كيف نصنع مجتمعاً متماسكاً وما علاقة الأسرة بذلك؟
الدكتور جهاد الناقولا
من البديهي القول بأن المجتمع يتكون في أي بلد من البلدان من مجموع الأسر. فالأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، وقد سبق وتحدث الكثير من علماء الاجتماع عن مدى أهميتها في المجتمع حين أكدوا بأن المجتمع يصلح بصلاحها ويفسد بفسادها. فعلى أرض الواقع يلاحظ وجود الكثير من الأسر السورية المفككة وغير المتماسكة سواء في محيطنا الذي نعيش فيه، أو من خلال شبكة علاقاتنا الاجتماعية أو حتى من خلال ما تطالعنا وسائل الإعلام المتعددة، التي تكشف لنا ليس فقط عن ظاهرة التفكك الأسري بل حتى عن مشكلات أسرية يندى لها الجبين خاصة عندما نتتبع أخبار الحوادث الأسرية، التي تنتهي بنهايات مأساوية مدمرة تعصف بحياة الكثير من الأسر في نهاية المطاف، والتي يمكن أن نتحدث عنها في مقالات لاحقة متجنبين اليوم الحديث عن أسبابها وآثارها المتعددة.
كيف يمكن للأسرة أن تكون متماسكة؟
لماذا لا نسأل أنفسنا كيف لنا أن نعيش في أسرة متماسكة متعاضدة يشد أزر بعضها البعض انطلاقا من المستوى الوقائي قبل العلاجي، حتى نجدف بها بعيداً عن منطقة التفكك والانهيار لأنه كلما زاد عدد الأسر المفككة والمنهارة كلما أصبح ذلك عبئاً تقيلا على المجتمع يحد من تطوره وتقدمه.وانطلاقاً مما سبق نتناول هذا الموضوع الحيوي والهام لما له من انعكاسات سلبية خطيرة على مستوى الفرد والأسرة ومن ثم على المستوى المجتمعي وهو الأهم. لذلك تظهر هنا أهمية الحديث عن بعض السلوكيات والتوجهات العلمية التي تحمي الأسرة من خطر التفكك والانهيار حيث تفيد الباحثة الاجتماعية البرازيلية سولفانا دوغلاس في هذا المضمار بأن الاعتراف بالخطأ مسألة في غاية الأهمية لخلق أسرة متوافقة مع نفسها والاعتراف بالخطأ لوحده لا يكفي بل يجب تصحيح الخطأ ومن ثم تحمل مسؤولية الخطأ إذا استوجب من اجل إزالة الغموض والتعامل بصراحة. احترام الصغير للكبير ضمن القواعد التربوية الواضحة واحترام رأي الآخر بغض النظر عن موضوعية الرأي بعيداً عن التهميش والتجريح وهذا ما يتطلب أساليب حوارية مقنعة لا أساليب تسلطية،مع تبني استراتيجية الحوار الدائم لا النقاش والجدل، فالحوار هو الأساس لحل أية مشكلة من المشاكل (اجتماعات أسرية) وهذا ما يكفل ويحمي من اتخاذ قرارات فردية قد تنعكس على الأسرة بأكملها. معرفة كل فرد لحدوده منذ الصغر كي يقف عندها، لأن عدم رسم الحدود الشخصية يخلق جو أسروي ملء بالفوضى، وذلك استنادا للمعايير التربوية التي تحدد الحقوق والواجبات في الأسرة انطلاقاً من مفهوم الأدوار الاجتماعية الأسرية. خلق أوقات من أجل الاستمتاع الجماعي لتغيير روتين الحياة وذلك بالمشاركة باستمرار في المناسبات والأفراح والنزهات.ضرورة التعبير عن الجوانب العاطفية داخل الأسرة يحقق أريحية في التعامل لمنع التصادمات .أي ينبغي إظهار الحب والاحترام أي العواطف الايجابية لتعزيزها والسلبية لمناقشتها والسير بخطى واضحة مع التركيز على نقطة هامة وهي ضرورة أن تكون العواطف الأسرية أو العائلية موحدة أمام الآخرين. أيضاً ينبغي الابتعاد ما أمكن عن الروتين اليومي وذلك يكون بطرح كل ما هو جديد في مواقف الحياة وظروفها للتحدث عنه من أجل كسر فتور الحياة اليومية. فضلاً عن ضرورة التمتع بالمزاج الجيد الذي يضفي جو المرح والدعاية داخل الأسرة. وبالنهاية لا بد أن يعي جميع أفراد الأسرة أهمية التعاون المنزلي وعدم الاعتماد على الأم أو الأخت فالكل يجب أن يكونوا شركاء في العمل المنزلي حتى تكون العلاقات داخل الأسرة علاقات سليمة أي الابتعاد عن الأدوار الأسرية التقليدية. بالنتيجة اتضح من خلال الدراسات التي تناولت محور الأسرة أن للتماسك الأسري إيجابيات وسلبيات فالسلبيات تنعكس على النجاح التعليمي أي في الدراسة والعمل فالحياة اليومية بعلاقاتها المتشابكة لدرجة أن التفكك الأسري له انعكاساته السلبية حتى على صعيد الصحة العقلية لأفراد الأسرة، فهل نسعى بعد قراءة هذا المقال نحو بناء أسر متوافقة متماسكة بعد إن أصبحت نسبة معينة من الأسر السورية أسراً منهارة مفككة؟ نتساءل هنا أيضاً عن أهمية وسائل الإعلام المرئية بالدرجة الأولى في معالجة مثل هذه القضايا، التي ننتظر من الهيئة السورية لشؤون الأسرة إلى جانب شركائها أن تضع هذا الموضوع في سلم أولوياتها قبل كل شيء.
الدكتور جهاد الناقولا