الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال

الأخبار » ثقافة وفنون

الصفحة السابقة »

سـهرة كوميدية مع لوقيانوس عرض كامل الدسم بعد سنوات عجاف في مسرح حلب

2017-05-28 09:03:47

سهرة كوميدية مع لوقيانوس من الحواريات التي قام بترجمتها وإعدادها كعمل مسرحي المخرج إيليا قجميني وبدأ عرضها على مسرح نقابة الفنانين في حلب لتكون هذه المسرحية باكورة أعمال المسرح القومي في المدينة.


بالعودة تاريخياً إلى الوراء قليلاً فإن الأعمال الأولى للمخرج إيليا قجميني المسرحية جاءت بعد الأحداث الدموية التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين في بداية ثمانينيات القرن الماضي. كان تأثير هذا الحدث كبيراً على الأعمال المسرحية التي أخرجها في تلك الفترة بين أعوام 1979 حتى 1984 وليعيد بناء ما تهدم من قيم وأفكار عبر تلك الأعمال التي حملت عناوين: «هلاك بابل – ملحمة جلجامش – الزنزانة – مصنع الأقدام والسيقان – المرحوم – فرح شرقي», ومن آخر عمل أخرجه «العنب الحامض 2006» وبعد الحرب والخراب الذي أصاب حلب مرة ثانية عاد إلى شغفه الوحيد بعمل خلقه بيديه من ترجمة الحواريات من اليونانية إلى العربية ومن ثم الإعداد والإخراج ليكون لوقيانوس أول عمل مسرحي بعد سبع سنوات عجاف شهده مسرح حلب, ليكون وجبة فنية وثقافية دسمة تحتاج إليها عقولنا التي أصابها الضعف والجفافيقول إيليا: الحواريات من روائع أعمال لوقيانوس التي بلغ عددها 95 حوارية باللغة اليونانية وقد قمت بترجمتها للمرة الأولى وهي حواريات الأموات وعددها 26 حوارية، وحوارية البحار 15 وحوارية الآلهة 30 وحوارية الخطابة وعددها 15, ولقد اخترت ثماني حواريات لتقدم كعمل مسرحي في سورية والوطن العربي أول مرة.

شخصية الفيلسوف مينبوس كانت أداة وصل بين الحواريات الثماني, تماماً كما اختاره لوقيانوس في كل حوارياته, واختياري للحواريات كان مقصوداً، فالأولى حملت عنوان عودة مينبوس من الجحيم لإظهار القيمة الأدبية والفكرية للوقيانوس السوري الذي سخر من كتابات هوميروس في الإلياذة والأوديسة من خلال تمجيده للآلهة, وكذلك انتقاده لكل من كان في عصره من فلاسفة وملوك وطبقات غنية مخملية ومناصرته للفقراء.

أما الإبداع الأدبي فظهر في الحوارية الثانية التي تتحدث عن خطف أوربا ابنة قدموس من قبل الإله جوبتر الذي تمثل بهيئة ثور, من خلال جعل الحوارية بين الريح الغربية والشرقية لتقوما بوصف المشهد بتفاصيل جمالية لقصة العشق التي نسجت بينهما.

وأما الحوارية الثالثة فهي «ولادة هرقل» وطلب كبير الآلهة جوبتير من الشمس أن تغيب ثلاثة أيام ومن إله النوم دفع البشر إلى النوم من خلالها حتى يتسنى له الوقت اللازم للتزاوج مع بشرية فانية لتلد له ابنه الإله القادم للبشر.

«مركب كارونتي» من حواريات الموتى التي قدمت عبر مشهدين اثنين رحلة الموتى إلى الجحيم والتخلي عن كل المكتسبات والمناصب على الأرض. ومشهد الفلس حين يطلب كارونتي ربان قارب الموتى من منيبوس دفع فلس أجرة نقله الذي لا يملكه في الأصل ما يضطره إلى إعادته إلى الحياة.

حوارية هيلينا السابعة وفيها يطلب مينوبس من صديقه ميروكوريو أن يريه رأس هيلينا أجمل نساء الأرض التي كانت سبباً في عشر سنوات من الحرب، فيعطيه جمجمة لتكون خاتمة العمل المسرحي وليحمل مينبوس الجمجمة وهو يتلو أبياتاً من شعر كريستوفر مارلو «أمن أجل هذا أبحرت 1000 سفينة من جميع مدن اليونان, أمن أجل هذا سقط آلاف اليونانيين والأغراب, أمن أجل هذا أحرقت أبراج طروادة ودمرت العديد من المدن, ولماذا لم يتنبه اليونانيون إلى ذلك قبل وقوع الكارثة؟؟ لكن المخرج حورها إلى لماذا لم ينتبه «شعبنا» كإسقاط مباشر للأحداث في بلدنا تلقفه جمهور المسرح بالتصفيق إعلاناً بأن الرسالة قد وصلت.

الإسقاطات المعاصرة لم تخلُ منها الحواريات ففي الحوارية الرابعة «العجوز المتصابي» وهوسه بالنساء ولزوم أن تعشقه على شكله وعمره, كانت الملابس والإكسسوارات من لحية وشعر صورة ألفها الجمهور في مقاطع الفيديو التي انتشرت حول بيع وشراء السبايا في العراق, والمشهد الثاني من حوارية المركب عندما يصر كارونتي على إجبار الفيلسوف الدجال والجاهل على أن يحلق لحيته ويقوم مينيبوس باستخدام السيف لحلقها, وسط خوف الفيلسوف من قطع رأسه بدل حلق لحيته فيجيب مينبوس: «لحيتك أثقل من رأسك» في مشهد عالق في ذهن الجمهور من قطع الرؤوس على شاشة التلفاز, لينتهي المشهد بحلق اللحية فقط, ومشهد المركب الذي ينقل الموتى إلى الجحيم كحال السوريين اليوم في ركوب البحر إلى أوروبا، إضافة إلى استخدام مصطلحات حديثة مثل « تجار الأزمات – الديمقراطية».

ليست الإسقاطات المعاصرة ما أعطت زخماً فكرياً للعمل المسرحي, بل الفطنة والحذاقة والدهاء والنقد اللاذع الذي تميز به كاتب الحواريات لوقيانوس وللآسف نحن السوريين لم نعلم أنه سوري ولد في مدينة سميساط شمال شرق حلب على ضفة نهر الفرات عام 121 ميلادي وتلقى تعليما أدبياً وتاريخياً وفلسفياً باللغة اليونانية, حتى أصبح معلماً في الخطابة والمحاماة, ووصل إلى روما عام 159 ميلادي كمبعوث وممثل لبلده سورية ومن ثم تولى منصباً رفيعاً كقاضٍ في محكمة الإسكندرية مدة ست سنوات، ليتوفى في عام 190 تاركاً أعمالاً كثيرة وصل منها 82 عملاً مؤلفاً منها الروائي والقصصي والهجائي والتاريخي والإخباري, ومنها الحواريات التي ترجمت إلى اللغة الايطالية فقط ليتأثر بها مثقفو إيطاليا ومنهم على سبيل المثال دانتي.

ثلاث عشرة شخصية من الحواريات تجسدت على المسرح لحماً ودماً ميزها الجمهور، وكانت حاضرة بقوتها وشخصيتها بشكل منفرد ولم تطغ واحدة على أخرى، مع العلم أن الممثلين هم من الهواة «طلاب جامعة», ويحسب للمخرج التصاعد الدرامي للأحداث حتى ولو كانت ضمن حواريات منفصلة، فخلال فترة العرض التي امتدت على مدى ساعة ونصف الساعة كان هناك ترقب للحدث الذي يلي الحدث المنتهي, واستخدام تقنية السينوغرافيا بشكل موظف تماماً حيث كانت عنصرا مكملا للمشهد المسرحي ولم تسرق عين الجمهور عن الممثلين, وحتى الموسيقا التي أعدتها رشا قجميني كانت منسجمة مع الجو الأسطوري للعمل المسرحي فاختارت الآلات الوترية والطبول في المؤثرات الموسيقية, كما ساهمت الملابس والإكسسوارات التي صممها إبراهيم المهندس في تكريس واقعية للشخوص.


مشاركة :
طباعة

أُترك تعليقك