الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

الحوار الثقافي الزائف

2019-02-26 07:21:26

تعرف «اليونسكو» الثقافة بكونها حزمة معقدة من الخصائص الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً ما، أو مجموعة اجتماعية معينة، وهي لا تتعلق فقط بالفنون والآداب، بل تتضمن أيضاً أنماط الحياة، والحقوق الإنسانية الأساسية، ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات.

فهل يمكن أن نطلق العبارة جزافاً على من نسميهم (مثقفين) حين تختل واحدة من هذه الاشتراطات؟ وقد يعترض أحدهم قائلاً، إن هناك أكثر من (100) تعريف للثقافة، وليس شرطاً أن نعتمد اليونسكو، ونتفق معه بتعدد التعريفات، لكنها كلها لا تخرج من محددات هذه التوصيات التي لخصتها المنظمة الأممية ببراعة العارف باختلاف ثقافات المجتمعات وتباينها جغرافياً وتاريخياً.

لكن ما يستوقفنا هو حجم الخلل المتواجد في الشخصية التي يفترض أنها تحمل صفة مثقف وهي تمارس طقوسها اليومية بخرق واضح قد نراه في طريقة الأكل، وفي الملبس، وفي الحديث مع الآخرين، وفي تعملق الأنا، وفي تعاملها مع مفهوم الخصوصية، سواء لذات الشخصية أو الآخر، وفي أسلوبها في التخطيط (الذاتي) لمشاريع ترسم بعناية في العقول لتحديد مكتسبات آنية ومستقبلية وتتغافل عن مواقف كان لابدّ لها من أن تأخذها بجدية حتى لو دفعت في المقابل بعضاً من خسارات ما تم التخطيط له بعناية.

تختزن الثقافة ذاكرتنا المعرفية بالأحداث والشخوص ومنها ننطلق أن نكوّن خزيناً معرفياً يتعامل مع فكرة الاجتهاد والتجديد وفهم واستيعاب كل مرحلة تمر بها المجتمعات بدراية الخبير المتخلص من أمراض المجتمعات البدائية.

نفتقر الشجاعة في البوح الحقيقي ونقف على مسافة متشظية من كل ما يحيط بها، ولا نجد مسالك منظمة جيداً لنعكس شخصية متوازنة مجتمعياً ومعرفياً، فتتداخل الصور، وكأننا نحمل عدة وجوه في وجه واحد، سواء المصبوغ بالألوان، أو المختفي وراء أقنعة تتشكل تباعاً ويستقبلها مرتدوها بترحاب لا تغفله عين المجتمع أبداً، ثقافة الافتقار إلى الحوار السليم هي الصبغة العامة اليوم، ونحن نمر بواقع اجتماعي وفكري وثقافي يتعرض للكثير من التمظهرات القلقة التي تترك تأثيراتها على مستوى التربية والتعليم والمؤسسة الثقافية والإعلامية في الوطن العربي، وهذه العناصر الأربعة لا يمكن إغفال ضعفها وترديها أن تضخم لكونها هي المؤسس الأول لبناء الإنسان، فإن اختلت ثلمت هذا البناء بطريقة قد يصعب لاحقاً ترميمها دون دفع مزيد من الخسائر على مستويات ومفاصل تشكل في مجملها صورة المجتمع وثقافته التي قد تسمى زائفة ولا يمكن تخليصها من زيفها دون تبني الحوار الثقافي السليم بكل مستوياته.

د.رحيم هادي الشمخي

أكاديمي وكاتب عراقي


المصدر : جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة