الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » تحقيقات

الصفحة السابقة »

الهجرات البشرية ومخاطر الاتجار بالأطفال

2015-01-06 19:49:22

الهجرات البشرية ومخاطر الاتجار بالأطفال

رافع مصطفى


في مناطق عديدة من العالم أصبحت الهجرات البشرية تضيف بعدا جديدة لمشكلة عمالة الأطفال ، معرضة الكثير من الأطفال الى احتمال استغلالهم من قبل المتاجرين ، حيث باتت هذه الإشكالية من أبرز المخاطر البشرية التي تهدد الأجيال القادمة ، وسنحاول هنا شرح كيف يقع المهاجرون في فخ تجار الرقيق ، وكيف تحاول منظمة العمل الدولية وقف هذا النوع وهو من أسوأ أشكال استغلال عمالة الأطفال ، حيث يشيع هذا النوع من الاستغلال في مناطق كثيرة من العالم ومن أبرزها مناطق جنوب شرق آسيا ، فالعرض والطلب متوفران ويشكلان عوائق مهمة تعترض القضاء على أسوا أشكال عمالة واستغلال الأطفال ، وهي من الصلاحيات الموكلة على منظمة العمل الدولية من خلال اتفاقيات دولية عديدة ، بما فيها اعتماد دول الأعضاء اتفاقية أشكال عمالة الأطفال عام 1999 .
وجاء تزايد الهجرات البشرية ليضيف بعدا آخر إلى مشكلة الاتجار بالأطفال ، وفي مسح جديد دعمته منظمة العمل الدولية ونفذته بعض الحكومات في دول جنوب شرق  آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية تأكدت هذه المخاوف ، فالهجرة الدولية تعرض الكثيرين لإمكانية الاستغلال من قبل تجار الرقيق ، ومهاجرون كثيرون لا يدركون مخاطر الهجرة غير المنظمة جيدا ومن دون الإطلاع على التفاصيل ، ولا المصاعب التي قد يواجهونها في بلدان غريبة عنهم ، فنقطة الضعف هذه هي التي يستغلها المتاجرون ، وغالبا ما يستهدفون الأطفال وخصوصا الفتيات والشابات ، والمثير للقلق هنا هو أن المسح الذي شمل ثلاثة أقاليم من دول شرق أسيا وجد أن أكثر من 50 % من المهاجرين دون الثامنة عشرة من عمرهم ، وقد حصل أن انقطعت أخبارهم تماما عن عائلاتهم منذ أن غادروها ، وقد حصلت أكثرية حالات الهجرة هذه في السنوات الخمس الأخيرة .
ومن بين حوالي ستة آلاف أسرة شاركت في المسح من جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية ، وهي أحد دول جنوب شرق آسيا ، بلغت نسبة الأسر التي هاجر أحد أفرادها نحو 7 % ، وواحد من أصل خمسة من المهاجرين كان دون سن الثامنة عشرة من العمر ، والثلثان كن من الفتيات الصغيرات والشابات ، ورغم النتائج المثيرة للقلق التي أظهرت المسح في حكومة لاو ، إلا أن هذا البلد هو واحد من بلدان جنوب شرق آسيا حيث تؤدي الهجرة غير المنظمة مسبقا ، والفقر والتفاوت العميق بين الجنسين ، والنقص في المعلومات إلى خلق بيئة مثالية للتجار ليمضوا قدما بتجارتهم القذرة ، وفي الواقع لا تنجو أية منطقة في العالم من هذه الظاهرة ، فغالبا ما يتم اختيار الضحايا في بلد ما ثم يتم إرسالهم إلى بلد آخر ، وأحيانا يتم تمريرهم عبر بلد ثالث .
غير أن الاتجار ليس مجرد ظاهرة دولية ، ففي الصين مثلا أدت التنمية الاقتصادية للمناطق الحضرية على الساحل الشرقي إلى موجة بشرية عارمة تمثلت بالهجرة من الريف إلى المدينة ، وفي إقليم هينان الصيني وحده كانت نسبة 28 % من سكان هذا الإقليم الذين يبلغ عددهم 96 مليون نسمة هم في طريقهم إلى الهجرة ، وهذه الهجرة الداخلية الضخمة تساعد على دعم عملية التنمية الاقتصادية الناشئة بقوة في الصين ، ومن المؤكد أن أكثرية المهاجرين يستفيدون من انتقالهم وهجرتهم ، غير أن الهروب الجماعي باتجاه المدن يشكل مسارا مبتذلا يتعقبه المتاجرون بالبشر ، فالنساء والشابات يمثلن فرائس يسهل اقتناصها ، ويتم الاتجار بهن عن غير عملهن على صناعة الترفية أو الزواج الإجباري ، هذا بالإضافة إلى الأطفال الذين يقعون يوميا ضحية الاتجار لممارسة الدعارة أو التسول ، أو ما يشبه العبودية في الأعمال المنزلية وغيرها من أشكال الاستغلال والأعمال الجبرية والتي لا تتناسب أغلبها من أعمارهم .
ويبدو أن الاتجار بات حاليا يشكل صناعة قذرة متنامية ، غير أن الجهود وإماطة اللثام عن هذه التجارة السرية التي تستغل بؤس الإنسان والعثور على سبل جديدة لمكافحتها تدعو إلى نوع من  الأمل ، ومن خلال مشروع للبرنامج الدولي للقضاء على عمل الأطفال ( آيبك ) ، تسعى منظمة العمل الدولية على زيادة الوعي بين الأطفال وأهلهم وقادة المجتمعات المحلية ، وإطلاعهم على مخاطر الهجرة غير المنظمة مسبقا والتي لا يتم الاستعداد لها بشكل جيد ، ويعمل برنامج منظمة العمل الدولية الشبه إقليمي لمكافحة الاتجار بالأطفال والنساء في أغلب البلدان والأقاليم المعرضة لهذه التجارة القذرة في العالم ، وتدعو النتائج الأولية على التفاؤل .
وفي أعقاب مشروع لزيادة الوعي مولته منظمة العمل الدولية في أحد الأقاليم الواقعة شمال تايلاند ، تم الكشف عن خمس حالات غير مبلغ عنها للاتجار بالأطفال واستغلالهم ، قد تم حل أربعة منها حتى الآن ، وفي بعض القرى في إقليم يونان في الصين انخفضت حالات الهجرة غير المنظمة جيدا وغير المبنية على معلومات متينة بأكثر من 50 % بفعل تدخلات من هذا النوع ، وفي كمبوديا تمثلت إحدى مبادرات القروض الصغرى التي يمولها المشروع على توزيع الماشية والأبقار على القرويين ، مما منحهم مصدر دخل جديد يسمح لهم بإبقاء أولادهم في المدارس ، وقد مكن المصرف الزراعي هذا كافة سكان القرية من استعارة الأبقار خلال موسم التكاثر ، وسمح للقرويين بالاحتفاظ بالعجل الأول والثالث ، وبينما تعاد البقرة الأم وعجلها الثاني إلى المصرف الزراعي للتتواصل الدورة في قرى أخرى .
أن عملية وقف الاتجار هي عملية بطيئة ، غير أن منظمة العمل الدولية تتعاون بشكل متزايد مع الحكومات والشركاء الاجتماعيين في جنوب شرق آسيا وفي العالم لمواجهة الأسباب البنيوية لهذه الظاهرة ، وتسعى جاهدة لتأمين فرص للعمل اللائق وتأسيس قنوات شرعية للهجرة تربط بين العرض والطلب على اليد العاملة ، وحاليا ومن خلال جهود منظمة العمل الدولية وغيرها من المنظمات الدولية المعنية بهذا الأمر ، أصبحت الحكومات والسلطات والعائلات غنية كانت أم فقيرة ، تدرك أن الاتجار بالإنسان واستغلال الأطفال يحرم بلدانهم من مجتمع أكثر إشراقا وإنتاجا ، مجتمع يستطيع فيه الأهل أن يؤمنوا حاجات أسرهم من خلال العمل اللائق ، ويستطيع فيه الأطفال أن يواصلوا تعليمهم .. مجتمع يعدهم بمستقبل أكثر ازدهارا للجميع .
 


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك