تشكل الشمس والأرض والقمر من وجهة نظر معينة منظومة ثلاثية من أهم مظاهرها حادثتي الكسوف الشمسي والخسوف القمري,
وهما تقعان بسبب مرور أحد الجرمين الأخيرين أمام الثاني.فالأرض والقمر جرمان عاتمان لا يسمحان بنفاذ أشعة الشمس عبرهما, وهذا يؤدي بدوره إلى تشكل ظل وظليل لهما يمتد بعيدا ً وراءهما في الفضاء.وإن مقايسات ظلال الكواكب والأقمار تتبع مباشرة لكبر وصغر هذا الجرم أو ذاك.
الواقع أن الأرض تدور حول الشمس في مدار محدد لها وكذلك يفعل القمر حول الأرض, وفي بعض الحالات يحدث أن تتراصف هذه الأجرام الثلاثة على نسق واحد ضمن المستوى نفسه تماما ً أو تقريبا ً.فإذا تحقق هذا الأمر وكانت الأرض واقعة بين الشمس والقمر فإن ظلها سيقع على القمر مسببا ً حادثة الخسوف, وإذا كان القمر متواجدا ً بين الشمس والأرض فإن ظله سيؤدي إلى حدوث ظاهرة الكسوف في مناطق محددة من سطح الأرض, وهذه هي الصورة العامة دون الدخول في التفاصيل الهندسية والفلكية الدقيقة التي لا يتسع لها هذا المقام.
أنماط الكسوفات
يميز كافة المدارات الكوكبية في النظام الشمسي أنها غير دائرية بل بيضاوية الشكل تعرف هندسيا ً باسم ( القطوع الناقصة ), وينطبق الأمر ذاته على مدارات الأقمار حول كواكبها أيضا ً.ففي حالة الأرض مثلا ً يتيح لها مدارها الناقصي أن تكون قريبة من الشمس في جزء من المدار, وأن تكون بعيدة عنها في جزء آخر منه. وبالنسبة للراصد الأرضي فإن قياس قطر الشمس كما تبدو في السماء متغير دوما ً وفق تغير بعد الأرض عن الشمس.فللشمس قطر ظاهري أعظمي عندما تكون الأرض قريبة منها, وقطر ظاهري أدنى عندما تكون الأرض بعيدة عن نجمنا الأم.هذه الفروقات موجودة فعلا ًوإن لم تكن ظاهرة للعيان, ولكنها فروقات قابلة للحساب وللقياس المباشر وهي أيضا ً ذات دور بالغ الأهمية في تحديد نمط الكسوف الحاصل .
من ناحية أخرى نعلم أن القطر الحقيقي للشمس أكبر من القطر الحقيقي للقمر بحوالي أربعمائة مرة, ونعلم أيضا ً أن بعدها عن الأرض أكبر من بعد القمر عن الأرض بحوالي أربعمائة مرة, وهذه المصادفة الفلكية هي التي تسمح لنا بمشاهدة الشمس والقمر في السماء بالقياس الظاهري نفسه تقريبا, نستنتج مما تقدم أننا أمام ثلاثة أنماط من الكسوفات هي:
الكسوف الكلي, الذي يحدث في الوقت الذي يكون فيه القطر الظاهري للشمس صغيراً بسبب وجود الأرض قريبة من أوج مدارها وفي أقصى بعد لها عن الشمس, ويكون القمر في الوقت نفسه قريبا ً من حضيض مداره ويبعد عن الأرض مسافة دنيا ما يحقق له قطرا ً ظاهريا ً مساويا ً لقطر الشمس أو أكبر منه.وإذا تحقق شرط تواجد هذه الأجرام الثلاثة ضمن المستوي نفسه فإن القمر سيحجب قرص الشمس كله وسيقع ظله على أجزاء محددة من سطح الأرض مسببا ً كسوفا ً كليا ً ترى الشمس في طوره الأعظمي بشكل قرص أسود تحيط به هالة ضوئية كما حدث أثناء آخر كسوف استمتع العالم كله برصده ومتابعته في شهر آب لعام .1999
الكسوف الحلقي, وهنا يكون القمر بعيدا ً عن الأرض بالقرب من نقطة أوج مداره وله قطر ظاهري صغير نسبيا ً, وتكون الأرض قريبة من حضيض مدارها بما يسمح أن يكون للشمس قطر ظاهري أكبر من القطر الظاهري للقمر.فإذا تحققت الشروط الهندسية المطلوبة فإن القمر يمر أمام قرص الشمس دون أن يتمكن من حجبها كليا ً مسببا ً كسوفا حلقيا تظهر الشمس في الطور الأعظمي منه على شكل حلقة ساطعة بداخلها قرص أسود, وهذا ما سيراه أهل شمال شرق الجزائر وأهل تونس وبعض من سكان ليبيا والسودان خلال الكسوف المقبل بعد عدة أيام.
الكسوف الجزئي, وهو يحدث بسبب عدم تواجد القمر ضمن المستوي المشتمل على الأرض والشمس بصرف النظر عن قيم القطرين الظاهرين للشمس وللقمر.الواقع أن مدار القمر حول الأرض يميل على مستوي مدارها حول الشمس بحوالي خمس درجات, وهذا الميل هو المسؤول الثاني عن أنماط الكسوفات إلى جانب تغيرات قيم الأقطار الظاهرية كما سبق.
ولو كان مدار القمر حول الأرض واقعا ً ضمن مستوي مدارها حول الشمس لتوجب حدوث الكسوفات الشمسية في مطلع كل شهر قمري, ولتوجب حدوث الخسوفات القمرية في منتصفات الأشهر القمرية .
أشكال مشاهدة الكسوفات
ذكرنا عند الحديث عن ظلال الكواكب والأقمار أن مقايسات وامتدادات هذه الظلال في الفضاء وإن كنا لا نراها ولا نحس بوجودها مرهونة بأحجام الكواكب وأقمارها. الأرض مثلا ً أكبر من القمر ويمتد مخروط ظلها في الفضاء إلى أكثر من مليون كيلومتر, وهذا الأمر كفيل بحد ذاته بحدوث الخسوفات الكلية والجزئية, إذ لا وجود أبدا ً لخسوفات قمرية حلقية.وفي الوقت نفسه فإن للقمر الواقع على بعد متوسط عن الأرض مقداره قرابة 386 كيلومترا مخروط ظل محدود الاتساع والامتداد في الفضاء, ورأس هذا المخروط إما أن ينتهي قبل سطح الأرض بحوالي 40000 كيلومتر أو أنه يمتد لما وراءها بحوالي 20000 كيلومتر ( الأرقام تقريبية لإعطاء فكرة فقط لا أكثر !!! ).مهما يكن من أمر نستنتج أن قياس بقعة ظل القمر على سطح الأرض محدود الاتساع ( عدة مئات الكيلومترات في أفضل الأحوال ) وهنا فقط تتاح الفرصة لمشاهدة الكسوف وفق نمطه الحقيقي .
من ناحية أخرى تفيدنا نظريات الضوء وانتشاره أن للأجسام العاتمة ظلا وظليلا, وهذا ينطبق أيضا ً على حالتي الأرض والقمر.ففي الحالة العامة لحوادث الكسوف الشمسي يقع مخروطا ظل القمر وظليله على سطح الأرض ورأينا أن مشاهدة الكسوف وفق نمطه الحقيقي محققة ضمن نطاق منطقة الظل فقط, أما مناطق سطح الأرض الواقعة خارج منطقة الظل لكنها ما زالت ضمن منطقة الظليل فإنها ستشاهد الحدث الفلكي ذاته بشكل كسوف جزئي بصرف النظر عن نمطه الحقيقي.وأخيرا ً فإن مناطق سطح الأرض الواقعة خارج منطقتي الظل والظليل لن تشهد الحدث الكسوفي بتاتا ً على الرغم من كونه حقيقة واقعة.وخلاصة القول إن شكل مشاهدة أحد الكسوفات أمر مرهون بالموقع
طرائف كسوفية
تذكر بعض كتب التاريخ وجود أقدم سجل خطي للكسوف الذي وقع بتاريخ 22 / 10 / 2136 قبل الميلاد خلال فترة حكم الامبراطور الصيني تشونغ كانغ الذي يروى عنه أنه أعدم منجميه لإخفاقهما في التنبؤ بالحدث.
من المعروف أن أحداث الكسوفات تترافق بالكثير من اللغط في بعض البلدان, والواقع أن الملك لويس امبراطور بافاريا مات هلعا ً من جراء كثرة القيل والقال عن أخطار كسوف عام ( 840 ) ميلادية, أما في الهند فقد تم إلغاء مباراة كريكيت بين الفريقين الهندي والبريطاني قبل يوم واحد فقط من الكسوف الكلي بتاريخ 14 / 2 / 1980 خشية
انصراف الناس إلى مشاهدة الكسوف بدلا من متابعة المباراة.