قراءة في ذكرى تقسيم فلسطين
في 29 تشرين الثاني من العام 1947 اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثانية القرار رقم 181 الذي بموجبه أوصت بتقسيم فلسطين الى دولتين واحدة عربية بنسبة 43 % من مساحة فلسطين وأخرى يهودية بنسبة 56 % وان تبقى مدينتي القدس وبيت لحم تحت الوصاية الدولية بنسبة 1 % من المساحة. وأيدت القرار 33 دولة (استراليا، بلجيكا، بولونيا، البرازيل، روسيا البيضاء، كندا، كوستاريكا، تشيكوسلوفاكيا، الدانمرك، الدونيميكان، اكوادور، فرنسا، غواتيمالا، هاييتي، ايسلندا، ليبيريا، لوكسومبورغ، هولندا، نيوزيلندا، نيكاراغوا، النروج، بناما، باراغواي، بيرو، الفلبين، بولندا، السويد، اوكرانيا، جنوبي افريقيا، الاتحاد السوفياتي، الولايات المتحدة الامريكية، اوروغواي، فانزويلا)، بينما عارضته 13 دولة (افغنستان، كوبا، مصر، اليونان، الهند، ايران، العراق، لبنان، باكستان، المملكة العربية السعودية، سوريا، تركيا، اليمن) وامتناع 10 دول عن التصويت (الارجنتين، تشيلي، الصين، كولومبيا، السلفادور، الحبشة، هندوراس، المكسيك، انكلترا، يوغسلافيا)، وفي الثاني من كانون الأول / ديسمبر من العام 1977 وفي جلستها العامة رقم 91 اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 50/3/ج اعتبرت فيه تاريخ صدور قرار التقسيم 29/11/47 يوما للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني ، هذا وتحيي الأمم المتحدة المناسبة سنويا ابتداء من العام 1978 حسب القرار ومعها مختلف المشارب والأطياف الفلسطينية والصديقة المساندة للحق الفلسطيني في مختلف أرجاء العالم .
وفي اجراء تقليدي من كل عام تعقد اللجنة المعنية بممارسة الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني اجتماعا خاصا يشارك فيه أمين عام الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة إلى جانب عدد من ممثلي الدول للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، كما يصدر الأمين العام رسالة خاصة بالمناسبة يتمنى فيها السلام العادل والدائم وفقا لقرارات مجلس الأمن دون ذكر لقرار حق عودة اللاجئين الفلسطينيين رقم 194.كما طلبت الجمعية العامة في جلستها الستين وبموجب القرار 60/37 بتاريخ 1/12/2005 من لجنة وشعبة حقوق الفلسطينيين ضمن فعاليات احياء المناسبة "تنظيم معرض سنوي عن حقوق الفلسطينيين او مناسبة ثقافية بالتعاون مع البعثة المراقبة الدائمة لفلسطين لدى الامم المتحدة " .
تعتبر بريطانيا المادة الرئيسية المسيِّرة لمخطط تنفيذ تقسيم فلسطين، إذ تعود الفكرة الى ما قبل عشرة سنوات من صدور القرار عن الجمعية العامة للامم المتحدة، وتحديدا في السابع من شهر تموز / يوليو من العام 1937 وبعد مرور 19 عاما على وقوع الانتداب البريطاني على فلسطين، حينها شكلت الحكومة البريطانية في شهر آب/اغسطس من العام 1936 لجنة تحقيق بريطانية برئاسة اللورد روبرت بيل سميت اللجنة لاحقا باسمه "لجنة بيل"، بغرض دراسة الأسباب الأساسية لانتفاضة الشعب الفلسطيني في نيسان / ابريل من العام 1936، وقد ضمت اللجنة ستة أعضاء، وبعد مرور ستة اشهر من عملها في فلسطين توصلت الى نتيجة مفادها، أن تتخذ الحكومة البريطانية الخطوات اللازمة لإنهاء الانتداب وتقسيم فلسطين إلى دولتين واحدة عربية وأخرى يهودية مع بقاء القدس وبيت لحم والناصرة تحت الانتداب البريطاني، وكانت تلك المرة الأولى التي ترد فيها فكرة التقسيم، وأضافت اللجنة في تقريرها "ما دام العرب يعتبرون اليهود غزاة دخلاء، وما دام اليهود يرمون الى التوسع على حساب العرب فالحل الوحيد هو الفصل بين الشعبين، فتؤلف دولة يهودية في الاراضي التي يكوِّن اليهود أكثرية سكانها ودولة عربية في المناطق الاخرى". وقد سارع العرب الى عقد مؤتمر عام في دمشق بناء على دعوة "لجنة الدفاع عن فلسطين" سمي بـ "المؤتمر الفلسطيني العربي في بلودان" في الثامن والتاسع من أيلول / سبتمبر1937، وقد كان اول مؤتمر عربي يناقش القضية الفلسطينية، وفيه أعرب المشاركون عن رفضهم الكامل لفكرة التقسيم واعتبار ان "فلسطين جزء لا يتجزأ من الوطن العربي، ورفض الانتداب ووعد بلفور والهجرة اليهودية والتقسيم وانتقال الاراضي ومقاومة انشاء دولة يهودية " .
وتكررت فكرة التقسيم مرة اخرى من خلال اقتراح تنفيذ "مشروع موريسون" او "مشروع النظام الاتحادي" الذي عرضته بريطانيا ايضا، فقد اقترحت على العرب خلال انعقاد مؤتمر لندن من 10/9 ولغاية 2/10/1946 تقسيم فلسطين الى اربع مناطق ادارية :
1-المنطقة اليهودية، وتشمل معظم الأراضي التي أقام فيها اليهود .
3-القدس، وتشمل القدس وبيت لحم والمناطق المجاورة .
4-المنطقة العربية وتشمل ما تبقى من اراضي فلسطين، وتمنح كل من المنطقة العربية واليهودية استقلالا ذاتيا .
وحين أدركت بريطانيا فشل مساعيها الرامية الى التقسيم بموافقة العرب اتجهت منذ انتهاء مؤتمر لندن سنة 1946 الى ان يتم تقسيم فلسطين وانشاء الدولة اليهودية فيها عن طريق الأمم المتحدة التي كان للولايات المتحدة الامريكية نفوذ كبير داخلها في ذلك الوقت وكانت الحركة الصهيونية بدورها قد بدات تركز نشاطاتها وضغوطها على الحكومة الأمريكية لادراكها انها القادر على تمرير التقسيم في المنظمة الدولية الجديدة" .
فقد كانت التحضيرات شبه مكتملة لاطلاق هيئة الأمم المتحدة، اذ انه وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، عقد مؤتمر في مدينة سان فرنسيسكو بالولايات المتحدة في 25/4/1945 حضره زعماء الدول الكبرى بهدف وضع مشروع لميثاق دولي يهدف الى احلال السلام بين الدول حضره وفود 50 دولة، وفي 24 تشرين الأول عام 1945 تم التصديق بأغلبية الدول على الميثاق وبدأت هيئة الأمم المتحدة دورتها الاولى في 14 شباط / عام 1946 بوفود 51 دولة، واعتبر مجلس الأمن احد أجهزتها الرئيسية الستة بعد (الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية والأمانة العامة)، مع بند ينص على "حق النقض الفيتو"، فإذا رفضت دولة واحدة من الدول الخمس الكبرى (امريكا، فرنسا، الاتحاد السوفياتي، الصين وبريطانيا) أي قرار فان ذلك يتسبب في عدم نفاذه، حتى لو وافق عليه باقي الدول غير دائمة العضوية في مجلس الأمن وعددها حينها عشرة( خمساً من افريقيا وآسيا، وواحدة من أوروبا الشرقية، واثنين من أمريكا اللاتينية، واثنين من أوروبا الغربية وأماكن أخرى). الأمر الذي سهل الطريق لتكريس الموافقة على قرار تقسيم فلسطين أو أي قرار آخر والتسلح بالموقف الأمريكي في مجلس الأمن. وقد حاولت العديد من البلدان مرات كثيرة التعديل في هذا البند المجحف - الذي فقد مبرراته - إلا أنها لم تنجح وبقي الشرط ساريا حتى يومنا هذا.