يحكي لنا تاريخ الأدب العربي عن شعراء سخروا من أنفسهم ومن غيرهم أيضاً, فكانت إبداعاتهم هذه في مجال السخرية نوعا مهما من أنواع الشعر عبر عصوره المختلفة, فمنهم من سخر من نفسه للحياة التي يعيشها ومنهم من سخر من جماعته وعشيرته – هؤلاء الشعراء أضافوا للمكتبة العربية أروع الصور الشعرية, فهم شعراء ظرفاء, ومنهم أبو فراس, الشاعر الذي غنت له السيدة أم كلثوم قصيدة "أراك عصي الدمع" وهي من أروع وأبدع ما كتبه من شعر عاطفي جميل. وكذلك الشاعر "أبو دلامة" الذي أطلق عليه لقب خفيف الظل وهو فعلاً كذلك من خلال أشعاره وتعبيراته وسخرياته اللاذعة!.
ثم ابن الرومي الذي سخر من كل شيء حتى من نفسه. وهناك شعراء ظرفاء كثيرين, بشار بن برد الذي قال في شعره ساخراً من الشاة التي قدمها له الفتى وكانت ضعيفة نحيلة:
وهبـت لنـا يـا فـتى منقـر وعجـل وأكرمهم منزلا
وأبسـطهم راحـة فـي الـندى وأرفعـهم ذروة فـي العلا
عجـوزاً قـد أوردهـا عـمرها وأسكـنها الدهر دار البلى
ثم قال عن نفسه: عميت جنيناً والذكاء من العمى! ومن شعراء السخرية أيضاً الشاعر أبو نواس الذي قال:
دع الشكوى وهات الكأس نسكر ودعـك مـن الـزمان إذا تنكر
وهـام بـي الأسى والـبؤس حتى كأني عـبلـة والبؤس عنـتر
كأنـي حائـط كتـبوا عـليـه هنا يا أيها المزنوق "تـرتـر"
وكان طه حسين سليط اللسان وقد سخر من غيره عندما كان وزيراً للمعارف لما ثاروا عليه وذهبوا إليه وهم يهتفون به قائلين يسقط الوزير الأعمى, فما كان منه إلا أن خرج وقال لهم عبارته اللاذعة "الحمد لله الذي جعلني أعمى حتى لا أرى وجوهكم القبيحة" وهناك أدباء كثيرون غيره سخروا من كل شيء وهذه سخرية من شاعر مجهول يقول في عبارة على قبره:
أيـهـا الـزائـر قـبـري اتــل مــا خـط أمـامـك
هـا هـنا فـاعـلم عظـامي ليـتـها كـانـت عـظـامـك
د.رحيم هادي الشمخي
المصدر : جريدة كفاح العمال الاشتراكي
لمتابعة أخبار الاتحاد العام لنقابات العمال على قناة التلغرام عبر الرابط التالي:
