عرض الفنان التشكيلي صالح الخضر على مدى الأسبوعين الماضيين في غاليري مرسم فاتح المدرس بدمشق، خلاصة تجربته التجريدية عبر 24 لوحة حفزت خيال الزوار والمهتمين ودفعت باتجاه قراءات متعددة لكل منها عبر مفردات تشكيلية فلسفية ترقى بمفهوم الفن التشكيلي إلى عتبات جديدة..
وعن معرضه الذي جاء تحت عنوان "عن الوجع والمقدس والجمال" قال الفنان صالح ذهبت في لوحاتي إلى محاكاة الوجع والمقدس وهو تفصيل ملاصق لحياتنا بمفاهيم مختلفة، هو الوجع المادي والروحي وحتى النفسي، وجع يصل بنا إلى حدود الصمت والعودة إلى بداية ما.. فكيف يكون هذا الوجع مقدساً.. كيف لنا أن نختبره في حضرة المقدس ليصير وجعنا مقدساً.. كيف نستعيد حواراً مباشراً مع هذا المقدس في ظل هذا العماء الذي يحيط بنا، عماء الاعتقادات الخاطئة، عماء الكلمة السيئة في حضرة الوجع...
إن مساحة ما كمساحة لوحة خالية هي عماء إلى أن يدخلها نور العقل المقدس والحب لنسافر إلى داخلنا برحلة استشكاف صوفية، قد تكون بداية حوار مع المقدس.. والوجع والحب رحلة غنية بمفردات لا علاقة لها بالطبيعي، برحلة الوجع المقدس... والحب..
بدوره تحدث نزار صابور الأستاذ في كلية الفنون الجميلة عن المعرض حيث يقول: إن الفنان صالح خضر يقدم مفهومة للوحته بانحياز واضح نحو اللاطبيعي عبر دواخل الروح والوجدان، وأغلب الأعمال تجمعها منهجية تأليفية واحدة، مشهد بصري لأشكال هندسية غير منتظمة تغطي حيزاً كبيراً من سطح قماشة العمل بألوان صائته، وبشكل انفعالي ارتجالي يعكس ذاكرة بصرية انتقائية وحاجة داخلية عميقة، وأحياناً يحضر بعض مناطق القماشة بمعجونة خشنة أو ببعض المواد الأخرى ثم تأتي الخطوة التالية بإضافة بعض الأوراق الشفافة أو اللون الأبيض لإلغاءات أو ترك أثر لبعض هذه المساحات اللونية واستنباط درجات لونية أخرى خافتة تؤكد المساحات ذوات الألوان الحارة الصائتة، وقد تدخل بعض الخطوط السوداء لتحدد مساحة دون غيرها من المساحات المرصوفة على السطح.
ويرى صابور أنه في بعض الأعمال قد تكون الأخيرة يلجأ إلى تهدئة اللون ومعالجته، مع استخدم بعض المواد الطبيعية! ويستبدل الخط الأسود الغليظ بحك سطح المساحات اللونية بأداة حادة لنحصل على خط أكثر رهافة جمال والنتيجة عمل محكم فيه ارتجال منظم لرغبات داخلية مكبوتة تنفجر على سطح القماشة.
تعكس الأعمال بعض الخبرات الفنية السورية، لكن برؤية مغايرة، دعونا ننتظر لنرى كيف سيكون مسارها واحتمالاتها، وما هو واضح وأكيد، محبة الفنان للتصوير وتأكيده على الخلاص والأمل بواسطة الجمال، لأن الجمال ينقذ العالم..
في رأي آخر قالت فاطمة إسبر إن أعمال الفنان صالح الخضر كانت شديدة القرب من منطقة الحنين الروحي لجمال آسر ومختلف لم يتقيد الفنان بالمركز، بمعنى أن تكون الكتلة في الوسط أو في مكان متعارف عليه من أجل توازن اللوحة، فالكتلة قد نجدها في طرف اللوحة من الأعلى أو على الجانب وربما تكون الكتلة مفككة وموزعة على أماكن من اللوحة وليس المركز بالضرورة، فالمركز في كثير من أعماله هو فراغ... وهذا الفراغ هو لغة تنتمي إلى الإنسان والإنسانية، والإنسان هو المركز لكنه فراغ والحلم يقبع في طرف منزو من اللوحة ويحتاج من يمسك به ويضعه في قلب الفراغ كي يصبح المركز مملوء بنا، لقد لخصت الأعمال التي رأيتها بأنها لغة الفراغ والحلم .. لكنها في الحقيقة تقدم جمالاً ..وتقدم راحة للعين .. كما لو أننا نجتاز سهوباً .. وفضاءً مريحاً من دون عثرات..
فيما كتب الفنان مصطفى عابدين عن المعرض قائلاً إن الفنان صالح الخضر فنان تجريدي له خصوصية مستمدة من خبراته المكتسبة فوظف الأداة والأسلوب والأفكار البناءة لخدمة نتاجه الفني فجمع بين الإحساس والمعاناة بجدية فائقة أقنعتنا بأنه أراد البوح بها بلا قيود..
الفنان غسان جديد يرى في لوحات الخضر أنها تثير مشاعر بصرية عليلة، تشير إلى نفسها منذ الوهلة الأولى وقد اجتذبه الفن الحديث وخاصة التجريد البعيد عن كل شكل تشخيصي متجهاً نحو غنى اللوحة باللون والملمس والكولاج وبدأ يتقدم بسرعة ليؤكد على أسلوب خاص به بعيداً عن الإغراءات الجانبية في اتجاهه للتجريد البعيد عن البرود الهندسي القريب من الشعر ليغوص في تشكيلات متشابكة ضمن فراغ فيه تدرج لوني ناعم وقد كنت أراقب تطور تجربته بإعجاب، وبذلك كانت رغبتنا في جعل الفن يلهمنا في هذه الحياة ..
المصدر : جريدة كفاح العمال الاشتراكي
لمتابعة أخبار الاتحاد العام لنقابات العمال على قناة التلغرام عبر الرابط التالي:
