يتعرض التأمين الصحي في سورية لكثير من الانتقادات التي طالت حيناً شركات التأمين وحيناً آخر الشبكة الصحية المتعاقدة معها والمتمثلة بالأطباء والمخابر والصيدليات، وردّ كثيرون هذه المطبات التي يتعرض لها قطاع التأمين السوري إلى حداثة عهده وغياب الثقافة التأمينية في المجتمع السوري، في حين أكد آخرون أن السبب يعود إلى قصور عقود التأمين الموقعة وعدم تغطيتها لحاجات العامل الصحية، إلى جانب الإخلال ببنود هذه العقود من قبل بعض الأطراف وسعيها إلى تحقيق الربح على حساب المواطن.
والتأمين الصحي هو علاقة إنسانية قبل كل شيء بين الرئيس ومرؤوسيه بين رب العمل وأصحابه الذين هم حجر الأساس في كل الحقول الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. النقد على مر العصور هو نقد بناء وهناك من يفهم النقد انتقاص من قيمة الشيء .....
لكن في الحقيقة النقد أو الجدل هو جوهر الشيء.... فالنقد هو الحالة الطبيعية التي يجب أن تقوم عليها الظاهرة المدروسة في حالتها غير الطبيعية... لذلك من الأهمية بمكان التذكير بأن التأمين الصحي للمؤسسات الحكومية السورية ما زال يقدم خدمات صحية لمواطنيه وهو القطاع الأكثر عملاً خلال خمس سنوات مضت من عمر الأزمة وأثبت فاعليته في هذه المرحلة، ولا تزال سورية من أوائل الدول التي تدعم هذا القطاع الصحي وتقدم خدمات طبية مجانية.. كالمعاينة وبعض الفحوص المخبرية والتصوير الإشعاعي وتقديم خدمات علاجية مجاناً... والكوادر الطبية السورية العاملة 24ساعة ترفع لهم القبعات لجهودهم الإنسانية و لواجباتهم الوطنية التي لا تقدر بثمن...... ولكن نقاطاً مفصلية لم يركز عليها ليس فقط أصحاب القرارات بل أيضاً القائمون على تطبيقه من لجان المشتريات واللجان التي تنصب نفسها بالاشتراك والتنسيق لتلف معدات صحية على أنها منتهية الصلاحية من أجل الحصول على أموال غير مشروعة واختلاسها متلاعبين بسلامة المواطنين من خلال تعميق الجراح ورش الملح عليها ..... وهناك بعض ملفات فساد ..والموظف الذي يدفع ضمانات صحية وتقتطع من راتبه شهرياً عندما يحتاج دواء من صيدلية متعاقدة مع التأمينات إن وجدت لا يجد إلا جزءاً من أنواع الأدوية يشملها الضمان والباقي لا يشمله... وعندما يقوم موظف مؤمن صحياً من قبل المؤسسة التي يعمل بها ويدفع الرسوم التي تقتطع من معاشه الذي ينازع من أجله بإجراء عمل جراحي إذا زادت فاتورته عن حد معين تخرج الفاتورة خارج نطاق غرفة عمليات الضمان والتأمين الذي لم يأمن منه وتدخل أسرة المريض غرفة الإنعاش لتنعشه.
مشكلات وصعوبات
البداية كانت من هيئة الإشراف على التأمين التي أكدت لنا أن قطاع التأمين الصحي في سورية تأثر بشكل كبير نتيجة الأزمة الراهنة التي تمر بها البلاد إذ يختلف هذا التأثير حسب تغير الواقع الأمني لكل منطقة الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على الخدمات المقدمة من مقدمي الخدمة من أطباء ومشاف ومخابر، إذ خرج عدد كبير من المشافي من الخدمة في كثير من المناطق، الأمر الذي أدى إلى ضعف في بنية الخدمة المؤداة وتالياً خلق حالة من عدم الرضى من المؤمن.
ونوهت الهيئة بأن المشكلات التي عانى منها مقدم الخدمة من ضعف في شبكة الاتصالات وانعدامها كلياً في بعض المناطق أدى إلى تأخير الموافقات على حالات العلاج ونخص بالذكر الحالات التي تحتاج موافقة شركة الإدارة كعمليات الشبكات القلبية والعمليات الجراحية بشكل عام.
بسبب الحصار ..
فقدان عدد من لوازم العمليات الخاصة من الأسواق، بحسب هيئة الإشراف على التأمين بسبب حالة الحصار وتوقف بعض معامل الأدوية عن العمل، أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ وتحاول شركات الإدارة التأقلم مع هذا الواقع واعتماد آليات بسيطة لتسهيل إجراءات العلاج والتداوي بتسهيل حالات القبول واللجوء للبدائل واعتماد شركات الإدارة على الاتصالات الأرضية في بعض المناطق لتسهيل حالات القبول وإدخال البيانات والتسديد لمقدم الخدمة من دون استخدام الإنترنت.
إضافة لضعف الثقافة التأمينية للتعامل مع التأمين الصحي لدى مزودي الخدمات الطبية من أطباء ومشافٍ وصيادلة وغيرهم، إضافة إلى ضعف الوعي التأميني لدى غالبية الجمهور، وخاصة في القطاع العام. فعملية التأمين لم تمثل بالنسبة للغالبية إلا عملية اقتطاع دوري من الرواتب مقابل خدمات غير مفهومة بالنسبة لهم، الأمر الذي يتطلب سياسة حكومية واضحة لنشر الوعي التأميني لدى الأفراد، ونشر معلومات عن التأمين عبر وسائل الإعلام، من خلال ندوات ونشرات وإعلانات وغيره.
الرفض ..
كما أن رفض الكثير من مزودي الخدمات الطبية التعامل بالبطاقة التأمينية لعدم حصولهم على مستحقاتهم، أو نتيجة التأخير الكبير فيها، وخاصة في هذه الظروف الاقتصادية، إضافة للاحتيال الكبير في موضوع التأمين الذي يقوم به مقدمو الخدمات الطبية والمراجعون، الأمر الذي نواجهه ونستطيع من خلال إتاحة التأمين لجميع المواطنين من تخفيف نسبة كبيرة من المشاكل التي يعانيها التأمين الصحي. فبدلاً من السعي للرقابة والنظام فلنعمل على إتاحة التأمين للجميع.
إحصاءات ..
من جهة ثانية أشارت المؤسسة العامة السورية للتأمين إلى أن عدد المشتركين في التأمين الصحي للقطاع الإداري، بحدود 500 ألف موظف إداري عدا عن القطاع الاقتصادي والخاص، وبلغ حجم التأمين الصحي للمؤسسة أكثر من 85 % من سوق التأمين الصحي السوري وعلى الرغم من الأوضاع السائدة في بعض المحافظات إلا أن المؤسسة السورية للتأمين قامت بفتح العلاج لحاملي بطاقة التأمين الصحي خارج المحافظة التي يعملون فيها مع العلم بأن حجم التعويضات المسددة لعام 2012 تجاوز 2.9 مليار ليرة سورية يقابله 2.1 مليار ليرة سورية في عام 2011 أي بزيادة وقدرها أكثر من 800 مليون ليرة.
وبينت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن المشرع خولها حق تطبيق أحكام قانون التأمينات الاجتماعية على كل أصحاب العمل والعمال في سورية بما يكفل تحقيق الأمن والأمان ويعود بالفائدة والطمأنينة على أصحاب العمل والعمال المؤمن عليهم وأفراد أسرهم في الحاضر والمستقبل وعن التسريح الصحي
مشكلات ...
وبحسب المديرية فإن بعض العاملين يقومون بإجراءات التسريح الصحي دون معرفة حقيقة الأمر ولا إجراءات التسريح وما لهم وما على التأمينات.
القطاع الخاص ...
أما بالنسبة للقطاع الخاص فلا يعرض على لجان التسريح حسب قانون العمل بل يقوم صاحب العمل بتسريحه ويرسله إلى التأمينات الاجتماعية فوراً تقوم اللجان بدراسة وضعه وحسب نسبة العجز تقوم بإجراءاتها، وقد يحدث أحياناً اعتراض العامل على تسريحه فيكون النزاع ليقوم كل من الطرفين بتوثيق معطياته واللجنة تحدد بلاغ الإصابة ضروري .
(الهريبة ثلثين المرجلة)
وعندما اتجهنا إلى وزارة العمل وبعد الترحيب بحسب تصرفاتهم قمنا بتقديم طلب لمعرفة دور الوزارة في الموضوع وعدد العمال المؤمن عليهم صحياً وللحديث بشكل أوسع على هؤلاء العمال ..
تم وعدنا بالإجابة خلال يومين وبعد العديد من الاتصالات على أرقام الوزارة والموبايلات مع عدة أشخاص تم تجاهل الموضوع بشكل تام ولم يرد على الهاتف أحد بحكم إن (الهريبة ثلثين المراجل).
المالية .. خلل في عمل المشروع
من جهة ثانية أكد الدكتور إسماعيل إسماعيل وزير المالية أن الدولة لا تهدف على الإطلاق إلى تحقيق ربح من تقديم خدمة التأمين الصحي لكنها تحاول ألا تكون شركتها التي تتصدى حالياً لهذا المشروع والممثلة حالياً بالسورية العامة للتأمين خاسرة ،مشيراً إلى أن هناك خللا في عمل مشروع التأمين الصحي ،يتركز بأمور ادارية يمكن تجاوزها من خلال تعاون جميع المعنيين ،مبيناً أنه لا مانع لدى وزارة المالية و المؤسسة السورية للتامين من إنشاء شركات حكومية لتقديم خدمات التأمين الصحي.
الصحة ... الدولة لا تريد الربح
أما وزير الصحة الدكتور سعد النايف فقد أشار إلى أن الحل يكون بتعديل بنود عدة من أجل تحقيق مشروع متكامل يرضى عنه الجميع منها التعاقد مع الهيئات العامة للمشافي العائدة لوزارة الصحة و التعليم العالي و إدارة الخدمات الطبية، نظام جديد للمراقبة و المحاسبة المالية ، التشاور بموضوع نسب الحسم و العمولات المقدمة من مقدمي الخدمات ،تحقيق مقولة إن الدولة لا تريد الربح من مشروع التامين الصحي أو أن يكون الربح مقبولاً.
أما للشركات الخاصة بإدارة نفقات التامين فكان لها رأي واضح حول الموضوع بدءاً من قصور عقود التأمين الموقعة وعدم تغطيتها لحاجات العامل الصحية، إلى جانب الإخلال ببنود هذه العقود من قبل بعض الأطراف وسعيها إلى تحقيق الربح على حساب المواطن المغلوب على أمره.
آلية العمل
علي الجاسر مشرف قسم الشبكة الطبية في شركة كير كارد أكد أن مهمة الشركة هي إدارة عقد التأمين الصحي المتفق عليه مع شركات التأمين داخل سورية سواء أكانت تتبع للقطاع الخاص أو مع المؤسسة العامة السورية للتأمين، وقد وقعت الشركة في بادئ الأمر عقداً مع القطاع الإداري للعاملين في الدولة وذلك في نيسان عام 2010 ، ثم تتالت العقود مع وزارة المالية ثم مالية دمشق وريف دمشق ومن ثم التربية في حمص وحماة، وإدارة قضايا الدولة ووكالة سانا ومؤسسة تأمين المعاشات والبحوث الزراعية. ويوضح الجاسر أن الشركة تغطي محافظات القطر كما تمتلك شبكة طبية منتشرة داخل سورية إلى جانب شبكة في الأردن ولبنان.
القطاع الخاص
أما بالنسبة للقطاع الخاص فيتم تأمين الشخص حتى عمر 75 سنة في بعض الشركات، في حين تقف أخرى عند سن الستين كحد أعلى لأنها تعتبر البوليصة خاسرة بكل الأحوال، فمع التقدم في العمر تزداد الحاجة إلى العلاج وتظهر الأمراض المزمنة التي تتطلب الكثير من الأدوية، وبذلك فإن التأمين الصحي للمتقاعدين هو مشروع ما يزال قيد الدراسة لأن نسبة الخسارة فيه عالية (وفق الجاسر).
تتابع الإجراءات
وعن آلية تقديم الخدمات الصحية يؤكد الجاسر على ضرورة تسلسل العمل وعدم تجاوز أية خطوة، "نحن حريصون على أن تتابع الإجراءات التشخيصية للمريض، بحيث تبدأ الرعاية الصحية من الألف وتنتهي بالياء، إذ يجب ألا يتم تجاوز أية خطوة حتى لو كان الدواء المطلوب بقيمة ألف ليرة والتحليل السابق له بقيمة عدة آلاف، وكذلك لا ينبغي أن تعطى موافقة للتصوير الطبقي المحوري إلا على أساس صورة بسيطة توضح الحاجة إليه".
ولعل هذه الآلية تثير لغط الكثير من المستفيدين من التأمين الصحي، إذ يرون فيها إرباكاً هم في غنى عنه،وتعقيداً للخدمة الصحية من شأنه أن يرهق المريض ويطيل فترة انتظاره للعلاج.
سيل من الانتقادات
تتعلق غالبية الانتقادات الموجهة إلى شركات إدارة نفقات التأمين بعدم فهم المنتفع للشروط المحددة بالبوليصة كما يوضح الجاسر، فالمريض في كثير من الأحيان لا يفقه شيئاً عن بطاقات التأمين على حد تعبيره،"نعطي قرص سي دي للمريض مع البطاقة يوضح له الأطراف المتعاقدة مع الشركة لكن المريض لا يطلع عليها،فتصلنا أحياناً شكاوى عن أطباء ليسوا متعاقدين أساساً مع شركة التأمين، كما يظن المؤمن في بعض الأحيان أن من حقه الحصول على الأولوية عند الطبيب باعتباره يحمل بطاقة صحية،ومن هنا يتذمر من أن الطبيب تركه ينتظر لفترة طويلة،وبالطبع نحن لا نستطيع التدخل بسياسة العيادة ومواعيد الطبيب".
أما من وجهة نظر المستفيدين من التأمين الصحي فإنهم ينتقدون بالدرجة الأولى عدم تغطية البوليصة لكثير من المشكلات الصحية، فنفقات معالجة الأسنان مثلاً غير مغطاة رغم أنها ترهق كاهل المريض ولا يكاد ينجو منها أي مواطن، ويرد الجاسر على ذلك بأن الخدمة الصحية تقدم عند الحاجة فقط، فإذا كان المريض يحتاج إلى عملية قلب فإن التأمين يمكن أن يغطي عملية جراحية قد تصل إلى أكثر من 300 ألف ليرة سورية، وفي المقابل فإن التأمين لا يغطي "ظرف سيتامول" ب50 ليرة إذا لم يكن المريض بحاجة إليه..
حان وقت التعديل ..
أما الاتحاد العام لنقابات العمال فكان له رأي واضح في الموضوع حيث أشار عبد القادر النحاس أمين الشؤون الصحية في اتحاد العمال أن العمال يعانون معاناة كبيرة من شركات التأمين التي لا تقدم الخدمة الأمثل لهم، ورغم مطالبات العمال والاتحاد إلا أن الخدمات التأمينية تزداد سوءاً بل وصل الحال إلى إذلال العامل عند طلب الحصول على حقوقه التأمينية التي غالباً لا يحصل عليها.
أخطاء وثغرات ..
وقال النحاس إن هناك أخطاء وثغرات كبيرة في عمل هذه الشركات إذ أخلت بالعقد الموقع معها وحققت أرباحاً إضافية على حساب العامل دون أن تقدم الخدمة الصحية التي على أساسها تم التعاقد معها وهناك نقد لتصريحات المؤسسة السورية للتأمين التي لفتت إلى وجوب قيام النقابات بنشر الوعي التأميني ومكافحة سوء الاستخدام وفرض إجراءات وضوابط لتنظيم آلية تزويد الخدمة.
همنا العامل ..
ولفت إلى أن الهم الأول والأخير للتنظيم النقابي هو العامل الذي نسعى إلى تقديم أفضل الخدمات الصحية له، لذا نقوم بتطوير منشآتنا الصحية ولو لم نر أن حقوق العامل ناقصة ومجتزأة لما قمنا بتأهيل مستوصفات لتأمين حقوق عمالنا الصحية، وقد انضم الاتحاد إلى حملة "عيشها غير" من خلال تقديم عروض مميزة على الخدمات الصحية المقدمة ومن خطة الاتحاد أنه سيقوم بإحداث شركة تأمين بالتعاون مع الشركة السورية للتأمين وعدد من الجهات المعنية والاتحاد يملك الإمكانيات المطلوبة لإحداث الشركة نظراً لامتلاكه عدداً كبيراً من المراكز الطبية والمستوصفات المجهزة والمنتشرة في المحافظات كافة وهناك أهمية لإحداث شركة تأمين لما لها من فائدة اقتصادية مضمونة للاتحاد وستمكنه من الاستفادة من منشآته الصحية بالشكل الأمثل.
غلطة الشاطر..
ويرى النحاس أنه من الخطأ أن تتبع شركة التأمين الصحي لوزارة المالية ففي دول العالم كافة تتبع للتأمينات الاجتماعية أو وزارة العمل ومؤسسات الضمان الاجتماعي، ويجب أن يكون هناك مجلس يضم ممثلين عن الوزارات المعنية سواء المالية أو الصحية على أن تكون التبعية لجهة ترعى شؤون العمال لتتمكن من الدفاع عن حقوق العمال ومصالحهم، وطالب بإحداث قانون يشمل تأمين العاملين بقطاعات الدولة كافة وليس القطاع الإداري فقط فقانون التأمين الصحي ليس بالطموح المأمول للتنظيم النقابي.
تكاثرت الانتقادات وغابت الصورة الواضحة في ظل إصرار الجهات المعنية على عدم مسؤوليتها عن قصور القطاع التأميني، فإلى متى يبقى التأمين الصحي في سورية عاجزاً تتقاذف مسؤوليته الأطراف المعنية، ونفقاتٍ ينوء بها العامل السوري بغير أن يكون له حق الاستفادة المثلى منه.
*تحقيق: نور ملحم – غزل الماغوط