الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي تعنى بإعداد الإنسان لمواجهة المجتمع بما فيه من قيم ومعايير تنظم العلاقات بين أفراده، وهي اللبنة الأساسية في تكوين شخصية الطفل وصقلها وتربيتها ومن هنا لابد أن يؤثر في هذا التكوين العديد من العوامل وأهمها العلاقة بين الوالدين، فإذا كانت هذه العلاقة مبنية على المحبة والطمأنينة والمودة في المعاملة مع الأولاد فهذه الشخصية ستبنى نمواً سليماً معافى، ولاشك أن التوافق الأسري بين الوالدين واتفاقهما على الأساليب التربوية في التعامل مع الأبناء يهيئ المناخ الأسري المطلوب لنجاح العملية التربوية الاجتماعية. فإذا كانت العلاقة القائمة بين الوالدين مبنية على أساس الحب والتفاهم والتعاون فإن ذلك يشكل لدى الأطفال مفهوم الذات الإيجابية أما انعدام الحب والوفاء بين الوالدين يؤدي للسلوك المضطرب والعدواني لدى الأطفال وينعكس هذا السلوك على علاقة الوالدين التي يشوبها القلق والتوتر.
وإذا كانت العلاقة مبنية على الاحترام والتفاهم بين الوالدين فهذا يخلق بيئة اجتماعية طيبة ينمو فيها الأبناء نمواً اجتماعياً سليماً على عكس العلاقات القائمة على الخلافات والمشاحنات التي تؤدي للاضطرابات النفسية والتي تجعل المنزل مشحوناً بشكل دائم.
وهناك أيضاً العلاقة بين الوالدين والطفل والتي تقوم على الاحترام والتقدير بينهم فإنها تؤدي إلى الإحساس بالسعادة فضلاً عن نمو قدراته الذاتية وامتلاك مهارة التعامل مع الآخرين، فإن عدم الاهتمام بالطفل وعدم تقدير مشاعره يكون مفهوماً سلبياً لذاته تظهر في بعض المظاهر الانحرافية للسلوك. كما وينصح أن تكون المعاملة الوالدية للأبناء عادلة سواء بين الصغار والكبار أو بين الذكور والإناث بحيث يعطى كل واحد منهم الرعاية والاهتمام مع مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء.
ومن هنا فإن التماسك الأسري يحقق التفاعل الاجتماعي السليم بين أفراد الأسرة ويسهم بالتالي في النمو الاجتماعي للأبناء واستعدادهم للتكيف مع الآخرين والتعامل معهم وهذا يتطلب من الوالدين تقوية الروابط الأسرية وخلق جو من التفاهم والتعاون بين أعضاء الأسرة جميعاً كل حسب حقوقه وواجباته.
لذلك حظي التفكك الأسري بالاهتمام حيث يؤدي إلى انحلال الرابطة الزوجية ويقدم خبرة مؤلمة للزوجين وحالة مزعجة ومحزنة للأطفال فالطفل يفقد الدعم العاطفي بين الوالدين كما يشعر بعدم الأمن والطمأنينة.
وقد يحدث التفكك الأسري بسبب فقدان أحد الوالدين وتحمل الآخر عبء استمرارية الأسرة وقد ينجح في ذلك أو يخفق ولا سيما إذا ما حدث الزواج للمرة الثانية وأصبح الأطفال في وضع جديد لا يستطيعون التكيف معه.
كما يمكن أن يحدث التفكك الأسري الضمني بسبب الخلافات الزوجية المتكررة وعدم قدرة الزوجين على تجاوزها وخلق أوضاع بديلة يمكنهم التكيف معها والحفاظ على الأسرة.
وأخيراً، لبناء الشخصية أهمية كبرى في الطفولة ولكل فترة ميزاتها ومتطلباتها والوالدان هما المسؤولان الأساسيان عن تأمين المتطلبات التربوية للأطفال في كل فترة أو مرحلة، فإذا كانت حياة الوالدين الزوجية والأسرية سليمة وإيجابية قائمة على الحب والهدوء والتفاهم وأداء الأدوار المتكاملة الإيجابية، كانت تربية الأبناء تربية سليمة خالية من القلق الشخصي والاجتماعي، أما إذا كانت حياتهم مليئة بالمشاحنات والتناقضات الاجتماعية والفكرية والنفسية فإن ذلك يؤثر سلباً في أدوارهما التربوية تجاه الأبناء فيعانون مشكلات نفسية عديدة تضعف من تكيفهم الشخصي وكفاءتهم الاجتماعية.
هالة محمود