الدكتور حسن حميد أديب لا يقل عن أولئك الذين انتشر ذكرهم في العالم وهم يكتبون لأجل فلسطين وقضيتها أثبت وجوده وفاز بجوائز عديدة على مستوى الوطن العربي فهو صاحب اللغة الروائية المميزة وصاحب أسلوب القص المبتكر.. وخص كفاح العمال بالحوار التالي:
* المرمريتي.. تلك المجموعة القصصية التي ما زالت مخطوطا هل لك أن تضعنا في جوها العام والمحاور التي لا تدور حولها القصص؟
قصصي الجديدة مهمومة بالحال الفلسطينية.. وأحداثها التي شملت المكان الفلسطيني كله خلال السنوات الأخيرة.. وفي ظل المشهدية الدموية التي تلف عددا من البلاد العربية من ليبيا والعراق الى اليمن وسورية ..والتي تسمّى ظلماً بـ"الربيع العربي".
حالات الاستشهاد، والمطاردة، والفقد، وعدم السماح للفلسطينيين بممارسة حقهم في العيش بكرامة فوق أرضهم.. وأرض آبائهم وأجدادهم.. ومنعهم من أي شكل من أشكال الاحتجاج ضد العدو الصهيوني.. هذه الحالات من جهة، وما يقوم به الفلسطينيون من أفعال المقاومة المتعددة والمتجددة من جهة أخرى.. هي التي استوقفتني فكتبتها في قصص علوق بالمكان.. وبجيلية النضال المتواصلة من عز الدين القسام الى عهد التميمي.. وعدم خشية الصهيوني لأنه مهما دجج نفسه بالأسلحة.. تظل نفسيته مهزومة لشعوره بأنه سارق للأرض الفلسطينية.. وانه قاتل.. وغاصب.. والأهم أنه يرى في مرآته أنه مهزوم لا محالة بسبب هذه الثقافة المقاومة التي تتوارثها الأجيال.
قصصي الجديدة.. عن هذه الآلات الشارقة.. وعن المخيمات ايضا بوصفها مقالع للنضال تربية وممارسة.
* طلبت لجنة الإشراف على جائزة الطيب صالح ان تكون القصص المشاركة في دورة هذا العام طويلة، كيف يستطيع المبدع تجاوز الحدود على إبداعه؟
لا أدري إن كانت لجنة الإشراف على الجائزة قد طلبت هذا الشرط!.. ما أدريه أن المطلوب هو أن نكتب قصصاً جميلة في المعنى والمبنى والمغنى.. وهذا مافعلته. أنا شخصيا وربما غيري أيضاً.. لا يحب أن تفرض عليه قيود أو متطلبات..!
* عندما يشارك أديب مشهور في جائزة أدبية، ألا يشكل ذلك مغامرة برأيك؟
طبعاً.. مغامرة تشبه الفضيحة، أو قل الهزيمة، وان كانت لاتبدو.. في حال عدم ربح الجائزة.. أمام الآخرين، لكنها تظل هزيمة امام الذات الكاتبة.. هزيمة موجعة ومؤثرة. أنا لي ثقة بنصي الأدبي.. وقد غامرت به وأنا في بداية تجربتي الأدبية.. وحظيت بالنجاح غير مرة.. فازت نصوصي السردية بجوائز علوق بأسماء أدباء عرب على درجة كبيرة من الأهمية..وهي جوائز تمثل بلادا عربية مدونات السرد فيها هي قلاع عالية وقوية.. فازت نصوصي بجوائز نجيب محفوظ( مصر) وحنا مينة( سورية) والطيب صالح (السودان)..
مغامرة المشاركة سابقاً، بالنسبة إلي، كانت من أجل ان أرى أهمية نصوصي مناددة مع نصوص الآخرين.. اليوم المغامرة أكثر صعوبة لأنها ما عادت تروم المناددة.. وانما تريد الظفر بالجوائزة ببعديها المعنوي والمادي.. وربما غدا المالي هو المشغلة الأساسية.
* هل يمكننا وصفك بالأديب صياد الجوائز، وهل يتطلب ذلك ملكات خاصة من الأديب؟
لا.. أنا لست بصياد الجوائز.. جوائز كثيرة تتفلت من بين يديّ..لأنني لا أشارك كي أحوزها لأن المشاركة فيها لا تناسب ثقافتي وتربيتي وأحلامي.. مع أن أموالها كبيرة جدا.. والفوز بالجوائز لا يتطلب سوى نص كتبته يد الحذق.. والحظ!
* هل كان للظروف الصعبة التي ترعرعت فيها أثر إيجابي في دعم موهبتك الأدبية؟
حياتي الصعبة إلى حد الترمد هي التي كانت وراء سهري على موهبتي منذ أن وعيتها..
وطموح من أجل أن أطل على الناس بنصي الذي يتحدث عن التراجيديا الفلسطينية..
وطموحي أنا نذرت حياتي وثقافتي وما حباني الله به من علم وبراعة من بلادي.. كي تعلو فيها راية العدالة.. وأن يمحى ظلموت قرن كامل صبغ بدم أهلي.
* كيف تستطيع الجمع بين الصحافة وكتابة القصة والرواية والبحث والنقد وتبوء المناصب الإدارية في نفس الوقت؟
مضيت للصحافة الأدبية لأنها الأقرب لعالم الكتابة الإبداعية.
نظمت وقتي وبوّبته.. جعلت الساعات الاولى من الصباح الباكر لي.. لكتابة نصوصي.. حوالي 120 دقيقة كل صباح أمضيها في مراودات سردية.. بعد ذلك أعطي شواغل الصحافة ما تريد.. وهكذا هي الحال مع المسؤوليات الإدارية.. التنظيم أحد مرتكزات السيطرة على الوقت.. وأحد مرتكزات النجاح والاستمرارية.
* الأدباء الفلسطينيون مسكونون بقضية وطن، هل تعتبر أن الكتابة عن أشياء غيره خيانة له.
أبداً.. كتابة الكاتب الفلسطيني في موضوعات أخرى.. يطور أدواته.. ويوسع نظرته.. وتؤكد أصالة موهبته.. لأن الكاتب الفلسطيني ليس موظفا لدى موضعه.. هو حارس لهذا الموضوع.
* للمكان حضوره الأول في أدبك من السواد الخروج من البقارة مرورا بجسر بنات يعقوب فهل ترى فيه عنصرا يوازي في ضرورته الأدبية الإنسان؟
المكان هو كل شيء بالنسبة للكاتب الفلسطيني.. لأن ما أخذ عيانا من الفلسطينيين هو المكان! صحيح أنه أخذ بالقوة والقرارات الدولية.. ولكن الصحيح أنه أخذ! المكان الفلسطيني هو بمنزلة الميل/ الأب لكل الفلسطينيين.. لقد أخذ عنوة.. وهذا سبب كل التراجيديا الفلسطينية.. ولذلك يدور الكاتب حول المكان الفلسطيني مثلما يدور الدراويش حول المعنى !
المكان الفلسطيني.. ليس حدا بمفرده، هو حد أو عنصر علوق بالزمان.. والذاكرة والبيوت ..والحقول.. والدروب.. والعقيدة.. والعمران.. والأحلام.. والأحداث والحادثات.. والقتل والخراب.. والإخافة.
كل أدباء فلسطين وشعرائها.. ركعوا في حضرة المكان الفلسطيني لوطنيته ولقدسيته.. ولجماله من جبرا إبراهيم جبرا إلى رشاد أبو شاور، خالد أبو خالد.. وأنا تبعتهم.. فركعت إلى جوارهم.
حاورته: نبوغ أسعد
المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي