الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » ثقافة وفنون

الصفحة السابقة »

قبول الآخر

2017-10-09 14:14:50

كثيرون هم الطامحون لتجاوز أي خلافات مع الآخرين، لكن قلائل جداً من يطبقون أقوالهم، ويبقى ما يفعلونه بعيداً عن أي قيم، مؤكدين القول: عندما نتكلم فكلنا أصحاب مبادئ، وعندما نفعل فكلنا أصحاب مصالح، ويستمر هؤلاء في الحوار مع الذات بنوع من الهدوء والإصغاء لصوت العقل، ولكن ما أن يمس الأمر مصالحهم، حتى يزبدون ويرعدون وتثور ثورتهم ويغضبون، وكأن ما جرى بين ذواتهم من حوار لم يمر على ساحة المنطق، وتجاوز ذلك إلى الاعتباط والعشوائية.
ورغم مرور أكثر من ست سنوات على المعاناة التي نمر بها كسوريين، ورغم الآلام التي نعانيها، لم يرق البعض منّا إلى التصالح مع الذات، أو البحث عن الجوانب المظلمة فيه، أو حتى محاولاً فهم الآخرين، والاستماع لهم ولآرائهم ولوجهات نظرهم، ويستمر الحكم على الأشخاص عرفياً، غير آبهين بأن الإنسان كتلة من المشاعر والأحاسيس، ولا بد من مراعاته وسبر أغواره وتقدير ظروفه، واستطلاع ما إذا كنا قادرين على مساعدته بدل تحميله الأعياء الإضافية.
هكذا ونتيجة لعدم الاستماع والتوق لمعرفة الحقائق، يستمر الحكم على الشخص من خلال لونه وشكله، حتى بات الجميع بعيدين عن بعضهم، وامتلكوا سلوكاً معقداً، على اعتبار أن الغير كما يقول سارتر: هو «أنا ليس أنا» أنا يشبهني ويختلف عني: ونستمر بتجاهل حقيقة تقول: ما يعتبر بالنسبة لي مؤلماً مأساوياً ليس بالضرورة كذلك عند الآخر، ونتجاهل أيضاً أن الألم نسبي وأن السعادة هي مجال لنقاش طويل، لأنها تفتح الباب طويلاً لعلاقات جميلة بين الناس، وتفتح المجال واسعاً لقبول الآخر بعيداً عن الذهنية التقليدية التي تقول: لا أقبل سوى من هم يشبهونني في العقيدة والفكر والمزاج، متناسين إذا كان الألم مشتركاً فليس بالضرورة بالدرجة نفسها والكيفية عينها: فما يجعلني أنهار من أجله، ربما لا يتأثر بسببي ومشكلاتي لا تعنيه.
فقبول الآخر يجعلنا نشعر بسعادة لا تقدر بثمن، لأنها ترقى بنا وترفعنا عن الترهات والتفاصيل الصغيرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وتقودنا إلى السعادة شبه الأبدية، لأن السعادة أيضاً محكومة براحة الذهن وعدم اقتياده لمواضيع وطرق مغلقة، وتؤدي أيضاً إلى القناعة بأن الحياة لا تعطينا ما نتمنى دائماً، ويجب أن نصنع الساعدة بأيدينا عبر تجاوز العقوبات مع الآخرين، والتسليم بأن لهم مكانهم وأهميتهم ووجودهم وحضورهم، ونحن لا نستطيع مهما فعلنا أن نزيل وجودهم، أو تجاوزهم ونسيانهم لأنهم واقع مفروض.
فالاختلاف وارد إذن، فلماذا نريد أن يشبهنا الناس حين نحكم عليهم من معتقداتنا وأفكارنا؟ لماذا نحكم عليهم ونحاكمهم من منظورنا الخاص؟ فإذا كان الاختلاف مطلوباً، فالتقاتل مرفوضاً، لأن الاختلاف الحقيقي هو التكامل ولا يفسد الود، إنما ما يفسد الود هو رفض الآخر وتهميشه، وكأنه غير موجود، فذلك لا يضيف للإنسانية شيء، إنما يثير الكراهية ويرسخ المفاهيم المغلوطة ويعزز العداوات.

المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي
حسين صقر


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك