الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

دراسات عمالية

الصفحة السابقة »

المقومات الاقتصادية للدولة

المقومات الاقتصادية للدولة


د . إبراهيم الصعبي

لا يمكن دراسة أي دولة وتقييمها في مجال مسيرتها في بناء قوتها الذاتية ما لم تدرس مواردها الطبيعية كمقومات أساسية أو كمفتاح لقوتها الوطنية. وإن كميات وتنوع هذه المقومات الاقتصادية وإمكانية استثمارها بشكل جيد يستخدم عادة للتمييز بين الدول الفقيرة والغنية بها ، حيث إن إمكانية وسهولة الحصول على كميات كافية من المواد الخام ومصادر الطاقة على جميع أنواعها أو المواد شبه المصنوعة المستخدمة في صناعات العُدد واللوازم العسكرية تعتبر بمثابة دلائل القوة. وإن قابلية الحصول على هذه المواد لا يعني بالضرورة أن الدولة تنتجها ضمن حدودها السياسية، وإنما تعني إمكانية السيطرة على كميات ضرورية عن طريق التجارة والاتفاقات، فقطاعات اقتصادية كثيرة في دول عديدة تعتمد على سهولة وإمكانية استيراد موادها الأولية من أسواق أجنبية . وبناءً على ذلك فإن قوة الدولة المالية وأرصدتها تظهر هنا كعنصر أساسي في إمكانية الحصول على الموارد الطبيعية أو امتلاكها .
وعبارة إمكانية الحصول على المواد، تشمل عناصر عديدة تتمثل في مواقع ومصادر المادة الأولية ودرجة تطورها والسيطرة السياسية والقوة المالية من رؤوس الأموال والتقدم العلمي والفني على مستوى عالٍ. وتسمى بعض المواد الأولية (مواد إستراتيجية) إذا كانت صفات تربطها بأمن الدولة ومسيرة قوتها وبناء مكانتها العسكرية والسياسية والاقتصادية بالإضافة إلى بناء مجتمعها وتطويره وسلامة مواطنيها وأمنهم. وقد ثبت أن السيطرة الاقتصادية والسياسية اللازمة للحفاظ على تدفّق هذه المواد من مصادر إنتاجها إلى مناطق استهلاكها من المهمات العسكرية والأساسية الحساسة، وهذا لا يمكن الحصول عليه إذا غابت هذه السيطرة، لذا فقد ترتّب على معرفة هذه الحقيقة ظهور فكرة (شرايين الحياة) التي تمد الدولة بحاجتها والتي أصبحت حماية هذه الشرايين من الأمور التي تمس المصلحة الوطنية والأمن القومي .
ومن الطبيعي أن كل دولة من دول العالم لها موارد طبيعية قلّت أو كثرت من كميتها أو نوعيتها، وأن بعض دول العالم تتمتع بموارد طبيعية قليلة، بينما نجد دولاً أخرى بموارد كثيرة الكمية عظيمة الأهمية. كما أننا نجد بعض الدول استطاعت أن تستغل أو تستثمر مواردها على الشكل الذي يحقق لها الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، بينما نجد دولاً أخرى لعبت في مقدراتها مؤثرات خارجية جعلتها لا تجني من خيراتها إلاّ النزر اليسير، لذلك فإنه من الأمور البديهية أن يرتبط مستقبل الكيان السياسي بما يتوفر لديه ضمن حدوده من موارد الثروة الطبيعية على مختلف أنواعها، لأن وجود هذه الثروة وإمكانية استثمارها باستقلالية يؤثر تأثيراً بالغاً في مستقبل قوة الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونعود هنا ونقول إن قوة الدولة لا ترجع أصلاً إلى حجم مواردها الطبيعية التي تمتلكها ضمن حدودها السياسية فقط، وإنما الذي يحدد ذلك القوة الفعلية للقدرة البشرية المتمثلة في التقدم العلمي والفني لاستثمار هذه الموارد .
ولا بدّ لنا من توضيح كلمة موارد، فهي في نظر الجغرافية السياسية أي شيء تمتلكه الدولة، أو يمكنها الحصول عليه أو تتوصل إليه ليدعم إستراتيجيتها، والموارد إما تكون محسوسة كالتربة أو المعادن أو غير محسوسة مثل الزعامة أو يمكن قيامها مثل السكان أو يصعب قياسها كالوطنية . وتصنف الموارد إلى خمسة أصناف وكما يلي :
1-موارد متاحة فوراً وذات أثر فعّال في قوة الدولة مثل الحديد الصلب والأسمدة .
2- موارد يمكن توفرها بعد تشغيل الوحدات المنتجة بكل طاقاتها .
3- موارد يمكن الحصول عليها بعد التغيير والتحوير .
4- موارد يمكن الحصول عليها بعد تنميتها كالثروات المعدنية المعروف وجودها .
5- الموارد النظرية المحتمل وجودها ضمن إطار الدولة الجغرافي .
كما تعرف الموارد كذلك بأنها : " كل شيء يملكه الشعب أو يستطيع الحصول عليه أو إنتاجه لتعزيز مركزه وقوته أو إنها أي شيء تملكه الدولة أو تستطيع الحصول عليه لتعزيز مكانتها الدولية " .
أنواع الثروات الطبيعية وكيفية استثمارها ودورها في بناء القوة الوطنية
تشمل الموارد الطبيعية كافة المواد الخام التي توجد أو تدخل في تركيب الأرض (قشرتها وباطنها) كالتربة التي توجد على سطحها والمعادن المخزونة في باطنها. كما تشمل مياه البحار والمحيطات وكافة الأجسام المائية وما تحتويه من ثروات عضوية وغير عضوية. كما أن الغطاء النباتي والغلاف الجوي بكافة محتوياتهما وعناصرهما تعتبران من الموارد الطبيعية وكذلك كل مصدر من مصادر الطاقة المعروفة حالياً والتي يمكن استخدامها مستقبلاً كالطاقة الشمسية وطاقة المد والجزر والجاذبية الأرضية وغيرها من بدائل مصادر الطاقة المعروفة في الوقت الحاضر .
ونظراً لأهمية هذه الموارد وارتباطها بحياة الكيانات السياسية وأمنها القومي، لذا يتوجب على الدول وشعوبها استثمار هذه الموارد بالشكل الأمثل لندرتها ومحدوديتها ودخولها في سير عجلة حياة الدولة ومواطنيها. فعملية المحافظة على احتياطيها والتكامل الحكيم مع ما ينتج منها ويستغل لهو أمر يتطلّب إعداد خطط اقتصادية سليمة ومتكاملة الجوانب تقوم على خطوات أساسية وضرورية. فمسح ودراسة الموجود والممكن وجوده من ثروات طبيعية واتّباع مخطط سياسي اقتصادي يرمي إلى تحكّم سليم في الاستهلاك من دون التبذير في المستثمر من هذه الموارد، وإن من أهداف هذه المخططات السير في عملية الاستهلاك الحالي وربطه بتوقعات التطور والزيادة بشكل واقعي رصين. وإن محافظة كهذه تتطلب بنفس الوقت استمرارية المتابعة في تنفيذ العمليات وتقنين الاستثمار بشكل يتماشى مع واقع الاحتياجات المطلوبة للسير بالدولة ومواطنيها بالشكل الصحيح، لأن القيمة الفعلية لأي مورد من الموارد الطبيعية ترتبط بفترة زمنية معينة ولها تأثير بالغ في عملية بناء القوة النسبية لتلك الدولة. ويتماشى مع الموارد الطبيعية، ومصادر الطاقة عناصر مهمة في بناء القوة والهيمنة الدولية، وتلك هي عناصر المساحة وعدد السكان والمستوى الثقافي والعلمي .

 


مشاركة :
طباعة