تحتل سورية مكانة مرموقة في فن النحت عالمياً منذ غابر الزمن ويكفيها فخراً أن نحاتيها هم أول من نحت في العالم من الطين وجهاً بشرياً كاملاً وطبيعياً اكتشف في موقع تل بقرص الأثري في خرائب البيت رقم 17 ويؤرخ بالعصر الحجري الحديث ما قبل الفخار /ب/ بالفترة الواقعة ما بين 6400- 5900ق.م شغل بدقة متناهية تصور هيئة الرأس والوجه بصورة كاملة وطبيعية وقوية التعبير وبكامل ملامح الوجه.
ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد قارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف ان فن النحت السوري يمتاز منذ تاريخ ظهوره الأول في العصر الحجري الحديث بالتزامه بقوانين الانسجام والإيقاع والتوازن والتأثير المتبادل في الوسط المحيط ويعتمد على إبراز حجوم الأشكال وعلى أساليب التنظيم الجمالي ويركز بشدة على ما يصور إنسان ما على إبراز الهيئة الإنسانية وإظهار حركتها ووضعيتها.
وأضاف السيد ان فن النحت السوري اختص بأسلوب يمزج بين الواقعية والفطرية والقيم الجمالية ومهارة أسلوبية عالية ومقومات فنية رفيعة فحافظ بذلك على حضور قوي على مدى تاريخ الفن التشكيلي العالمي واتسم بالعقلانية والريادة من حيث الطرح والمضمون والأسلوب الواقعي والتعبير البسيط والمقروء فضلا عن البناء المتين للأحجام والنعومة الحسية في التجسيم.
ويشهد على براعة النحات السوري وسعة فكره في تصوير المشهد المراد نحته وإبداع أنامله في نحت الشخصيات والنباتات المراد تصويرها في المشهد كما يقول المؤرخ السيد مسلة أو نصب تذكاري صغير مشغول من حجر كلسي مدور في الأعلى حفر عليه مشهد مركب بشكل متناظر ومتناسق ومتعادل ومتماثل وهو من الأمثلة النادرة جداً في العالم لقطعة أثرية منحوتة على حجر كلسي ويصور المشهد ضمن إطار يحيط بالنصب التذكاري زهرتي لوتس كرمز للحياة والخلود وشخصين متقابلين على الأرجح ملكين أو أميرين وفي كل طرف يوجد جانب من منضدة صغيرة بقائمة واحدة مرتفعة يرتدي الشخصان ملابس طويلة ويستند كوع كل من الشخصين على دعامة حجرية أو رقيم حجري منقوش عليه على الأرجح بنود التحالف المتفق عليها بين الشخصين ويبدو في المشهد كل من الشخصين يمد يده اليمنى نحو الأعلى بهدف تشابك الأيدي وأداء القسم على احترام بنود التحالف هيئة الشخصين وحجمهما وملابسهما متناظران ومتماثلان بدقة متناهية ويقفان على قاعدة واحدة والخلاف الوحيد الملاحظ بين الشخصين هو اختلاف تسريحة الشعر.
اكتشف النصب التذكاري في مملكة أوغاريت (حالياً رأس شمرة الأثري) ويؤرخ بعصر البرونز الحديث وهو محفوظ حالياً في متحف حلب.