الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

التشاركية ليست هوية اقتصادية وليست خصخصة وتكون فقط في مشاريع البنية التحتية

2018-12-09 08:59:24

غالباً ما كان الجهل بالمصطلحات والمفاهيم العلمية والبحثية والاقتصادية سبباً في خلط المسائل والقضايا المطروحة، وتضارب في فهم مجريات الوقائع والمعطيات وتداخل التفسيرات..وأحياناً قد يكون سبب التضارب هو إشكالية الاسم أو الأحرف المركبة منه، حيث تتشابه الأحرف فيلتبس الفهم، ومؤخراً تردد الحديث عن مصطلح (التشاركية) بوصفه أحد الحلول المطروحة لمعالجة جملة من المشكلات البنيوية في عدد من القطاعات، وخاصة بعد تداعيات الحرب العدوانية على سورية..وزاد الاهتمام بهذا المصطلح، وتردد القول بأن التشاركية مشتقة من التشارك ومن التعاون و.. بحيث يمكن أن نفهم أي مصطلح يتشابه معها بنفس الفهم.
خلط بين المفهومين
الباحث الاقتصادي الدكتور نبيل سكر المدير التنفيذي للمكتب الاستشاري السوري للتنمية والاستثمار بدمشق لاحظ مسألة الخلط بين مفهومي (التشاركية) و(القطاع المشترك) لدى معظم الاقتصاديين والصحفيين والمهتمين، إلى درجة أن البعض جعل التشاركية هوية اقتصادية وعنوان المرحلة المقبلة، كما يقول في بحثه، وكثرت المشاريع الاقتصادية وغير الاقتصادية المقترحة من هنا وهناك للانضواء في ظل قانونها، القانون رقم 5 لعام 2016.
مشاريع بمخاطر عالية
وفي هذا يوضح الدكتور سكر بالقول إن المقصود «بالتشاركية» أصلاً هي شراكة بين قطاع الدولة الإداري (ويركز على الإداري) والقطاع الخاص في مشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، وهي مشاريع ما كان للقطاع الخاص الدخول فيها بسبب مخاطرها العالية، وما كان هناك رغبة من الدولة السماح له في الدخول فيها لأنها مشاريع هدفها خدمة المصلحة العامة.
 ويعرض الدكتور سكر بالقول إنه في دول عديدة وخلال السنوات الثلاثين الماضية بدء باللجوء إلى القطاع الخاص لتولي كامل الاستثمار في مشاريع البنى التحتية نظراً للحجم الكبير للاستثمار في مثل هذه المشاريع، ومحدودية موارد الدولة وعدم رغبتها باللجوء إلى المديونية لتنفيذها، وذلك من خلال إقامة شركة خاصة تعمل حصراً لتنفيذ المشروع، مملوكة بالكامل من المستثمر أو مجموعة المستثمرين (يمكن طرح أسهمها للاكتتاب العام)، من دون أن تدخل الإدارة الحكومية صاحبة المشروع في ملكيتها، وتتحمل هذه الشركة كل مخاطر المشروع وتمويله (ذاتياً أو بالتعاون مع المصارف)، على أن تتولى مؤسسة الدولة صاحبة المشروع الإشراف على تنفيذه وضمان المصلحة العامة في ذلك، وتعود ملكية المرفق لكنف الدولة بعد انتهاء عقد المشروع مع الجهة الخاصة، وهنا يخلص الدكتور سكر للقول بأن التشاركية بهذا المفهوم ليست خصخصة.
بسبب التضارب في الفهم
إلا أنه وبسبب التضارب الحاصل في المصالح هنا ما بين فريق يهدف إلى الربح وهو القطاع الخاص، وفريق يهدف إلى تحقيق المصلحة العامة وهي الدولة، لذلك عادة ما تقوم الدول بإصدار قانون خاص للتشاركية يمنح الحوافر للقطاع الخاص للدخول في هذه المشاريع عالية المخاطر ويضع ضوابط للحفاظ على المصلحة العامة في تنفيذها وإدارتها وتسعير خدماتها.
القطاع المشترك
من جهة ثانية يوضح الدكتور سكر في بحثه بأن (القطاع المشترك) عادة ما يكون شراكة استثمارية بين القطاعين العام والخاص في مشاريع سياحية أو زراعية أو صناعية أو غيرها، بهدف تحقيق الربح أي من دون وجود تضارب في المصالح، ومن ثم يمكن أن يخضع تأسيس هذه المشاريع ونشاطها للقوانين النافذة، من دون الحاجة لقانون خاص.
وفي سورية ولأن القطاع العام الاقتصادي يخضع تأسيس شركاته ونشاطاتها ورواتب عمالها إلى قوانين خاصة، في حين تخضع مشاريع القطاع الخاص لقوانين أخرى كقوانين التجارة والشركات والعمل، فقد صدرت في السابق قوانين خاصة للقطاع المشترك الربحي الذي يجمع بين العام والخاص، بعضها في النشاط الزراعي وأخرى في القطاع السياحي وغيره، وقد اختلفت أحكام هذه القوانين في غياب قانون خاص للقطاع المشترك يتم اعتماده في كل القطاعات.
مقترحات بتعديل القانون
ومن وجهة نظره اقترح الدكتور سكر عدة مقترحات لتعديل قانون التشاركية الحالي رقم 5 لعام 2016 قبل بدء العمل فيه، وذلك لإخراج المشاريع التشاركية الربحية منه (أي مشاريع القطاع المشترك) وحصره بمشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، مع إضافة المشاريع التشاركية في مجال إقامة المدن والمناطق الصناعية، نظراً لأهميتها في مرحلة إعادة الإعمار، معتبراً إياها مشاريع مرافق عامة.
أيضاً اقترح تضمين مشاريع التشاركية في مجال السكن الاجتماعي، وهي المشاريع العصية على القطاع الخاص بسبب تدني ربحيتها وارتفاع مخاطرها في قانون الاستثمار والتطوير العقاري، القانون رقم 15 لعام 2008 بعد تعديله.
كما اقترح الإسراع بتمكين القطاع العام الإداري وتأهيل القطاع الخاص وتطوير القطاع المصرفي/ المالي استعداداً للتشاركية، حيث أن هذه القطاعات الثلاثة غير مستعدة لها بعد.
تطوير إمكانات القطاع الإداري
يرى الدكتور سكر أنه على القطاع العام الإداري رفع قدراته في طرح هذه المشاريع والإشراف على تنفيذها بشفافية وحرفية، بعيداً عن الضغوطات والمحسوبيات، والقطاع الخاص الذي لازال مفتتاً وضعيفاً عليه التحول نحو العمل المؤسساتي، حتى لا يحتكر الأقوياء هذه المشاريع، والقطاع المصرفي/المالي عليه فتح الباب للمؤسسات المصرفية الاستثمارية والمؤسسات المالية غير المصرفية التي تقدم التمويل طويل الأجل، لأن المصارف التجارية القائمة هي مصارف تجارية ولا تستطيع بودائعها القصيرة الأجل تقديم التمويل طويل الأجل.
قانون للقطاع المشترك
ومن جملة هذه المقترحات وجد الدكتور سكر أن يتم إصدار قانون خاص يسمى قانون القطاع المشترك، ينظم تشاركية العام والخاص في المشاريع الإنتاجية والخدمية الهادفة إلى الربح، نظراً لخضوع الطرفين لقوانين مختلفة بالنسبة لهذه المشاريع الربحية، حيث أن أهداف هذه المشاريع ومبرراتها وحجم استثمارها ومخاطرها ومتطلبات دور الدولة فيها وأساليب الإشراف عليها، مختلفة تماماً عن مشاريع البنى التحتية والمرافق العامة.
ويرى الدكتور سكر أن قانون التشاركية في صيغته الحالية غير صالح للعمل، وكذلك الأمر بالنسبة لتعليماته التنفيذية التي تم إعدادها في وقت قصير (ثلاثة أسابيع)، ويرى أن يتم العمل على إعادة دراسة الموضوع من البداية بفكر جيد وعقل جديد، مشيراً في هذا إلى الصيغة التي تم إعدادها في العام 2010بمساعدة خبراء دوليين متخصصين والصيغة الأخرى التي تم إعدادها في العام 2014، وكلتاهما حصرتا القانون بمشاريع البنى التحتية والمرافق العامة، أسوة بالقانون المصري والقانون الأردني ومؤخراً القانون اللبناني.
ليست الجيل الثالث
وخلافاً لما تم التصريح عنه من قبل الجهات المعنية، يرى الدكتور سكر أن التشاركية لا تشكل الجيل الثالث من أجيال الاقتصاد السوري، بعد جيل القطاع العام وجيل اقتصاد السوق الاجتماعي، معتبراً أن التشاركية ليست هوية اقتصادية.
وبرأي الدكتور سكر فإن ما جرى على قانون التشاركية من تشويه، جاء لإبعاد تهمة الخصخصة عنه، الأمر الذي جعل منه قانوناً غير قابل للتطبيق بسبب شموليته وتعقيداته، ويؤكد الدكتور سكر أن التشاركية ليست خصخصة، والخصخصة ليست تهمة، وإن كان الأمر كذلك فقد لا يكون هناك عيباً طالماً أن اقتصاد السوق الاجتماعي فتح المجال واسعاً لنشاط القطاع الخاص.
محمود ديبو

المصدر: جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة