الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

السوق العقارية.. جمود يحاكي الواقع الاقتصادي.. واستثمارات تنتظر عودة رؤوس الأموال

2019-01-28 12:14:32

يعكس واقع حال السوق العقارية والجمود الذي يعاني منه هذا القطاع مدى تأثره بالأوضاع المالية والأزمات المتتالية التي يعيشها الاقتصاد الوطني والحالة المعيشية العامة للمواطن الذي فقد مع كثرة التحديات الكثير من مدخراته التي كانت تستثمر في العقارات.

والغريب أنه رغم حالة الجمود إلا أن الأسعار بقيت على حالها ولم تنخفض وذلك لعدة أسباب منها ما يتعلق بإحكام سيطرة التجار على هذا القطاع ومنها ما يتعلق بارتفاع مواد البناء وأجور اليد العاملة التي فرضت كما يقول الكثير من المتعهدين والتجار أنها باتت مرتفعة جداً وتفرض حضورها في عمليات البيع والشراء.

 

انفراج

يراهن تجار العقارات على حالة الانفراج الأمني التي بدأت تعم البلاد، وما سيتمخض عنها من دخول لأموال المغتربين وضخها في السوق العقاري، وما يعزز رهانهم هو أن أموال المغتربين لم يطلها التآكل الناجم عن انخفاض سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، كونها لا تزال بحوزتهم بالقطع الأجنبي، وبالتالي لديهم القدرة المالية إما على شراء العقارات بهدف اقتنائها، أو الاستثمار فيها.

 

الملاءة المالية

وتبرز العقارات الفارهة في هذا السياق لتبدو وكأنها خارج إطار ما ينتاب السوق العقارية من تجاذبات، إذ يلاحظ أن لها بورصة خاصة بها يديرها مختصون يعرفون كيف يتعاملون مع من يعتبرون أن امتلاك منزل فخم ضرباً من البريستيج الاجتماعي، ومؤشراً على مدى الملاءة المالية لدى مالكه، وليس حاجة ضرورية وملحة حسب ما هو متعارف عليه لدى بقية الفئات، ما يجعل هذا النوع من العقارات خارج معادلة العرض والطلب في معظم الأحيان، لأن ملاك هذا النوع من العقارات لا يشترونها بغية المتاجرة بها وارتفاع أسعارها لاحقاً، وإنما بهدف (المباهاة) بها اجتماعياً في حفلاتهم وولائمهم الخاصة..!

 

بوصلة السوق

وفي الوقت الذي يحمل فيه البعض أصحاب هذه العقارات الفاخرة مسؤولية انحراف بوصلة سوقنا العقارية ولو بشكل غير مباشر، من خلال تكريسهم –ولو بغير قصد- قاعدة (العقار هو الملاذ الآمن للحفاظ على السيولة) على اعتبار أن قسماً منهم يوظف جزءاً من أمواله في هذا المجال تخوفاً من أزمات محتملة ولو بعد حين، والقسم الآخر يحوِّل إيرادات أعماله إلى أصول عقارية فاخرة، بدلاً من توسيع استثماراته، ليصل الحال ببعض رجال أعمالنا إلى التركيز على المضاربة بالعقار على حساب الاستثمار في القطاعات الأخرى الخدمية منها والإنتاجية، يرى البعض الآخر أن المصارف تلعب دوراً كبيراً بتحريك سوق العقار بما يلبي احتياجات طالبي السكن، إلا أن دورها حالياً شبه معدوم في هذا الاتجاه نظراً للشروط غير الميسرة التي كانت تفرضها في هذا الجانب، ولعل الحل الأمثل لتفعيل دور المصارف في هذا الجانب يتمثل بأن يكون هناك دعم مباشر أو غير مباشر من الدولة لهذا النوع من القروض شريطة أن يوجه لشريحة الدخول المتدنية حصراً، وذلك إما عن طريق دعم الفوائد أو عن طريق تحرير الاحتياطات مقابل قروض الإسكان، فهذا من شأنه تشجيع المصارف للدخول في هذا المضمار، مع الإشارة إلى أن قروض الإسكان مجدية وتحقق ربحية جيدة للمصرف.

 

الجمود والركود

بالمقابل نجد أن لأصحاب المكاتب العقارية رأياً آخر يتمثل بأن السوق مصابة بالمرض نتيجة الجمود والركود، لكن نتيجة الظروف واشتدادها سكنياً، باتت بعض المناطق أفضل من غيرها بعدما شهدت العقارات والإيجارات نشاطاً منقطع النظير، وصار الطلب على العقار لجهة الإيجار أكثر مما هو متوفر ومعروض ليصل في كثير من الأحيان لعدم وجود شقة للإيجار، فالطلب أكثر من المعروض؛ وهو ما جعل بعض الأحياء تتحرك عقارياً بعد سبات عميق عاشته طوال العامين الماضيين. كما أن كثيراً من المواطنين – خاصة أولئك الميسورين مادياً – أقبلوا على الشراء في مرحلة معينة بغية جني أرباح هائلة بعد فترة من الزمن، في ظل معطيات سوق غارقٍ في الجمود والوهم، واللافت في ملاحظات بعض أصحاب المكاتب هو دخول المقامرين بسوق العقارات إلى الشراء في مناطق رسمت على المخططات التنظيمية حدائق ومدارس؛ لأنهم يملكون القدرة على تغيير تلك المخططات..!

 

مساحات شاسعة

ويبدو أن أسعار الأراضي لا تزال عصية عن أي تغيير لأسباب عزاها بعض المعنيين لتمسك أصحابها بها لمرحلة ما بعد الأزمة، حيث يحدوهم الأمل بتدفق العديد من الاستثمارات العقارية والاقتصادية، خاصة الأراضي المتاخمة لدمشق والقريبة منها، مع الإشارة هنا إلى أن كثيراً من المستثمرين يملكون مساحات شاسعة استحوذوا عليها بحجة إقامة منشآت صناعية وزراعية، لكنهم آثروا المضاربة بها وتحقيق أرباح طائلة انعكست بشكل أو بآخر على ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والتجارية.

إذاً لا مناص من تحمل الحكومة لمسؤوليتها الكبرى لجهة حل أزمة السكن وتأمينه بالأسعار الاجتماعية إن صح التعبير، ممثلة أولاً بالهيئة العامة للتطوير والاستثمار العقاري ولاسيما أن القانون 15 الناظم لعملها ينص على تأمين السكن الاجتماعي لذوي الدخل المحدود، لكن على أرض الواقع لم نلمس أي ترجمة فعلية لهذا الموضوع نتيجة لعدم جدية المطورين بالإقدام على إحداث مناطق تطوير عقارية لأسباب ربما تتعلق بعدم الجدوى الاقتصادية، أو لعدم الرغبة الفعلية بالاستثمار العقاري، أو لغياب التسهيلات والمرونة التي يتطلبها عمل شركات التطوير.

وثانياً المؤسسة العامة للإسكان المعنية بتأمين السكن لمحدودي الدخل بشروط ميسرة، ومع إقرارنا هنا بأنها مؤسسة ذات طابع اقتصادي بحت، وتهدف بالدرجة الأولى لتحقيق الربح وتخليها عن دورها الاجتماعي، ومن منطلق تعارض هذا الدور مع الطابع الاقتصادي لنشاطها، كان أحد الأسباب الرئيسية لتراجع أدائها، وضعف مساهمتها في سوق الإسكان، وابتعادها عن أهدافها الأساسية.

لاشك أن عدم توفر السيولة المالية أثر بشكل كبير على سوق العقارات عدا عن ارتفاع أسعار مواد البناء خصوصاً الإسمنت والحديد.

هلا نصر


مشاركة :
طباعة