الاتحاد العام لنقابات العمال
الاتحاد العام لنقابات العمال
أحدث الأخبار

جريدة الاتحاد

الصفحة السابقة »

حركة التصحيح المجيدة وبناء سورية المعاصرة

2014-11-11 23:02:49


حركة التصحيح المجيدة وبناء سورية المعاصرة

شكلت الحركة التصحيحية بقيادة الرئيس الخالد حافظ الأسد في السادس عشر من تشرين الثاني 1970 منعطفا هاما في تاريخ سورية والأمة العربية ، إذ جاءت ردا على الأزمة التي خيمت على الحزب ، ونأت به بعيدا عن جماهيره ، وشكلت تهديدا لقيم الحزب ومبادئه ، وألقت بظلالها لا على الحزب وحده ، بل على الوطن مهددة كل ما تم إنجازه منذ الاستقلال ، ولاسيما ما تحقق بعد ثورة الثامن من آذار ، وزاد من قتامة المشهد ما خلفته نكسة حزيران عام 1967 من منعكسات ، الأمر الذي تطلب نهجا جديدا في قيادة الحزب ، من أجل بدء مرحلة جديدة ، وذلك لحشد الطاقات الوطنية والقومية لمواجهة آثار العدوان ، لأن المعركة كانت وطنية وقومية في آن واحد . فكان لابد من تجميع طاقات الشعب من أجل إعادة بناء الدولة والتطبيق الفعلي للديمقراطية وإقامة مؤسسات دستورية ، ووضع دستور دائم للبلاد ، وإقامة سلطة تشريعية حقيقية ، ولتخليص سورية من شبه العزلة التي كانت مفروضة عليها على الصعيد العربي . كل تلك الظروف مجتمعة دفعت قواعد الحزب بقيادة الرئيس الخالد حافظ الأسد إلى التحرك لإنقاذ الحزب وسورية ، فكانت الحركة التصحيحية التي أعادت الحزب إلى جماهيره ، وأسست لدولة حديثة هي دولة المؤسسات والقانون ، وصار لسورية دورها الهام على الصعيدين العربي والدولي .
لقد شكلت الحركة التصحيحية نقلة نوعية ، ومنعطفا تاريخيا حاسما في حياة الشعب السوري ، لأنها نقلت سورية من مرحلة الانغلاق إلى مرحلة الانفتاح ، وبدلت معالم الحياة ، إذ ظهرت معالم جديدة شملت كل مظاهر الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فيها ، وغدت الديمقراطية سمة الحياة العامة في سورية ، ونعمت الجماهير في ظلها بالحرية ومارست دورها كاملا ، حيث عالجت الجماهير قضاياها المختلفة عبر المؤسسات الديمقراطية التي شهدت النور في ظل الحركة التصحيحية بما يخدم المصلحة الوطنية والمصلحة القومية العليا ، فكان الدستور الدائم الذي رسم معالم الحياة الديمقراطية في سورية ، وكرسها في جميع المجالات من خلال ما انطوى عليه من أحكام تحترم حقوق المواطن وحريته ، وتكفل له ممارسة هذه الحقوق والحريات ، بما ينسجم ومصلحة الوطن وجماهير الشعب ، وكان مجلس الشعب المؤسسة الديمقراطية والسلطة التشريعية العليا في سورية الذي مارس دورا مميزا في معالجة مختلف الشؤون التي تمس مصلحة الوطن وحياة الجماهير في جو من الحرية التامة والديمقراطية الشاملة ، ومن أهم الإنجازات أيضا مجالس الإدارة المحلية التي تمارس فيها الجماهير دورها كاملا على الصعيد المحلي بما يخدم مصالحها ويحقق تطلعاتها ، والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية على اختلافها ، حيث مارست فيها الجماهير دورا فعالا يخدم مصالحها وتوجهاتها في إطار المصلحة الوطنية العليا .
وكانت سورية سباقة على الصعيدين العربي والعالمي في نطاق التعددية السياسية والحزبية التي تجلت في قيام الجبهة الوطنية التقدمية ، هذه التجربة الرائدة التي ضمت جميع القوى الوطنية والتقدمية في سورية ، لتسهم وتشارك في عملية البناء الشامل الذي تشهده سورية على مختلف  الصعد ، فكانت الجبهة الوطنية التقدمية من أبرز إنجازات الحركة التصحيحية ، حيث تميزت بالمرونة والحيوية ومارست الجبهة دورها كاملا وفق أحكام ميثاقها ونظامها الأساسي في معالجة مختلف القضايا السياسية والاقتصادية ، وكل ما له صلة بالمصلحة الوطنية والقومية ، وأثبتت بذلك أنها تجربة حيوية تغتني بمرور الأيام ، وغدت الوحدة الوطنية في ظل التصحيح قوة متينة  حيث ازدادت عرى العلاقة بين الحزب والجماهير والشعب وثوقا ، وكانت التعددية الاقتصادية حيث القطاعات الثلاثة ، العام والخاص والمشترك ، التي وجهت جميع الطاقات لخير الوطن ، وزجتها في عملية البناء الاقتصادي على صعيد الصناعة والزراعة والمرافق والخدمات ، وكانت المصانع والمعامل والمنشآت الصناعية المختلفة التي وضعت سورية في طريق التصنيع ، وكان استصلاح الأراضي الزراعية ومشاريع الري وبناء السدود في مجال العمل الزراعي خطوة أساسية على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي ، وتحقيق الأمن الغذائي باعتباره المدخل للحفاظ على حرية القرار الوطني ، وكانت مشاريع الطرق وبناء الجسور ومد السكك الحديدية ، وإنشاء المطارات والمرافئ وبناء المدارس والمعاهد والجامعات ، وإقامة المراكز الثقافية ، وبناء المستوصفات والمستشفيات في مختلف مناطق سورية ، وكهربة الريف السوري ، وحصلت المرأة السورية على حقوقها ومكانتها ومارست دورها الطبيعي على جانب الرجل في بناء سورية الحديثة ، فكان لها حضورها القوي في مجلس الشعب والسلطة التنفيذية والجامعات والقضاء والسلك الدبلوماسي ، وفي المصانع والمشافي والمدارس ، حتى وصلت على منصب نائب رئيس جمهورية .
أما على الصعيد القومي فقد كان العمل الوحدوي والتضامن العربي والعمل العربي المشترك الشغل الشاغل لسورية ، لأن الوحدة العربية هي الهدف الأسمى لجماهير الأمة العربية من محيطها الى خليجها ، وفيها كل الخير للجماهير العربية ، فمن خلالها تستطيع الأمة العربية أن تحتل المكانة اللائقة بها بين الأمم ، وأن يكون لها دورها الحضاري المتميز على الصعيد العالمي . وقد كانت سورية الطرف الرئيس في جميع المحاولات الوحدوية بدءا من اتحاد الجمهوريات العربية عام 1971 ، إلى ميثاق العمل القومي مع العراق عام 1979 ، إلى اللقاء الوحدوي مع ليبيا عام 1980 ، ورغم أن تلك المحاولات لم تنته إلى ما كان مؤملا منها ، إلا أن ذلك لم يدفع سورية التصحيح  لليأس ، لأن الوحدة كانت ، وستبقى للتصحيح هدفا لا يعلو عليه هدف ، وسعت سورية على تحقيق التضامن العربي لدرء المخاطر التي تهدد وجود الأمة  العربية ، وكانت لسورية مبادئها الثابتة من قضية السلام وتحرير الأرض العربية واسترجاع الحقوق المغتصبة .
لقد جعلت الحركة التصحيحية بحق من سورية رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في أية معادلة تستهدف ترسيخ أمن المنطقة وضمان استقرارها ، وشكلت نقلة نوعية وخطوة متقدمة في اتجاه بناء الدولة العصرية بما تمتلكه من مقومات بشرية ومادية ، وكان ذلك كله قاعدة صلبة وأساسا متينا لكل ما تطمح إليه تطلعات السيد الرئيس بشار الأسد ، لإرساء منهج وقواعد التحديث والتطوير الذي تعهد به في خطاب القسم ، ملتزما بكل ثوابت التصحيح ومبادئه .  

د . نزار عوني


مشاركة :
طباعة