبح صاحب العمل يخفض أجورنا وفيما بعد فصلنا من العمل، بحجة أنه خاسر ولا يستطيع دفع أجورنا، وأنا اليوم ليس لدي عمل انتظر بالأيام أن يأتي أحد من معارفي أو أصدقائي لأصلح لهم سيارتهم.
أنور عامل في شركة خاصة تحدث عن معاناته بقرار الشركة "دفع الرواتب على مبدأ نصف بنصف " ويقول: بعد أن قررت الشركة ذلك كان الخيار الوحيد أمامي هو التفكير بالهجرة، ففي ظل الأوضاع الراهنة من الصعب الاستمرار بالحياة على نصف راتب والأصعب إيجاد عمل آخر.
من وجهة نظر قانونية
وعن الأسباب التي تؤدي لتسريح العامل من العمل وحرمانه من حقوقه أشارت العمري إلى أن المادة /64/ من قانون العمل رقم 17 تضمنت مجموعة الحالات التي يجوز لصاحب العمل فيها إنهاء عقد العمل سواء كان محدد المدة أو غير محدد المدة لإنجاز عمل معين دون إخطار أو مكافأة أو تعويض وهي في الحالات التالية:
إذا انتحل العامل شخصية غير صحيحة أو قدم شهادات أو توصيات مزورة تثبت تزويرها بحكم قضائي مبرم ، كذلك إذا ارتكب العامل خطأ نشأت عنه خسارة مادية جسيمة لصاحب العمل، شريطة أن يبلغ صاحب العمل الجهات المختصة بالحادث خلال 48 ساعة من وقت عمله بوقوعه، وإذا لم يراع العامل التعليمات اللازم اتباعها لسلامة العمال والمنشأة رغم إنذاره كتابة مرتين، شريطة أن تكون هذه التعليمات مكتوبة ومعلنة في مكان ظاهر، إضافة إلى تغيب العامل دون سبب مشروع أكثر من عشرين يوماً منفصلة خلال السنة التعاقدية الواحدة أو أكثر من عشرة أيام متصلة، على أن يسبق الفصل توجيه إنذار كتابي من صاحب العمل للعامل بعد غيابه عشرة أيام في الحالة الأولى وانقطاعه خمسة أيام في الحالة الثانية وفق الأحكام المرعية في قانون أصول المحاكمات.
وتابعت العمري بأن صاحب العمل يستطيع فصل العامل إذا أفشى الأسرار الخاصة بالمنشأة التي يعمل بها، أيضاً إذا حكم على العامل أثناء ساعات العمل في حالة سكر بين أو متأثر بما تعاطاه من مادة مخدرة، مضيفة هناك حالات يقوم فيها العامل بالاعتداء على صاحب العمل أو المدير المسؤول، أو اعتداء جسيم على أحد رؤساء العمل أثناء العمل أو بسببه هنا أيضاً يحق لصاحب العمل فصل العامل، كذلك إذا حكم بحكم قضائي مبرم بعقوبات جنائية، أو جنحة مخلة بالأخلاق و بالآداب العامة.
وفي سياق متصل أوضحت العمري أن عبء اثبات ارتكاب العامل إحدى هذه الحالات المذكورة أعلاه يقع على عاتق صاحب العمل بالطرق المقبولة قانوناً و يعتبر إنهاء العقد في هذه الحالات مبرراً، أما إذا لم يثبت صاحب العمل ذلك فإن إنهاءه لعقد العمل يعد بمثابة التسريح غير المبرر وفي هذه الحالة يستحق العامل تعويضاً مقداره أجر شهرين عن كل سنة خدمة على أن لا يزيد مجموعة هذا التعويض عن 150 مثل الحد الأدنى العام للأجور ويستحق تعويضاً عن كسور السنة بنسبة ما قضاه منها في العمل ويحسب هذا التعويض على أساس الأجر الشهري الأخير الذي تقاضاه العامل، ولا يخل ذلك بحق العامل في باقي استحقاقه المقررة قانوناً أو اتفاقاً.
ع المكشوف
واجه العامل السوري معركة إثبات وجود في ظروف الأزمة التي عصفت بالبلاد ومع مطلع كل يوم يزداد فيه الواقع المأساوي للعامل والوضع المعيشي يشهد تراجعاً عن اليوم الذي قبله، واقع أصبح ملموساً ومرئياً ولا يحتاج لتمحيص أو تدقيق للتدليل عليه كل ذلك دون أن يحرك هذا الواقع أصحاب الشأن من أجل التخفيف عن كاهل العامل بإجراءات حقيقية تمكنه من تأمين الاحتياجات الضرورية لمعيشته.
واقع العمال أصبح يحتاج حلولاً إسعافية فعلية فهؤلاء العمال مواطنون سوريون وثروة من الواجب المحافظة عليها، فمع صمود العمال وتصديهم للمجموعات الإرهابية باستمرارهم بالذهاب لعملهم والدفاع والحفاظ على المؤسسات لا بد من تأمين حقوق هذا العامل والوقوف على أهم المشاكل التي تواجهه وإيجاد حلول لها في سبيل تأمين حياة كريمة له ولأسرته، فالحلول المؤقتة والسطحية للمشكلة لا تحل أصل المشكلة ولا تنفي وجود مشكلة فعلية وتحتاج حلولاً واقعية.
جريدة كفاح العمال الاشتراكي