الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

السوريون أول من دون في العالم باثنين وعشرين حرفا أبجديا مسمارياً

2019-02-26 07:38:56

اللغة هي أرقى شكل من أشكال التواصل والاتصال بين بني البشر وهي هبة فطرية تكتسب في الوسط المتكلم والكتابة هي الوسيلة الثابتة للتعبير عن الفكرة وقد شكل اختراع الكتابة أهم حدث في النهضة الثقافية بالعالم القديم والتي بدأت مع استخدامها نهاية عصور ما قبل التاريخ وبداية العصر القديم وتوثيق الحدث وتأريخ الوقائع وبفضل الكتابة تم تدوين وحفظ ونقل تراث الحضارة الإنسانية من جيل لآخر ومر تطور الكتابة بمراحل عديدة تمثلت بالصورية والرمزية والصوتية والمقطعية والأبجدية المسمارية والأبجديات الهجائية.

ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد خبير الآثار السوري وقارئ النقوش الكتابية القديمة إن الدراسات اللغوية واللقى الأثرية والنقوش الكتابية المكتشفة في مختلف المواقع الأثرية توثق إسهامات الحضارة السورية ودورها الرئيسي في ظهور نظم الكتابة والحساب وتطورها في العالم وريادة الحضارة السورية في ميدان الكتابة والحساب لم يكن محض صدفة بل هو ثمرة التقدم الحضاري الذي دأب السوريون على إنجازه في العصور السابقة.

وأكد المؤرخ السوري أنه لولا علم التدوين لما حضرت الكلمة على السطور وانتقلت من جوهرها اللامادي إلى المادي المسجل عبر الأمم والشعوب والمجتمعات وحافظت على حضورها كتراث توارثته القرون ليصل إلينا وإلى الأجيال الأخرى والاتصال الكتابي اتبع قواعد التطور الثقافي للمجتمعات ويمكن اعتبار الرسم والتلوين على جدران الكهوف والمغارات أول أشكال الكتابة في التاريخ والمراحل الأولى التي سبقت اختراع نظم الكتابة.

ولفت السيد إلى أن الكتابة مرت بمجموعة من المراحل التي ساعدت في تطور مفهومها ففي سورية ابتكرت للمرة الأولى في العالم قطع حجرية هندسية صنعت من حجر كلسي بهدف العد وتدوين عدد من السلع المتبادلة بعدما أصبح من الصعب الاعتماد على الذاكرة  واكتشفت أقدمها في موقع تل الجرف الأحمر ويبلغ ارتفاعها 7ر1 سم وتؤرخ بالألف التاسع قبل الميلاد ومحفوظة بالمتحف الوطني بدمشق وهي أقدم من القطع الهندسية الصغيرة المصنوعة من الطين المشوي والمكتشفة في عيلام وبلاد الرافدين والمؤرخ أقدمها بالألف السابع قبل الميلاد والتي تجسد حوارا بين شخصين بهدف تدوين عدد السلع المتبادلة بينهما وهذه الرموز تشير إلى الحيوانات والمنتجات الزراعية كالخراف والقمح والزيت.

وأكد الدكتور السيد أنه اكتشف في سورية أقدم دليل في العالم حتى الآن على استخدام أداة تشبه القلم في التدوين والكتابة حيث وجد في موقع تل الجرف الأحمر الأثري على الضفة اليسرى لنهر الفرات لوحات حجرية بازلتية حفر عليها أقدم أنواع الكتابة الصورية في العالم وأقدم دليل على العد والإحصاء في العالم بواسطة أداة تشبه القلم حيث استخدم المدون نحت رأس الثور وكرره عشرات المرات في عملية الحساب ومع العلم أن صورة رأس الثور ترمز في الكثير من الكتابات القديمة إلى حرف الألف كما هو الحال في الكنعانية  والكتابة الصورية البدائية السينائية والكتابة الفينيقية…تنسب اللوحات إلى عصر النيوليت ما قبل الفخاري أو يمكن تأريخها في الفترة الواقعة بين 8700 و 8500 سنة قبل الميلاد وهي محفوظة في المتحف الوطني بدمشق.

وفي أواخر الألف الرابع قبل الميلاد ظهرت أولى محاولات التدوين على ألواح أو رقم مصنوعة من طين وكانت عبارة عن نصوص حسابية سجلت عليها أعداد رؤوس الماشية وأكياس الطحين وجرار الزيت ومنتجات أخرى.. اكتشف أهم هذه الرقم في جبل عارودة وتل براك وحبوبه الكبيرة.

ثم ظهرت في أوائل الألف الثالث قبل الميلاد الرقم الطينية التي وثقت بواكير محاولات الانتقال من الرمز الصوري إلى التدوين بالرموز المسمارية اكتشف أهمها في موقع تل براك وتل جبل عارودة ومحفوظين في متحف حلب ومتحف دير الزور.

وتوثق الرسوم الجدارية وقراءة النقوش الكتابية القديمة المكتشفة أن سورية هي أحد أقدم المراكز الحضارية في العالم التي اهتمت  بتدوين التاريخ وتوثيق أحداثه وسبق السوريون في ذلك شعوب المشرق واليونان والرومان ويوثق ذلك تدوين السوريين لأقدم سيرة ملك كاملة في تاريخ الشرق القديم والعالم على تمثال ادريمي ملك ألالاخ ويمثل النقش كتابة أكادية مسمارية دونت بالخط المسماري البابلي الوسيط وتشغل الكتابة معظم واجهة التمثال الأمامية وحتى على لحيته وعلى حافة الخد الأيمن وتتألف من 104 أسطر وهي أول وأقدم سيرة ذاتية كاملة مدونة لملك في تاريخ الشرق القديم والعالم فيها سرد عن حياته وإنجازاته بالتفصيل والتمثال محفوظ حاليا في قسم مكتشفات المشرق القديم في المتحف البريطاني برقم متحفي 130738.

ويبقى أهم ابتكار موسيقي قدمه السوريون إلى الحضارة الإنسانية هو تدوين أقدم نوتة موسيقية كاملة في العالم منقوشة على رقيم فخاري يحتوي أربعة أبيات شعر مدونة بالكتابة المسمارية الحورية يليها ستة أسطر مدونة بالكتابة المسمارية الأكادية فيها أسماء الأبعاد الموسيقية البابلية عثر عليها أثناء حملات التنقيب في خرائب مملكة أوجاريت في محافظة اللاذقية في الفترة الواقعة ما بين 1950 و 1955 وتؤرخ بعصر البرونز الحديث بالقرن الرابع عشر قبل الميلاد.

ونوه السيد بأن نظام الكتابة المسمارية الأبجدية الأوجاريتية يتألف من 30 إشارة أو رمزا مسماريا أبجديا 27 منها ساكن والرموز الثلاثة الباقية صوتية وقد شكلت أبجدية أوجاريت القاعدة الأساسية في ابتكار وظهور الأبجدية الفينيقية التي ابتكرت عام 1000 قبل الميلاد والأبجدية الآرامية والأبجديات الأخرى التي اشتقت من الفينيقية والآرامية كالمؤابية والعمونية واليونانية والنبطية والتدمرية والسريانية والعربية الجنوبية والصفائية والعربية الشمالية.

عماد الدغلي

المصدر : جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة