الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

معهد دراسات عربي يتقصّى «أحلام» ابن سلمان الاقتصادية

2018-11-27 09:56:30

شككت دراسة نشرت حديثاً في إمكانية نجاح الخطة الاقتصادية لولي عهد النظام السعودي محمد بن سلمان، التي حملت اسم «السعودية 2030».
وجاء في الدراسة التي أعدها الزميل زياد غصن ونشرها معهد الدراسات المستقبلية في بيروت أن تنفيذ هذه الرؤية دونه صعوبات وشكوك عديدة، تبدأ بطبيعة التحديات الداخلية الكثيرة المتراكمة منذ عقود طويلة، مروراً بالدور السعودي الإقليمي الذي قاد المملكة إلى التورط بشكل مباشر في حربين عسكريتين دوليتين (سورية- واليمن) ودخولها في حرب مفتوحة ضد إيران، وانتهاء بالصورة السلبية المتشكلة للمملكة على الساحة الدولية باعتبارها مصدراً للتعاليم الوهابية، التي تشكل المرجعية الفكرية والعقائدية لجميع التنظيمات المصنفة دولياً كمجموعات إرهابية.
بعيدة عن الهمّ العربي
ووفق الصحفي غصن فإن الرياض، وعلى خلاف دول عرفت بدول الطوق أو المواجهة، فإن وجودها على خريطة الصراع العربي- الإسرائيلي بقي محكوماً غالباً بالعلاقة الاستراتيجية التي تربط الرياض بالإدارات الأمريكية المتعاقبة، وإذا كان هناك من دور فهو لا يتعدى تقديم بعض المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية، وتالياً فهي لم تكن مهددة أمنياً أو عسكرياً بشكل مباشر نتيجة الصراع العربي- الإسرائيلي، وهو ما جعل السعودية تعيش سنوات طويلة مرحلة «استقرار» إقليمي رغم حروب الخليج الثلاث.
هذه السنوات التي يمكن القول إنها امتدت على مدار عقدين من الزمن، وكانت بحق سنوات رخاء، انعكس طيفها على الفائض الكبير في موازنة المملكة الذي وصل في أصعب سنوات العقد الأول الماضي عقب الغزو الأمريكي للعراق إلى أكثر من 100 مليار دولار، لم تتغلغل تأثيراتها الإيجابية عميقاً في ثنايا المجتمع السعودي وقطاعاته الاقتصادية والاجتماعية، إذ بقيت الدولة النفطية الأولى في العالم تعاني المشكلات التنموية والاقتصادية والاجتماعية نفسها التي تعانيها دول العالم الفقيرة والنامية، لجهة نسبة البطالة ومعدلات الفقر وشيوع الفساد وغياب العدالة الاجتماعية وغيرها.
والمقصود بحالة الاستقرار المشار إليها سابقاً، كما يوضح الكاتب، أن المملكة لم تُستنزف في حرب طويلة، أو تشهد توتراً مستمراً على حدودها، أو تواجه حركات تمرد داخلية واسعة، مع أنها استُنزِفت مالياً في حروب قصيرة الزمن نوعاً ما، كالحرب العراقية- الإيرانية، حرب تحرير الكويت عام 1991، والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، إنما بالمجمل يمكن القول: إن المملكة أضاعت سنوات عديدة، وكان بإمكانها استغلالها لإحداث تأثير واضح في مؤشرات الوضع الداخلي وعلى مختلف المستويات، وهذا مردّه للأسباب الآتية:
– غياب الشفافية والإفصاح في عمل مؤسسات المملكة، الأمر الذي شجّع على الفساد والمشاريع الوهمية والصفقات المشبوهة محلياً ودولياً.
– استمرار اعتماد المملكة على النفط كمورد أساسي للإيرادات، وهذا تسبب بضمور النمو في القطاعات الصناعية والتجارية، المولّدة بطبيعة الحال لفرص العمل والمنشط للدورة الاقتصادية وللصادرات.
– تزايد وتيرة الإنفاق العسكري بعد حرب الخليج الثانية عام 1991 ليبلغ ذروته في العقد الأول من القرن الحالي رغم عدم وجود تهديد أمني أو عسكري مباشر، ولم تقتصر المشكلة فقط على خروج مبالغ هائلة من دائرة التنمية لتصب في خدمة الجهد العسكري، وإنما امتدت لتشكل توقيع صفقات سلاح ضخمة يشوبها فساد كبير.
– سياسة الدعم العشوائية المتبعة لأسباب سياسية ودينية، والتي تسببت باستنزاف هائل وكبير للثروات والموارد من دون أن تحقق تلك السياسة غايتها التنموية والإنسانية بدليل زيادة نسبة الفقر بين المواطنين السعوديين وفق التقديرات الرسمية والمستقلة.
الثروة المفقودة
وتحت عنوان «الثروة المفقودة»، يستعرض الزميل غصن الواقع الاقتصادي السعودي، فيشير إلى أن الإجراءات الاقتصادية الاستثنائية، التي اتخذها الملك عبد الله مع بدايات ما يسمى «الربيع العربي»، شكلت اعترافاً سعودياً رسمياً بأن المملكة كغيرها من بعض دول المنطقة ليست بمنأى عن أي اضطرابات شعبية، باعثها الأساسي سيكون تداعيات الوضع الاقتصادي الداخلي.
وأضاف: ومع ذلك فإن السنوات التالية، والممتدة من العام 2011 ولغاية إطلاق ولي العهد ابن سلمان رؤيته الاقتصادية الشهيرة، لم تشهد تحسناً ملحوظاً في أداء المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة بشكل مباشر على حياة السعوديين وأوضاعهم المعيشية, الأمر الذي يؤكد حالة الفصام الحاصلة بين السياسات والتوجهات الاقتصادية المعلنة رسمياً وبين ما يجري تنفيذه على أرض الواقع، وإن كان هناك من يعيد المشكلة برمتها إلى الانخفاض الحاد الذي تعرضت له أسعار النفط خلال الفترة المذكورة، إلا أن مسيرة الاقتصاد السعودي خلال العقود السابقة تكشف أن تحسن أسعار النفط وانعكاسها المباشر على زيادة الناتج المحلي الإجمالي والصادرات السعودية، لم تترك تأثيراتها الإيجابية على المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بحياة السعوديين بدليل مشكلتي البطالة والفقر الكبيرتين.
في حديث الأرقام المستند إلى ما أعلنه صندوق النقد الدولي في ختام مشاوراته مع المسؤولين السعوديين حول المادة الرابعة في تموز من العام 2017، تحضر مجموعة من المؤشرات الاقتصادية السلبية حول أداء الاقتصاد السعودي خلال السنوات الست الماضية، هذا رغم ترحيب الصندوق بـ(الإصلاحات الهيكلية) التي تعكف الرياض على تنفيذها ولاسيما في القطاع المالي والضريبي.
النجاح والفشل
وتناولت الدراسة بالتحليل والمؤشرات الإحصائية فرص نجاح وفشل الخطة السعودية، حيث تتباين التوقعات حيال فرص نجاح تلك الخطة وتحقيقها للأهداف المعلنة، ففي الوقت الذي يبدي فيه المسؤولون السعوديون ثقتهم بحتمية تنفيذ الرؤية (الضرورة) يؤيدهم في ذلك فريق من السياسيين والاقتصاديين المحليين والدوليين ووسط ترحيب من المنظمات الدولية، يشكك فريق آخر بإمكانية وقدرة الرياض على تنفيذ تلك الرؤية وفق ما هو مخطط له، بالنظر إلى الأوضاع العامة السائدة محلياً وإقليمياً ودولياً، مستنداً في ذلك إلى مجموعة حقائق لا يمكن القفز فوقها، وعليه ما لم تشهد هذه الحقائق تغييرات جوهرية خلال السنوات العشر القادمة فإن تنفيذ الرؤية الطموحة سيكون في خطر، ومن أبرز هذه الحقائق مايلي:
– عدم استقرار الوضع الداخلي السعودي بالحالة التي تتطلبها الاستراتيجية الاقتصادية المذكورة، سواء لجهة الصراع الخفي على العرش بين أفراد العائلة المالكة، أو لجهة الاضطرابات الشعبية المستمرة في المنطقة الشرقية، أو لجهة التوقعات بتعرض الداخل السعودي لهجمات من قبل جهاديين سعوديين عائدين.
وعليه فإن الإصلاحات الاقتصادية المعلن عنها لن تحقق غايتها الكاملة ما لم تترافق بإصلاحات سياسية تحد من المصالح الشخصية لأفراد العائلة المالكة والمرتبطين معهم بمصالح واسعة، وتبطل كل مسببات الاحتقان الشعبي الحاصل بفعل غياب العدالة والاهتمام التنموي.
– المستقبل الغامض لأسعار النفط، فمنذ مطلع العقد الحالي وإيرادات المملكة من النفط تتراجع سنوياً تحت ضغط انخفاض الأسعار والتزام البلاد بكميات إنتاج محددة، الأمر الذي يعني أن المملكة ستواجه مشكلة في تمويل بعض الإصلاحات والمشاريع في حال تراجع أسعار النفط، وبالتالي لن يكون أمامها سوى اللجوء إلى احتياطياتها من القطع الأجنبي أو الاقتراض أو توسيع دائرة الخصخصة.
وهي خيارات سيكون لها تأثيرها المباشر على الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
– الإنفاق العسكري المتزايد للمملكة نتيجة انخراطها المباشر في حروب إقليمية (اليمن- سورية) ودخولها في سباق تسلح مع إيران، ووفق ما جاء في موازنة العام 2018 فإن الحكومة السعودية خصصت ما يقرب من 83 مليار دولار للقطاعين العسكري والأمني، أي ما نسبته 31.9% من إجمالي اعتمادات الموازنة، وليس ثمة ما يشير إلى إمكانية حدوث تغيرات جوهرية في السياسة الخارجية للمملكة تؤدي إلى تقليص الإنفاق العسكري بشكل كبير.
– النزاع الخليجي- الخليجي والذي بدأ بمقاطعة الرياض وأبو ظبي والمنامة للدوحة وحصارها برياً، ولا يُسْتَبعدُ أن يتطور هذا النزاع إلى حدوث خلافات أوسع داخل البيت الخليجي، ولاسيما أن هناك تبايناً خليجياً حيال الموقف السعودي من قضايا المنطقة.
– تأثر القرار السياسي والاقتصادي والسعودي بتوجهات ومواقف الحليف الاستراتيجي الأمريكي، وهذا تجلى بوضوح في الاستثمارات الضخمة التي حظي بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثناء زيارته للرياض، وعليه فإن رؤية 2030 يمكن أن تشهد انحرافات وصعوبات أثناء التنفيذ فيما لو شهدت العلاقات السعودية- الأمريكية تطورات أو تحولات معينة على مستوى العلاقات السياسية أو الاقتصادية.
– قيام المملكة بعد إقرار مشروع الرؤية بفرض ضرائب انتقائية ورفع أسعار الطاقة وبدء تطبيقها لضريبة القيمة المضافة هذا العام، وهذا يعني أن الإجراءات الإصلاحية التي تنوي السعودية تطبيقها في المرحلة القادمة سيكون لها تأثيرات سلبية مباشرة على الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، وفي حال لم تترافق تلك الإجراءات بمشاريع دعم مقنعة وتوسيع مظلة الخدمات الحكومية فإن ذلك سيقود إلى ظاهرتين اجتماعيتين سلبيتين، الأولى تتمثل في تعمق مشكلة الفقر وزيادة حدتها وانتشارها نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة وبالتالي فقدان المشروع لزخمه، أما الظاهرة الثانية فهي تتعلق بـتأثر المناخ الاستثماري بفعل تراجع الإنفاق الاستهلاكي وارتفاع أسعار الطاقة وغيرها من تكاليف الإنتاج.
المصدر : جريدة كفاح العمال الاشتراكي


مشاركة :
طباعة