الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

فصل الإدارة عن المسألة الاجتماعية والاقتصادية في المشاريع الصناعية

2018-07-04 08:02:22

في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وسياسة العولمة واقتصاد السوق والخصخصة يتزايد الاعتراف في وقتنا هذا بأن الإدارة هي العامل الحاسم والأساسي في التنمية الاقتصادية.. فاستثمار رأس المال وادخال التكنولوجيا المتقدمة أو تحسين المهارات الفنية والمهنية لا يمكن أن يؤتى ثماره الكاملة في رفع أداء المشروع أو الصناعية أو اقتصاد أي دولة إلا إذا اقترن بالإدارة الحديثة.
والواقع أن المديرين في الصناعة –بأوسع ما تدل عليه كلمة المديرين- لا ينحصر دورهم الأساسي في الميدان الاقتصادي وحده، فالتشغيل الكفء للصناعة الحديثة يفرض آثاراً وشروطاً وظروفاً خاصة قد تكون متعارضة مع المفاهيم التقليدية والأساليب التقليدية للتفكير والتصرف.. ولما كانت هذه الآثار مستمرة وممتدة فإن المديرين يعتبرون نتيجة لذلك من العناصر البعيدة الأثر في التغيير الاجتماعي.. ولا حاجة بنا أن نذهب بعيداً كي ندرك السبب فالمديرين وخاصة من يتولون منهم أمر المشروعات الكبيرة والحديثة من أول الناس الذين يحتكون بالأفكار والأساليب والمناهج الجديدة يضاف إلى ذلك أن وضعهم في مراكز القوة الاقتصادية يتيح لهم نشر الأفكار والمعارف الجديدة بصورة أكثر مباشرة واتساعاً وشمولاً مما يتاح لمعظم الفئات الأخرى المتصلة بالمجتمعات الأكثر تقدماً من الناحية الاقتصادية.. وعلى ذلك فإن من المهم أن يدرك المديرين هذه الحقيقة وأن يكونوا على وعي بالتأثير الذي يمكنهم إحداثه في المجتمعات التي يعيشون ويعملون فيها.
إن المجموعة المعاصرة من المعلومات عن نظريات الإدارة وأساليب ممارستها قد جرى تطويرها أساساً في مجموعة صغيرة من الأفكار المتقدمة صناعياً وأن الاعتراف بأهمية هذه المعلومات لم يتحقق وينتشر حتى في الدول الأوروبية الصناعية إلا خلال الأربعين عاماً الأخيرة.
وأن حقيقة كون الإدارة الحديثة قد تطورت في مثل هذه المجموعة المحدودة من الأقطار تعني أن المديرين في الدول الأخرى الخارجة عن هذه المجموعة والراغبين في زيادة معارفهم وخبراتهم لابد لهم أن يسافروا إلى الخارج للدراسة والعمل أو أن يؤتى لهم بهذه المعلومات والمعارف حيث هم.. والذين يسافرون إلى الخارج من هؤلاء المديرين غالباً ما يعودون إلى أقطارهم وقد تغيرت نظرتهم تغيراً جذرياً إذ يكتسبون معلومات لابد لهم من تكييفها إذا شاؤوا أن يستخدموها استخداماً فعالاً في نطاق الظروف الخاصة لأقطارهم.
وقد اتضح بشكل متكرر أن هناك مشكلات حقيقية تعترض المديرين في تطبيق هذه المعلومات بسبب نفس ظروف العمل المختلفة عن نظيرتها التي تدربوا في ظلها بالخارج وبسبب الاخفاق في توجيه الاهتمام الكافي إلى التقاليد والعادات وأساليب التفكير والتصرف والسلوك التي قد يتحتم تعديلها أو تكييف معلوماتهم الجديدة بما يلائمها.. وعندما يأتي خبراء من الدول المتقدمة صناعياً للمعاونة في ادخال الأساليب الفنية الحديثة للإدارة فإنهم قد يجدون أنفسهم يعملون في بيئات بالغة الاختلاف عن تلك التي اكتسبوا فيها خبرتهم وتدربوا عليها ومن المحتمل جداً أن تواجههم عقبات لم يكن في مقدورهم التنبؤ بها ولم يفدهم تدريبهم وتوجيههم المهني للتعرف عليها وفهمها؟
وأن التأخر النسبي من جانب الأقطار التي هي في طور التصنيع في ادراك أهمية الإدارة كعامل حاسم في تحقيق الكفاءة الصناعية والتقدم الاقتصادي قد أدى -على مدى السنوات القليلة الماضية- إلى زيادة حادة في الطلب على التعاون الفني في هذا الميدان وأن العدد الكبير من العمليات التي يجري تنفيذها حالياً في جميع أنحاء العالم والعدد الدائم التزايد من طلبات التعاون ترتبط بشكل مستمر من الأهمية العاجلة لاتخاذ جميع الخطوات الممكنة لضمان تنفيذ هذه العمليات بأقصى قدر ممكن من النجاح. ومن الحيوي أن يتخذ كل اجراء ممكن لتحديد العوامل التي قد تؤثر تأثيراً سلبياً وإزالتها ولاستغلال العوامل الإيجابية استغلالاً كاملاً.. ويلاحظ في هذا الصدد أن العوامل الاجتماعية والثقافية في مختلف المجتمعات قد تكون ذات أهمية حاسمة بالنسبة لكفاءة تكييف المعلومات والأساليب وغرسها في التربة الجديدة.
العوامل الاجتماعية والأهداف الإدارية والاقتصادية
من الأمور البالغة الصعوبة أن تفصل العوامل الاجتماعية والثقافية الخاصة بأي مجتمع معين عن العوامل النفسية التي يشترك فيها البشر جميعاً كما أن هذه العوامل لايمكن أيضاً فصلها بسهولة عن العوامل الاقتصادية والسياسية ومع ذلك فإن هناك عوامل اجتماعية وثقافية معنية توجد في كل المجتمعات ولكنها تتأكد في الدول النامية بدرجة من الكثافة والتركيز تجعلها تكاد أن تختلف اختلافاً نوعياً عن نظائرها في الأقطار الأكثر تصنيعاً والأكثر تقدماً من الناحية الاقتصادية.
وليس كل هذه العوامل بالضرورة عقبات في سبيل الإدارة الناجحة والتنمية الإدارية وهناك عدد من المجتمعات يتوفر فيها الاستعداد لدراسة الأهداف والجديد من الأفكار والأساليب بغية اكتشاف المواضع التي يمكن أن تستخدم فيها الأفكار والأساليب استخداماً مفيداً. ولاشك أن المجتمعات التي تتميز بانتشار نوع من الانضباط والمبادرة يناسب الحياة الصناعية يمكنها أن تتقبل الكثير من جوانب نظرية الإدارة الحديثة وعلى ذلك فإن من الضروري أن تؤخذ في الحسبان جميع الخصائص المميزة لأي مجتمع معين سواء كانت خصائص مساعدة أو معاكسة بالنسبة للإدارة والتنمية الإدارية.
يضاف إلى ما تقدم أنه في أي نوع من المجتمعات الصناعية يلاحظ أن تعاظم دور الصناعة يميل إلى أن يجعل المتطلبات الكامنة في طبيعتها تحدث تعديلاً في العوامل الاجتماعية والثقافية ويلاحظ أن المجتمعات المتقدمة صناعياً في أمريكا وأوروبا وفي اليابان أيضاً قد بدأت تتشابه مع بعضها بشكل متزايد في عدد من النواحي المهمة. والعامل المشترك هنا هو حاجة الصناعية (مع زيادة نموها وارتفاع إنتاجيتها) إلى أن تجد مسارب متزايدة لتصريف منتجاتها وخدماتها، الأمر الذي يفرض عليها أن تنعش الطلب وتزيده على هذه المنتجات والخدمات، ومن الحق أن يقال أن جميع المجتمعات الصناعية الناجحة قد أصبحت -أو هي في سبيلها إلى أن تصبح- مجتمعات استهلاكية الاتجاه. والواقع أن هذا أمر حتمي اذا كان لهذه المجتمعات أن تنجح وتحقق العمالة الكاملة لأعضائها بعد أن يتم إشباع الاحتياجات الأساسية التي يتطلبها التصنيع والتي تتطلبها جماهير هذه المجتمعات بصفة عامة.
إن معظم الدول الآخذة حديثاً بأساليب الصناعة مازالت تحتاج إلى فترة طويلة نسبياً حتى تبلغ هذه المرحلة، إذ أن هدفها غالباً ما ينحصر في –ويتجه إلى- بناء الصناعات الأساسية فمهمتها هي أن تختار أهدافاً مرحلية متوسطة وأن تضع الأولويات وتوفر وسائل تحقيقها.
أمين حبش
المصدر: جريدة كفاح العمال الااشتراكي


مشاركة :
طباعة